جاء الإسلام قبل 1443 سنة الجزيرة العربيّة وقد كانت غارقة في المشاكل والمظالم و مثّل الإسلام بالنّسبة لأهلها بصيص الأمل الّذي حملهم من اللاّحياة إلى الحياة. فقد كان التّناحر والتّقاتل و القبليّة و السّلب و النّهب الصّورة العاديّة المسيطرة على واقع الجزيرة آنذاك. فجاء الإسلام مقدّما حلاّ جذريّا لهاته المشاكل: وحّد القبائل المتناحرة وحدّ من النّهب والسّلب فأمن النّاس في أجسادهم وأموالهم و أعراضهم و وهب المرأة حقّ الحياة من جديد بعدما كانت تدسّ في التّراب بلا ذنب اقترفته سوى أنّها خلقت أنثى. وإن عاشت فتعيش ذليلة مكسورة لا حقّ يذكر لها و لا رأي لها. لذا كانت مثلها مثل الإبل مملوكة مهمّتها الخدمة والولادة وقد قلب الإسلام هاته الصّورة القاتمة إلى صورة مشرقة أشرقت معها عقول البشريّة وأُنير بها الوجود. لم يهب الإسلام المرأة فقط حقّ الحياة من جديد، بل وهبه كذلك للفقراء والعبيد فحرّر العبيد و أوجب معاملتهم بالحسنى و أوجب كذلك حفظ كرامة الفقير و اليتيم.
لكن لم يكن انتشار الإسلام سهلا في البداية إذ قوبل بالإعراض والتّقزيم منذ البداية لأنّه لم يكن من السّهل أن يتخلّى الإنسان الظّالم بطبيعته على طبيعته الحيوانيّة الجاهليّة بسهولة و أن يرضخ لأمر دين تقوم كلّ أسسه على تذكير الإنسان بأصل خلقه إذ أنّه من تراب و سيعود إلى التّراب فلا داعي إلى تكبّره و تعاليه و أنّه خلق لأجل هدف محدّد لا يجب أن يحيد عنه ألا وهو عبادة اللّه تعالى. كان من الصّعب آنذاك أن يقبل الرّجل الجاهليّ فكرة مساواته مع عبده و فكرة وجود امرأة كشريك فعّال له.
لكن وجد الإسلام في بداياته أنصارا دافعوا عنه وضحّوا في سبيل إعلاء كلمة الحقّ ووقفوا كسدّ منيع في وجه أعدائه. وما نأسف له اليوم أن أصبح للإسلام أعداء ليس من غير المؤمنين به، بل من المسلمين ذاتهم. أصبحوا أعداء للإسلام لا لأنّهم يكرهونه أو لا يقومون بشعائره، بل لأنّهم لم يفهموا جوهره و رأوا في الرّجوع إلى تعاليمهم ضرب من ضروب الرّجعيّة و التخلّف لأنّهم لم يتربّوا على فكرة أنّ الإسلام دين متجدّد صالح لكلّ زمان و مكان، لم يعووا بعد أنّ الإسلام ليس دين فقط بل منهج حياة كامل و متكامل. لذلك كان من الواجب علينا إعادة إحياء هاته الفكرة من جديد من باب "ذكّر إنّ الذّكرى تنفع المؤمنين".
image: https://tgstat.com/channel/@wzakerbyHB/
-
Dr. Marwa Mekni Toujaniأستاذة جامعيّة - مدونة مستقلة