بريطانيا .. العضو الجديد في جمهوريات الموز - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

بريطانيا .. العضو الجديد في جمهوريات الموز

  نشر في 29 أبريل 2019 .


     جمهورية الموز, هكذا وصف فريد زكريا - المذيع في قناة سي ان ان الأمريكية- الوضع في مملكة بريطانيا, خصوصاً بعد البلبلة التي أحدثها البريكست أو عملية خروج بريطانيا من أورويا, منتقداً التصدع الذي استشرى بين الشعب و لم يسلم منها البرلمان , الذي لم يتفق حتى على خطوطٍ حمراء لأي اتفاق, فضلاً عن فشل كل التصويتات الاستدلالية. فما الذي حصل لهذه الدولة أو بقايا امبراطورية لم تغيب عنها الشمس في يوم من الأيام؟. لا نستطيع أن نفهم ما حدث دون قراءةٍ تاريخية أعمق لهذا الاستفتاء.

الانهيار الاقتصادي

     كلفت الحرب العالمية الأولى بريطانيا الكثير, من المصروفات الحربية إلى الموارد البشرية التي فُقِدت في تلك الحرب, إلى انتشار حالة استياء لدى المستعمرات التي ذهب أولادهم في تلك الحرب حمايةً للتاج الملكي. و على الرغم من اقتطاع أراضي من الدولة العثمانية و مستعمرات ألمانية في إفريقيا بعد نهاية الحرب, بلغت معها الإمبراطورية البريطانية إلى أبعد مدى لها من الأراضي و السكان, إلا أنها لم تستطع استيعاب تلك المساحات و السكان بتلك السرعة خاصة أنها خرجت من حرب طاحنة كلفتها الكثير. فكانت تلك نقطة في مسلسل انحدار الإمبراطورية, فبعد تلك الحرب انتشرت مظاهر القومية في المستعمرات و الحركات الانفصالية, خصوصاً بعد أن خسروا جنوداً من أبناء جلدتهم في سبيل التاج البريطاني. ثم ما لبثت أن دخلت في محاولات تثبيت سلطتها على المناطق الجديدة و القديمة أمام حركات الاستقلال و المقاومة من خلال قمعها أو بالدسيسة بين أطراف الحركات الاستقلالية على مبدأ فرق تسد. إلا أنها لم تكد تخرج من أتون الحرب الأولى و قمع الثورات حتى بدأت الحرب العالمية الثانية التي انتهت في بضع سنين بفوز الحلفاء و إنما بثمن باهظ, أكثر من ذي قبل. فقد تدمر الاقتصاد البريطاني و أبيدت الأعمال و مسحت المدن, و انتشرت الأوبئة و الأمراض.

التبعية السياسية

     كانت بريطانيا على وشك إعلان إفلاسها بعد الحرب العالمية الثانية لولا 4٫33 مليار جنيه قرض من الولايات المتحدة و التي تمكنت من الانتهاء من سداده بعد مدة طويلة في 2006, إلا أن هذا المال لم يكن من دون عواقب, فكما استخدمت بريطانيا الديون لاحتلال مصر, اُستخدِمَت هذه الحركة ضدهم و إنما ليس لاحتلالها عملياً بل سياسياً, فقد فقدت كثير من استقلاليتها السياسية. كما أن كل ما خلفته تلك الحرب هو إضعاف السلطة الإمبريالية أمام الحركات الاستقلالية فتفسخت أطراف تلك الامبراطورية و بدأت بلدانٌ تستقل عن التاج البريطاني. لكن من أكثر ما أصابهم من آلم هو تلك الفضيحة التي حدثت عام 1956 عند العدوان الثلاثي على مصر بعد تأميم قناة السويس, عندها هددت أمريكا بريطانيا أنها ستبيع الاحتياطات الأمريكية من الجنيه الاسترليني ما سيؤدي إلى انهيار الجنيه سريعاً, و ذلك مخافة أن يتدخل الاتحاد السوفيتي في مصر. عندها تجلت بوضوح أمام العالم صورة تبعية بريطانيا إلى أمريكا أحد مستعمراتها القديمة, لكن الأهم تجلي تلك الصورة المخزية للبريطانيين نفسهم, فأصبحت وصمة عار عليهم, إلى يومنا هذا لم يستطيعوا تجاوز تلك الوصمة. و لا أحد ينسى ما حدث في الحربين العبثية في العراق و أفغانستان مطلع هذه الألفية, عندما انضمت مع الولايات المتحدة الأمريكية, و كيف خسرتا تلك الحربين معنوياً و أخلاقياً و اقتصادياً.

الانتحار الرحيم

     قبل استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي, كانت هنالك دعوات للخروج منها منذ زمن طويل, و حتى نكون أكثر تحديداً منذ الأيام الأولى لدخول بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي كانت هنالك أصوات من البرلمانيين رافضة هذا الشيء, لكن لم يكن لذلك أي تأثير داخل البرلمان. الى أن وعد جيمس كاميرون رئيس الوزراء السابق لدى ترشحه لرئاسة الوزراء بوضع استفتاء للخروج من الاتحاد الأوروبي, على الرغم من كونه من المؤيدين للبقاء داخل أوروبا, لكنه أراد استمالة الناخبين المتشددين بالإضافة إلى كسب تأييد أعضاء حزبه من الداعيين للخروج من الاتحاد. و حتى عندما دعا إلى الاستفتاء لم يتوقع أحد أن تكون النتائج بالخروج من الاتحاد الأوروبي, فالعاقل لن يفرط بسوق موحد تذهب بضائعك إلى أنحاء أوروبا دون تعرفة جمارك. لكن ما لم يفهمه هو و كثير من السياسيين أن الشعب البريطاني ما زال يرزح تحت وطأة الانهيار الاقتصادي في 2008 و من الحربين العبثية في أفغانستان و العراق التي ما زالت الحكومة تحاول التعويض عن تكاليف تلك الحروب. فبدأت بتقليص ميزانية التعليم و الصحة و انتشرت البطالة و الفقر, فظهرت أصوات متشددين من المحافظين داعين إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي بغرض الاستقلال عن قوانين الاتحاد الأوروبي, و خصوصاً التنقل الحر بين أعضاء الاتحاد, و هو ما يسمح لمواطنين من دول أوروبا وتحديداً الشرقية من القدوم إلى بريطانيا و العمل ,خصوصاً البولنديين, و هو ما زاد من نسبة البطالة و الفقر. و كانت تلك الأسباب بالإضافة إلى الأكاذيب و المخاوف التي نشرها الداعيين إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي, بداية من أن الأتراك سينضمون إلى الاتحاد الأوروبي و سيغزون المسلمين الأتراك المدن البريطانية!, مروراً بالانتعاش الاقتصادي الذي ستحظى به بريطاني من حيث أنها ستعقد صفقات تجارية دون الحاجة إلى موافقة الاتحاد الأوروبي. فبدأوا بسرد البطولات و الفتوات البريطانية في الحرب العالمية الثانية, و هذا الكلام خرج من أناس مخضرمين في البرلمان البريطاني في محاولة لاستلهام مشاعر الناخبين, و في الحقيقة انهم لم يستطيعوا الخروج من سكرات الماضي سواء أكان الشعب أم النخبة الحاكمة, لم يستطيعوا أن يستوعبوا أن امبراطوريتهم التي اعتمدت على الأسطول الحربي لم تستطع أن تلبث أمام جارتها الألمانية عند الحربين الأولى و الثانية, كما أنهم في فترة الاحتلال استفادوا من الصدمة الحضارية, التي لم يكن أصحاب البلدان التي احتلوها قد شاهدوا مدفعاً أو مسدسات من قبل كما لم يتوقعوا ما حدث لهم, قي خضم تلك الصدمة و الانهزام النفسي استطاعوا احتلال تلك البلدان, و ليس الآن في عصر العولمة حيث تكون الصدمة الحضارية أقل من الماضي مع وجود وسائل التواصل, و لا ينسى أحد الهزيمة القريبة في العراق. و في نشوة الاعتداد بالتاريخ الاستعماري و الاستعلاء على جيرانهم أو الشعوب الأخرى, أصابتهم الثمالة فانحرفوا ببلدهم عن الطريق. ماذا يعني خروجهم من الاتحاد الاوروبي؟ يعني انهياراً في الاقتصاد, يعني احتمالية انفصال إيرلندا عنهم و قد تتبعها اسكتلندا .

     في العادة يطلق لقب جمهورية الموز على الدول التي تواجه انقلاباً عسكرياً, فما بالك إن قامت الدولة باختيارها أن تطلق رصاصة الرحمة على اقتصادها و ما بقي من شعوبها, فالإسكتلنديين و الإيرلنديين الشماليين صوتوا بالبقاء على خلاف الإنجليز و الويلزيين الذي صوتوا على الخروج, الدول الأربعة التي تكون بريطانيا اليوم. و قد ظهرت أصوات قوية في اسكتلندا و أيرلندا الشمالية للاستفتاء على الاستقلال من بريطانيا. كما ان بريطانيا استعدت من حولها من الدول الأوروبية بخطابات أعضاء البرلمان المتشددة التي جعلت كل أوروبا عدوة لبريطانيا و ما رددها الغوغاء من الشعب أيضاً, فقد نسوا أننا في العولمة الآن و من السهل تداول مثل هذه الأشياء.




   نشر في 29 أبريل 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا