مهارة التَّدوين - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

مهارة التَّدوين

المدوِّن بين نارين

  نشر في 18 ماي 2016  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

في الغالب كل فعل نريد أن نفعله فإننا نسأل أنفسنا قبل الفعل لماذا نريد القيام بهذا الشيء و ما هو الهدف مما سنقوم به ، و لكن المدون أو الكتاب فإنه يسأل مرات و مرات قبل أن يكتب كلمة واحدة .

التدوين مهارة و لكن في المقابل إنَّ الكاتب يقع بين نارين ، نار رأيه و ضميره الذي يحاسبه على كل كلمة يكتبها ، و نار القارئ الذي سيقرأ كتاباته.

لا يمكن لكاتب أن يُرضي جميع الأشخاص ، فالكاتب له وجهت نظر معينة اتجاه القضايا التي يكتب عنها ، و لو لم يكن له وجه نظره الخاصة لما كان مدوناً أو كاتبا ، هذه وجهت النظر لن توافق الجميع ، فهناك المؤيد للموضوع و هناك المعارض ، و قد تجد أن المؤيد لموضوع ما سيكون معارضاً لموضوع آخر لنفس الكاتب و هنا النار التي تُحرق الكاتب الذي لا يدري أيُرضي القارئ أم ضميره الذي يحاسبه إن لم يكتب عن طفل قُتل في الحرب ، أو عن قرية دُمِّرت فوق رؤوس ساكنيها ، أو عن قضية إنسانية لا يراها العالم كما تراها عين الكاتب .

إنَّ الكتابة في هذا الوقت أمام هذه القضايا التي تحدث في العالم و خصوصاً الوطن العربي هي مُعقدة ، و الكاتب مُعرَّض لجميع أنواع ردَّات الفعل ، فهذا الشيء على الكاتب أن يدركه قبل أن يبدأ ، فإن كان الكاتب لا يستطيع أن يتحمل الانتقادات فعليه أن لا يكتب أبداً ، و إن كان يريد أن يقف في وجه إعصار ردَّات الفعل فهو قادر على الكتابة و على الرد و على توضيح كل حقيقة يراها بطريقته الخاصة التي لا تُسيء إلى أحد ، و أن يكون الكاتب مقتنعاً بفكرته و رأيه و أن لا يُعارض ذاته لِيُرضي غيره .

إنَّ الكتابة هي فعل مخاطبة العقل ، فلذلك يحدث أحياناً صراع بين قناعات و أفكار القارئ و بين ما يقرأ من شيء جديدٍ يقرع جدران عقله ، فلذلك ينتج إما عدم رضى و اقتناع و رفض ، أو تناغم و انسجام بين ما قرأ و بين قناعته الأمر الذي يؤدي إلى الرضى عن الموضوع و كاتبه .

لماذا نكتب ..؟؟

نكتب حتى لا تُحاسبنا دموع الأطفال ، حتى لا نقف موقف الحياد من قضايا لا حياد فيها ، فالحياد في بعض المواقف جريمة يحاسب عليها المثقف ، نكتب حتى لا نُصاب بالألم بل لنبث روح الأمل في جيل قد يأتي بعدنا ، نكتب حتى لا يلومنا أحد و يقول لماذا اتخذتم من الصمت موقفاً في وقت لم يكن الصمت سلاحاً مجديا .

إننا نواجه معضلة في آراءنا ، فالاختلاف في وجهات النظر أصبح جريمة مع أنَّه يجب أن يؤدي الاختلاف إلى التقدم و التطور لكن عقليتنا لا يُناسبها أن نكون مختلفين ، فعندنا مبدأ أنَّ كل من يخالفنا الرأي هو ضدنا أو عدونا ، فهذا الشيء أدى بنا في النهاية إلى أمة متقاتلة ، مفككة ، لا تستمع للطرف الآخر ، و النقاش لا يكون بالكلام و الحُجَّة لا تكون بالإقناع ، بل أصبح النقاش بالسلاح و الحُجَّة بالقتل .

إنَّ الكاتب في الوطن العربي خصوصاً إن استطاع أن يتخلص من عقدة رأي القارئ فإنه في أحيانٍ كثيرة لا يستطيع أن يتخلص من الرقابة أو من المنع من الكتابة في دول عربية تدَّعي الديمقراطية و تتغنى بالحرية .

قِيل في الكتابة أنها فِعلُ إجرام ، نعم قد تكون كذلك في بعض الدول العربية التي مازالت تبحث عن الكلمة و تُعاقب الحرف ، و تحقق مع علامات الترقيم ، و تقطع أو تمنع يد الكاتب عن الكتابة .

في النهاية ، إنَّ التدوين واجب على المثقف ، و أنَّ المثقف يكتب ليبث روح الأمل في مدن الخراب ، و يزيل آثار الحرب من نفوس الأبرياء ، و يهز بكلماته عُروشاً لم يَهزها الزلزال ، و أنَّ المثقف هو صوت الصامتين ، و المُهمشين ، و المنسيين ، و الكاتب المثقف يقذف بكلماته في الماء الراكد لتحدث الأنهار .



  • 6

   نشر في 18 ماي 2016  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

creator writer منذ 7 سنة
أثرت بالفعل نقطة مهمة وهي (التخلص من عقدة رأي القارئ) فالكلمات الرائعة هي التي تخرج بكل حرية دون أن نغيّر من صياغتها أو قناعتنا بها ، بل تخرج صافية من الذهن للورق دون خوف أو حرج . و شكرا
1
محمد حميدة
شكرا كتير لك تحياتي
Pulchra Luna منذ 8 سنة
مشكووور موضوع رآئع و كلمـآت و أفكـآر في القمّة ..
ناهيك عن أنّ الكتآبة بالنّسبة للكـآتب هي كالأوكسجين الذي يتنّفسه فإذآ مـآ غـآب الإلهـآم و ركدت الحروف تَجدهُ حزينَـآ يُصـآرعُ نَفسَهُ .. تجدهُ يحسّ بالنّقص ..
مزيدآ من التّألّق ^^
1
محمد حميدة
صباح الخير
نعم الكتابة كالاكسجين و علينا ان نكتب و ان نعرض افكارنا و آراءنا حسب ما يرضينا و يرضي ضميرنا
تحياتي لكِ

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا