يعدّ مفهوم المواطنة عنصراً إيجابياً فعالاً في بناء عقدٍ اجتماعي جديد بين المواطن والمجال السياسي( الدولة) حيثُ ينمُ عن ذلك صياغة فلسفةٍ الإنتماء والوطنية للدولة، يستشعر جميع أفراد الشعب بأن لهم حقوقٌ وعليهم واجبات.

لا بد لنا قبل أن نبدأ بتوضيح طبيعة العلاقة بين المواطنة والمجتمع وكيف يؤثر كلاهما في بناء مجتمعٍ واعٍ مدرك لحجم مسؤولياته الملقاءة على عاتقه، يتوجب علينا صياغةِ تعريفٍ شامل لمفهوم المواطنة يجمعُ عليه الباحثين والقراءّ وعلماء الاجتماع وواضعي القوانين والسياسات بأهمية التعريف كمدخلٍ حقيقيٍ للبناء عليه مستقبلاً.

إن المواطنة كتعريفٍ يكادُ أن يكون واضحاً لدى عامة الشعب بأنه مشتقٌ من كلمة وطن أي الجنسية فهو تعريفٌ بدهيً تتناقله القواميسُ والمعاجم ويكتبُ عنه القراءّ والباحثين وغيرهم من الذين يودون الكتابة أو الحديث عنه. لكنني اليوم أردت أن أبرز تعريفاً خاصاً بالمواطنة قائمً على أساس أنه ميثاقٌ غليط يربط بين المواطن والدولة بمواثيقٍ مقدسة يستحيلُ الكفاك منها أو التخلي عنها فهو أشبه بعقدِ الزواج الذي يربط بين الزوج وزوجته بروابط العطف والمحبة والمودة ثمّ ينتجُ عن ذلك الأمن والاستقرار النفسي والاجتماعي بين كليهما.

ربما يسأل قائلٌ لماذا قمت بتشبيه المواطنة بعقد الزواج. لأن المواطنة الفاعلة القائمة على مبدأ الحقوق والواجبات والمشاركة المجتمعية ستكون قادرة على بناء وطن يتحملُ المسوؤلية الملقاءة على عاتقه، ولهذا عندما يسود المحبة والعطف والمودة بين الإزواج يكونوا قادرين على بناء بيتٍ دافئٍ يشاركُ فيه جميع أبناءه ضمن نظام متساوٍ للحقوق والواجبات بدون أيّ تسلطٍ من طرف على حساب طرفٍ آخر.

ولهذا فإن طبيعة العلاقة بين المواطنة والمجتمع هي علاقة عضوية ترابطية يحاول أحدهما التأثير في الأخر عبر ممارسة الدور الحقيقي المرسوم لهما، لنأخذ على سبيل المثال التطوع في المجتمع والذي يستلزمُ قدراً من غرس ثقافة الإلتزام بالإنتماء للوطن فهو يطالبُ جميع أبناء المجتمع الواحد بالمشاركة والمساهمةِ في بناءه وإصلاحه عبر صورٍ شتى منها أن يقوم أبناؤه بترميم الإزقة ( الجدارن الإيله للسقوط والإنهيار)، وتنظيف الشوارع، وغرس الإشجار على آطراف الطرقات، ومساعدة المرضى وذوي الحاجات الخاصةِ في قضاء حوائجهم وتمكينهم من أن يكونوا جزءاّ فاعلاً ورئيسيا في مجتمعهم، وكل ذلك شريط أن يتحقق في أي مجتمع بشرط أن تتوافر المعاييرُ اللازمة لبقاء ديمومة العلاقة بينهما مبنية على الترابط والالتزام.

يمكنني القولُ بأن المواطنة وظيفة مستمرة يُمارسها كلُ مواطنٍ يعيشُ على رقعة وطنه وآرضه يستمدّ منها هويته التي هي رمز أصالته ووجوده وبقاءه. ولهذا فإن المواطنة وظيفةٌ يجبُ على المواطنين القيام بها وهذا ما عبر عنه جيمي كارتر الرئيس الأسبق للويلات المتحدة الإمريكية حينما آنتهت مدة رئاسته وعودته إلى ولايته قائلاً: أنه عائد إلى أعلى وظيفة في الدولة وهي وظيفة مواطن.