صدفة فراق
نتَ الذي كنتَ ظلي ذات يوم، أصبحت تهربُ من لقائي حتى مصادفةً؛ التفتَ إلي مرتاباً كأنك لم تتوقع أن تجمعنا الصدفة يوماً كغريبين، رغم أنني تمنيتُ كثيراً إلا أنني كنتُ سأعبرك كأي غريب في الشارع.
نشر في 06 فبراير 2019 .
كم تمنيت في تلك اللحظة التي التقت فيها عيناي بعينيك أن أقفز في حضنك؛ لكنك سرعان ما عبرت إلى الرصيف المقابل هرباً من عيناي اللتان كانتا تلاحقانك. ألهذه الدرجة تحول ما كان بيننا إلى كره. وأنا التي لم أقتنع يوماً أنه مهما جرى أن الحب قد يتحول إلى كره. لكنه لم يتحول حتى إلى بغضاء .. بل تحول إلى كره مجنون.
أنتَ الذي كنتَ ظلي ذات يوم، أصبحت تهربُ من لقائي حتى مصادفةً؛ التفتَ إلي مرتاباً كأنك لم تتوقع أن تجمعنا الصدفة يوماً كغريبين، رغم أنني تمنيتُ كثيراً إلا أنني كنتُ سأعبرك كأي غريب في الشارع.
في تلك اللحظة شعرتُ بأنني دخلتُ في غيبوبة مؤقتة، كنتُ أتابعُ السير بشكل لاإرادي، أتخطى العابرين دون أن ألتفتَ إلى وجوههم. كان قلبي يخفق بشدة بين ضلوعي، لكنني لم أكن أرى ولا أسمع .. كنتُ مغيبةً للحظات، قبل أن ينبهني ذلك الغريب أنني أوقعتُ محفظتي على الأرض. أخذتها من يده .. لم أشكره .. مشى مسرعاً قبل أن أدرك أنني مدينة له بالشكر، وأنني في حالة ذهول منعتني من التفوه بتلك الكلمة البسيطة.
أمضيتُ يومي أسيرُ في الشوارع، أبحثُ عن غريبٍ أخبره حكايتنا وأرحل ويختفي. لم تكن نظراتك الحاقدة تذهب من أمامي؛ عندما التفت إلي ورمقتني بتلك النظرة المرتابة كأنني وحش يطارد طيفك. ثم عبرت إلى الرصيف المقابل مهرولاً، غير آبه بحركة المرور أو بالسيارات التي كانت تمر مسرعةً .. لربما كان الموت أهون بكثير عليك من رؤيتي.
كأنك نسيتَ أنك من تخليت عني، من رحل دون وداع ولا جواب؛ كأن خطيئتي كانت أن عدت أعيش حياتي بعدك كأنك لم تكن. أنانيتك جعلتك تتخيل أن الحياة بعدك لا يمكن أن تكون، وأن إنسانة مثلي يكسرها البعد ويحطمها الفراق .. أجل لقد بكيتك لساعات وافتقدتك لأيام، وبحثتُ عنك لأشهر .. واعتزلت العالم لسنوات ..
عندما سمعتُ خبر زواجك بالصدفة، شعرتُ بالغيرة، قالوا بأنك تعرفت عليها في المقهى الذي كنا نلتقي فيه؛ كان هذا بعد اختفاءك بأشهر معدودة، كنتُ ما أزالُ أتواصل مع أصدقائنا الذين هجرتهم بعد أن أصبحت مداخلاتهم تزعجني.
كان الجميع يحرضني على نسيانك، وعندما تجاوزتك ودخلتُ في علاقة حب جديدة أغرقوني في اللوم. اتهمني بعضهم بالخيانة .. كأن رحيلك لم يكن أعظم الخيانات؟!
ابتعدتُ عنهم حتى أكون وفيةً لما جمعنا يوماً، حتى لا أخبرهم كم كنتَ أنانياً وكم كنتُ حمقاء عندما انتظرت عودتك كل ذلك الوقت؛ بينما كنت أنتَ ترتب لعلاقة حب جديدة وزواج وعائلة .. رغم ذلك أنا فكرتُ بالنسيان بديلاً عنك وليس بالكره.
عندما أعدتُ شريط الذكريات، لعنتُ نفسي أنني تمنيتُ أحتضانك في تلك اللحظة، بدلاً عن هذا فكرتُ لو أننا حقاً التقينا .. كنتُ سأصفعكُ وسأنعتكُ بأبغض الكلمات على قلبك، هذا إن كنتُ ما أزالُ مؤمنة بأن لك قلب .. تباً لك.
أنا سعيدة .. ولماذا ستحزنني ذكراك؟! .. أنتَ لم تعد تعني لي شيء، اليوم قابلتكُ وتذكرتك، لكن في مصادفة أخرى لن أفعل، سأعبرك كأي غريب، وسأشكر الغريب الذي أعاد محفظتي. ولن ابحث عن غريب كي أخبره بقصتنا .. فقصتنا انتهت ولم يعد لها وجود يذكر .. "حبوا بعضون .. تركوا بعضون."؛ تختصر فيروز كل ما كان بيننا بسطر واحد ..
إن ما أقسى ما مر في ذاكرتي اليوم هو قدرتنا على التناسي، كم نحن جبارون في التخطي، هل هي قسوة أم قوة؛ لا يهم .. فذلك الإنسان على كل حال لم يكن أنت، كان شخصاً غريباً لكنه كان يشبهك كثيراً، لكنني لوهلة اعتقدتهُ أنت .. فنحن ذهب كل منا في طريق بعيد، ولم تعد أرض تجمعنا، فرقنا الحب، وفرقتنا البلاد .. لكنها كانت صدفة مؤلمة بكل ما تعنيه كلمة الألم من معنى، صدفة أحيت وأماتت بي الكثير!