" من قال أني قد مضيت من قال أني قد رحلت" - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

" من قال أني قد مضيت من قال أني قد رحلت"

رغد خميس

  نشر في 01 أكتوبر 2016 .

اليوم تحديدا لن أدخل قسم "تراثنا" في مكتبة جامعة بيت لحم، لن أدخل المكان الذي أحب، هذا المكان الذي أشعر فيه بأني أنا، ولن أقف بالتحديد أمام فتحة الجدار الكبيرة الكافية لأن أخرج رأسي منها، سأهرب مما سيفتح أبواب الوجع حتى آخرها في قلبي، هذا ما قلته صباح اليوم عندما نظرت إلى جوالي والى التاريخ الذي يظهر على الشاشة،ارتديت ملابسي على عجل، وضعت ما وضعت في حقيبتي الصغيرة ذات اللون الكحلي، وتركت " أكله الذئب" و ناجي العلي في البيت وحيدين، أردت أن أمنحهم المساحة الكافية للبكاء ولممارسة الطقوس التي تليق في هذا اليوم من الأيلول الذي لا أحب، خرجت من البيت المغادرة الأولى آملة بأن لا أكون كالمعتاد الحاضرة الأخيرة، المسافة لدينا ليست كالمسافة عند الكثيرين، مسافاتنا مسألة عراقيل كثيرة واحتمالات رجوع أكثر، مسافاتنا معلقة على مزاج المراهق النشيط الذي استلم بزته الخضراء مساء البارحة بكل حماسة ورغبة في القتل، انا لست بحاجة لتاريخ يذكرني بحجم المأساة والخوف وكمية البشاعة التي مررنا ذات يوم بها وما زلنا، كطفلة وقتها كان محمد الدرة الشهيد الأول وليس الأخير الذي أشاهد طقوس موته وخوفه، الدرة ووالده صورة يغلب عليها اللون الأزرق والأبيض والأحمر، صورة رسخت في ذاكرة الطفلة التي كنتها، ذاكرتي وربما ليست قوة الذاكرة بقدر ما هي بشاعة المشاهد هي التي مكنتني رغم أن عمري كان وقتها خمس سنوات لأن أكون طفلة الانتفاضة الثانية، لا زلت أذكر جدي وصوت القنوات الإخبارية المرتفع، وأعقاب سجائره الكثيرة وفناجين القهوة وأكواب الشاي وحبوب السكرين وقصيدته " رسالة من محمد الدرة"، لا زلت أذكر شكل الدبابة التي كانت تقف على رأس شارعنا، وصوت الدبابات في الشوارع المقابلة لنافذة بيتنا، ولا زلت أذكر خوفي على والدي وعلينا، ظننت وقتها أنها هي آخر الانتفاضات والأوجاع والخسارات، ظننت حينها بأن الدرة هو اول شهيد وآخر شهيد ستراه عيني، اكتشفت فيما بعد أن الدم صنبور ماء لا زال يقطر، وبأن خزان الكنفاني لا يزال يتسع لكثير من الموت دون أن يطرقه أحد، اذن يصادف اليوم ذكرى استشهاد الدرة الذي كغيره لم يرحل كما أنه يصادف تقربيا ذكرى استشهاد مجد، بطل روايتي الذي قررت موته في الأيلول الموجع، اليوم تحديدا لا طاقة لدي لقراءة أي شيء، ولا طاقة لدي لأن أرى " نكهة دم" و لا طاقة لدي لسماع أي أغنية، فذاكرتي وحدها تكفيني، مستفزًّة... تغلي بكل ما فيها من مشاهد وأغنيات وقصائد.

سأبكي مع ذكرى وأم محمد وكفى...


  • 7

   نشر في 01 أكتوبر 2016 .

التعليقات

شكرا رغد ، أعتبر ما كتبت شهادة للتاريخ و روايتك الرائعة " نكهة دم " هي كذلك ذكرى و شهادة .اعتزازي بك و فخري بقلمك
0
بسمة منذ 7 سنة
وانا ايضا لازلت اذكر مشهد قتل محمد الدرة حين عرض ع قنوات الأخبار ،
كنت حينها طفله اظن في عمر8
وبه عرفت فلسطين جغرافيا ،
وعرفت سلسلة معاناتها ،
واتذكر انني قصصت صورته الموجودة في الصحف واحتفظت به في البوم صور جديد ، قررت ان اخصصه لوضع صور الضحايا والمفقودين من الأطفال ، ولازلت محتفظة به حتى الآن .
1
عمرو يسري منذ 8 سنة
ما زلت أذكر المظاهرة التي قمنا بها في المدرسة عندما كنا في المرحلة الإبتدائية تضامناُ مع الدرة .
1

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا