ستكبرين و تنسين الألم
سميرة بيطام
نشر في 25 مارس 2018 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
حدث و أن قصدت مصلحة طب الأطفال في المستشفى الذي أعمل فيه لدواع مهنية ، فكان من الطبيب الذي كنت أكلمه يطلب مني القاء نظرة على حالة لطفلة عانت من مرض السرطان و هي قمة الصبر و عمرها لا يتعدى عشر سنوات ، فكان أن دخلت الى مكان تواجدها متتبعة لخطوات الطبيب المعالج ، فقدمها لي باسمها مريم ، فتبسمت لها و ألقيت عليها التحية فردت بفرح و التعب على وجهها و ذراعها موصول ببنج و قد بلغ منتصفه و لم تبد انزعاجا ولا تذمرا بل كانت تداعب دمية جميلة و هي تنظر لي و تود مساءلتي..
تقدم منها الطبيب و أخبرها أني مهتمة بشؤون الأطفال جئت لزيارتها ولم يقدمني على أساس أني زميلة معه في المستشفى ففهمت نية الطبيب في رفع معنويات الطفلة اليتيمة بعد أن أطلعني مسبقا بظروفها العائلية ، دنوت منها و مسحت على شعرها و قد كانت آية في الجمال و لو أن المرض اخفى ملامح ذاك السحر الجمالي بسبب سقوط الشعر و تبدل لون الوجه الى ما يوحي على الهزال و الضعف بسبب العلاج الكيميائي الذي كانت تتلقاه على فترات..
سألتها ان ما كانت تشعر بالألم فأجابت نعم ، ثم سألتها مرة ثانية : هل تريدين ان أذهب انا و أنت في نزهة الى حديقة بسيارتي ، فقالت : نعم و ارجو أن نصطحب معنا صديقتي المريضة هناك و اشارت بأصبع يدها الى رفيقة لها تعاني من نفس المرض ، فقلت لها : هذا جيد أن نكون ثلاثة ، ثم أمسكت بيدي و بجرأة قالت :
هل أخبرك الطبيب أني سأشفى ؟.
فأجبتها بنعم ، مسألة وقت لما تنتهي من دوائك كلية ستخرجين نهائيا من المستشفى ، فبكت الصغيرة و سكتت طويلا ثم قالت : أنا أتألم كثيرا و أفقد الوعي ، فقلت لها أعرف ان الألم شيء مزعج لك و لكنه رحمة من الله ، و ستكبرين و تنسينه نهائيا و شعرك سيعود كما كان و تصبحين أكثر جمالا ، ثم بكت و أخذت بيدي و طلبت أن آخذها للنزهة كما وعدت..
أمسكت بيدها بحرارة و قلت لها : سنخرج و نتمتع بوقتنا ..و في نفسي حديث عن الألم و كم من السنوات ستحتاج هذه الطفلة لتكبر فتنسى قسوة مرض يهدر الجسد و يفقد المعنويات لذة التحدي مع الحياة ، و يبقى للألم عنوان بغير والدين و في سن الطفولة اليافع.
غادرت المكان بعد أن امتلأت عيناي بالدموع حتى لا تنتبه الصغيرة لردة فعلي و قد شعرت فيها بمعنى الألم في عمق قوته...و قد ودعتها على أمل الخروج في نزهة مع الأمل.
-
د.سميرة بيطاممفكرة و باحثة في القضايا الإجتماعية
التعليقات
هناك امر يتغافل عنه الكثير ولا يولونه اي اهتمام !!
وهو .. الدعم المعنوي لمرضى السرطان ،
او اي مرض اخر ...
فالمريض بحاجة الى اشعاره ان سيشفى ، حتى لو كانت النسبة 1% ، فالعقل الباطن قادر على برمجة الشفاء للجسد 99% ، حتى لو كان المرض خطيرا !! لهذا السبب معظم الاطباء يخفون نوع المرض عن المريض ،
اعرف طفله مريضة بالسرطان تبلغ من العمر 7 سنين ، هي ابنة جارتنا ،
اصيبت بسرطان في البطن ، وضعف وهزل جسدها ، وكادت تموت !! ومضت عام كامل في المستشفى ، لكن ذويها واخوتها حولها ، يلعبون معها ويتحدثون ، وجلبو لها العاب وكل ماتحبه ، حتى شفيت ولله الحمد ، بعد مكوث عام في سرير المستشفى ، وأمل ان لايعاودها المرض هي وكل من تشافى منه .