اشتاقت كثيرا الى تلك السيدة الجميلة التي رسمت السنوات خطوطا على وجهها المستدير كالبدر ،تبدو اكبر سنا من اخر مرة رأتها،او هو الشوق اليها يجعل الوقت حادا يحفر القلب كتجاعيد في الوجه،اختلطت المشاعر والافكار،و طغى الحب على المكان والزمان .قبل الاحفاد الجدين بشوق ،و سألها والدها كالمعتاد:
_كاش ما نسيتي عندنا؟(هل نسيت شيئا عندنا؟)
_اجل تركت والدي ،رافقاني ولن اعود مجددا.
تلك السيدة اللبقة مازلت الابنة والاخت المدللة ،جلست طويلا مع افراد اسرتها ،و دمعت عيناها و هي تحادث والديها كلما تذكرت انها ستفارقهما بعد ايام.أم بذلت الغالي لاسعاد اطفالها ،و أب نحت على الصخر لتوفير حياة كريمة لابنائه، ابدل الله تعب والديها اولادا بارين،اجتمعوا كلما سنحت الفرصة .و كانت فرصة مختلفة ،متميزة .
نامت مبكرا كعادتها في منزل والديها ،لم تكن ترتاح في بيتها مثل راحتها في البيت الكبير بروعته ودفئه ،حتى اطفالها يصيرون اكثر هدوءا وكأنه سحر بيت الجد يصيبهم بالسعادة و الارتياح.
ضبطت المنبه على الساعة السادسة صباحا ستساعد باعداد بعض الفطائر للافطار ،ابتسمت وهي تتذكر ان هاتفها الذكي لا يتعدى كونه مجرد منبه في بيت اسرتها ،حتى انها تبحث عنه كثيرا قبل ان تجده على احد الرفوف في كل مرة.
افاقت على الاصوات القادمة من المطبخ،لم تفق على صوت المنبه مرة اخرى ،رائحة القهوة المنبعثة تشجع على النهوض من الفراش الدافئ،تذكرت صوت مارسيل وهو ينشد:"احن لقهوة امي...."،لن تستبدل ابدا مجالسة والدتها بدقائق اكثر من النوم.
كان كل شيء جاهزا ،القهوة ،الفطائر ،الحليب الساخن ،وابتسامات دافئة.
_صباح الخير .
_صباح النور ،لقد سقط الثلج بغزارة.
نظرت عبر النافذة مسرورة بالرداء الابيض الذي اكتسته الارض ،لم تقاوم رغبتها بلمسه ،رغم تأكيد والدتها بانها ستمرض اذا ما خرجت في هذا البرد.
فتحت الباب برفق ،خرجت،لمسته ، بارد جدا ،هش كالقطن ، اخر مرة رأته كانت منذ اعوام في مرتفعات سرايدي بمدينة عنابة ،لم تنس منظر البحر والثلج ، كانت خائفة جدا من ضيق الطريق الجبلي لكنها استسلمت امام رغبة اطفالها في رؤية الثلج ،سيسعدون جدا ،فقد خيبت املهم برفضها الصعود الى مرتفعات الشريعة بالبليدة ،هكذا فكرت وهي تتذوق الثلج البارد كعادتها منذ الصغر ،ابتسمت لوالدتها التي كانت تكرر بانها ستمرض ،عادت الى الداخل وبقيت تنظر الى الثلج المتساقط،تذكرت منظر اشجار الارز المتشابكة على طول الشريعة ،رائع ،لكنها لم تحب ابدا تلك الطرق الزلقة الضيقة عندما تثلج.واثلجت في فصل الربيع بقسنطينة كاجمل هدية قد يحصل عليها الاطفال .
_ماما لا استطيع التنفس،انا اختنق من كل هذه الملابس.
_البرد شديد بالخارج.
ضحك الجميع منها وهي خائفة على اطفالها من برودة الجو بينما كانت تلتقط لهم صورا ناسية ارتداء معطف .
_وانت الن تمرضي بدون معطف؟!،سألتها شقيقتها.
_انا بنت قسنطينة ،موالفة بالبرد(متعودة على الجو البارد).
كانت اسعد من اطفالها وهم يلعبون مع الاولاد بكرات الثلج ،ولم تتضايق من تنظيف الدرج بعد دخولهم الى المنزل.
_روعة ،روعة .اكد الاطفال.
كانت تنظر الى مؤشر عداد السرعة وهو يجاوز المسموح ،سيوقفهم اول حاجز امني اكدت لزوجها ،صوت الراديو يكسر الصمت المعتاد،تأملت منظر الثلج الرائع على جوانب الطريق السيار،صورة افتقدتها لسنوات،تذكرت الصور التي التقطتها لاطفالها وهم يلعبون بالثلج ،كانو سعداء جدا ،عطلة الربيع كانت مختلفة هذه المرة ،بدل الخضرة و الازهار كانت الثلوج والامطار.
ايقظها الم كتفها من غفوتها القصيرة،ابتسمت وهي تتذكر نصيحة امها ،اصيبت بالبرد! ،راقبت للحظات اطفالها النائمين ،ستستغرق الرحلة عدة ساعات اخرى .
نظرت الى علبتي البيتزا والحلوى ،فكرت للحظة انه بامكانها تناول قطعة بيتزا ولكنها غيرت رأيها بسرعة ،فالام معدتها ستزداد.
مع الاقتراب من العاصمة توقف المطر وازداد ازدحام السير ،رغم الظلام والبرد الشديد ،و الالم و تذمر الاطفال من طول الرحلة و سؤالهم المتكرر :متى سنصل الى المنزل،كانت مستمتعة جدا بانعكاس الاضواء المتلألئة على برك الماء .
التعليقات
والله لقد تفوقت على نفسك في هذا السرد الماتع
متألقة كالعادة , في إنتظار كتاباتك القادمة .