الألوهة و القدسي في دين الإنسان لفراس السواح
نشر في 13 غشت 2017 وآخر تعديل بتاريخ 09 نونبر 2022 .
استكمالا لمراجعة كتب فراس السواح ، نستأنف الإستمتاع بتحفه في هذا الجزء من المراجعة ، إذ ستتمحور فقراتها حول كتاب "دين الإنسان" ، و هو من أهم كتبه على الإطلاق ، بحيث يجسد الأول مرحلة نضج و تخمر فكر السواح ، ذلك في قالب يجعل القارئ يعيش التجربة الروحية للشعوب الغابرة و كأنك تشاهد بل تتخيل بشعور مرهف ، أطوار الأشكال الأولية للحياة الروحية و الدينية ، ففي هذا الكتاب يتطرق الأستاذ فراس للإجابة عن أكثر الأسئلة الوجودية تقريعا لوعي الإنسان ، أسئلة ياما صرخت في دواخلنا طلبا للإجابة ، و إن يكن فالسواح يعبر على أنه لا يتقصد أبدا تقديم أجوبة بقدر ما يهدف إلى تحفيز القارئ على التفكير و التعجب و طرح السؤال ، لعل ذلك ما سنقوم به ، فما معنى الدين ؟ و مما يتكون ؟ و ما مصدر الدافع الديني ؟ ما هي طبيعة الإله تاريخيا ؟ أسئلة و غيرها حاول السواح تلمس أجوبة مرضية عنها ، ذلك بأسلوب أدبي رفيع و بمنهج فينومينولوجي كالعادة .
عموما ، فعبر نظرة استجلائية نجد أن الباحث قدم بحثه هذا ضمن أبواب سبعة دارت حول المحاور التالية: مسائل أولية في المصطلح والتعريف ، بنية الدين ، الأشكال الإجتماعية للدين ومستوياته الشمولية ، المعتقد ، أو بنية الحدّ الأدنى للظاهرة الدينية ، المعتقد و بنية الحدّ الأدنى ، المطلق و نسبية الآلهة في معتقدات الشرق الأقصى ، نتيجة ومدخل جديد ، الوعي والكون كلانية الوجود في الفيزياء الحديثة و منشأ الدافع الديني .
في الإنتقال إلى التفاصيل يستهل السواح كتابه "دين الإنسان" بفاتحة قصيرة يؤكد من خلالها فرادة أو خصوصية الظاهرة الدينية ، و كذا نجاعة المنهج الظاهراتي (الفينومينولوجي) في سبر بواطن أحجية الأديان كظاهرة و فكر ، هنا يقول السواح " إن ما يميز الفينومينولوجيا الدينية بشكل خاص ، هو ميلها إلى العمومية ، و تقصيها لكل ما هو مشترك وعام بين الظواهر الدينية ، وهي إذ تصف و تنظم و تنمذج موضوعاتها ، إنما تعمل على استقصاء البنية والجوهر والمعنى في الظاهرة الدينية ، و على هذا فإن ما يضعه الباحث بين يدي القارئ طيّ كتابه هذا ، هو مساهمة في فينومينولوجيا الدين ، متميزة بالجدّة في مقترباتها و معالجتها و نتائجها " (1) ، كما يضح السواح أنه ابتعد عن كل من فلسفة الدين و تاريخ الأديان و ذلك تحاشيا للإيفاد بآراء لا بوصف و تشخيص للظاهرة الدينية كما هي ، و للحقيقة فإنه منهج "لارأيي" و إنما "وصفي - تحليلي" ينئى عن كل نظرة شخصية ، من هنا خلت معظم كتب فراس السواح من الخواتم حيث يعبر فيها الكُتاب عادة عن آرائهم في مواضيع دراساتهم ، و هي سمة ميزت كبار فينومينولوجيي الأديان ، كـ"غواشيم واش" الذي متح من معين "منهجه" السواح الشيء الكثير ، إذ يؤكد واش دون ارتياب أن الفينومينولوجيا أوثق طريق لفهم رصين للدين (2) و هو ما مشى على هديه الأستاذ فراس السواح ، أما في آخر الفاتحة فإن المؤلف يعترف بفضل مفكرين كبيرين زوداه بالإطار الفكري السليم لدراسة الأديان ، و هما أب علم الإجتماع المعاصر "إميل دوركايم" ، و الفيزيائي "فيرتجوف كابرا" (3) .
اختار المؤلف لأول أبواب الكتاب عنوان على شكل تساؤل : " ما هو الدين ؟" ، يضم فصلين ، الأول هو عبارة عن "أفكار استهلالية" يوضح فيه السواح مكانة الدين تاريخيا و بالنسبة للإنسان ، إذ يؤكد أن الدين ليس مرحلة منقضية من تاريخ الفكر الإنساني ، يوضح السواح ذلك من أبعد طريق و هو العلم الحديث ، بحيث يعرض لرواد الفيزياء النووية مقاطع يفصحون فيها عن الأصول الدينية لنظرياتهم الفيزيائية ، يبدو الأمر غريب غير أن "روبرت أوبنهايمر" صاحب مشروع القنبلة النووية يقول : " أفكار الفيزياء النووية لها تاريخ في حضارتنا الغربية ، كما أن لها مكانة مركزية في الفكر البوذي و الهندوسي " (4) ، ذلك ما دفع الكاتب إلى التأكيد على أن الدين سمة متأصلة في الفكر الإنساني عبر العصور (5) .
بعد ذلك يتفرغ السواح إلى تقديم تعاريف مختلفة للدين ، رغم استشهاده برأي "وليام جيمس" المبخس لمن يقدم تعريف للدين ، ذلك بسبب المعترضات الإبستيمولوجية و المنهجية فضلا عن خصوصية الأديان المختلفة حد التناقض ، غير أن ذلك لم يثي السواح من عرض تعاريف قدمها فطاحلة الفكر الإنساني في هذا الصدد ، مثل الأنثروبولوجي "إدوارد تايلور" و "ماكس مولر" الذي يعتبر الدين "كدح من أجل تصور ما لا يمكن تصوره ، و قول ما لا يمكن التعبير عنه ، إنه شوق للانهائي" (6) ، و "شلايرماخر" "فريزر" و "إيميل دوركايم" ، كما يوضح السواح في هذا الفصل نقود وجهها بعض هؤلاء العلماء للبعض الآخر ، بالإضافة إلى بسط نقدي تفسيري لكل هذه التعاريف (7) .
ينتقل بعذ ذلك الأستاذ فراس إلى الفصل الثاني ، حيث يعالج مسألة "تبدلات الظاهرة الدينية" ، التي تضم أولا "الدين الفردي" الذي يعتبره السواح خبرة دينية فردية التي يقوم عليها أساس الدين ، بل حسا لا إرادة في اختياره بل يقع على الإنسان فيتماهى معه ، إذ صنع هذا الأخير لذلك "شارة مقدسة" التي يؤكد السواح أنها سبقت الإله المشخص (8) ، ثانيا "الدين الجمعي" الذي يتركب عندما ينقل الأفراد خبرتهم الدينية إلى بعضهم البعض ، في محاولة لتحقيق المشاركة و التعبير عن التجارب الدينية الخاصة في قالب جماعي ، ذلك باستخدام مجازات من واقع اللغة ، و خلق رموز تستقطب الإنفعالات الدينية المتفرقة في حالة انفعالية مشتركة ، إذ هنا ظرهت تاريخيا الطقوس التعبدية المنظمة (9) ، يشبه السواح العلاقة بين الدين الفردي و الجماعي كالعلاقة بين الفرد و المجتمع ، أي تلك العلاقة التي لا يستقيم أحد أطرفها إلا و كان متصلا بالطرف الآخر بطريقة تركيبية ، أما آخر شكل حيث تتبدى الظاهرة الدينية فهو "المؤسسة الدينية" ، التي ميزها السواح بشكل واضح عن الدين و هو ما لا يسلك وفقه الكثير من الناس عندما يماثلون بين الدين و المؤسسة ، إذ يوضح المؤلف أن المؤسسة الدينية بنية اجتماعية حديثة نسبيا في تاريخ الحضارة الإنسانية ، فقد مارس البشر طقوسا دينية لمئات السنين دون حاجة إلى مؤسسة ، هنا يشير السواح إلى أن المؤسسة بدأت تتبدى معالمها مع الإنتقال من المجتمع القروي إلى المجتمع المديني الأول ، ذلك إذ ظهرت نظرا للحاجة إلى تنظيم أكثر ظبطا للجماعة التي ما فتأت تكبر و تتعقد شيءا فشيءا (10) غير أن هذه المؤسسة تضخمت أكثر من اللزوم ما استدعى قيام ثورات للحد من تغولها للمجتمع و حريات الأفراد .
ينتقل السواح بعذ ذلك إلى الباب الثاني الذي يدور حول "بنية الدين" ، حيث يضم فصلين الأول يتعلقب بـ"المكونات الأساسية للدين" و الثاني تطرق إلى "المكونات الثانوية للدين" ، في الفصل الأول اعتبر ثلاثيا كمكون أساسي للدين و هما : "المعتقد" الذي اعتبره أول أشكال التعبيرات الجمعية عن الخبرة الدينية التي خرج من الإنفعال العاطفي إلى حيز التأمل الذهني ، و هو ما يعتبره السواح حاجة سيكولوجية ماسة في الإنسان (11) ، المكون الثاني الأساسي هو "الطقس" ، و هو عبارة عن سلوك ينتج عن الحالة العاطفية التي تولدها الخبرة الدينية ، إذ لا تُحال الأفكار المثالية (بمعناها الأفلاطوني) إلى دين ، إلا عندما يدفع المعتقد إلى سلوك و فعل ، فنتقل من التأمل إلى الحركة ، و من التفكير في العوالم المقدسة إلى اتخاذ مواقف عملية ، فنقترب منها أو نسترضيها أو نسخر قواها لمصلحتنا ، فإذا كان المعتقد مجموعة أفكار متعلقة لعالم القداسة فإن الطقس مجموعة أفعال متعلقة بأسلوب التعامل مع ذلك العالم (12) .
أما المكون الثالث الأساسي فهو "الأسطورة" ، حيث وقف السواح مطولا من أجل تحديد مظبوط لمعنى الأسطورة ، إذ ذكر اشتقاقها اللغوي في كل من اللغة اللاتينية و الإغريقية ، كما أشار إلى عدم تمييز السومريين للأسطورة بأي لفظ خاص (13) ، بغية تحديد لذلك معايير معينة ، يفيد السواح بتقديم جملة مميزات للأسطورة منها أنها : من حيث الشكل تتخد شكلا أدبيا رفيعا - قصة تقليدية - ليس لها زمن محدد بل تدور حول حدث ذى حضور دائم - موضوعاتها جدية و شمولية - يلعب فيها الآلهة و أنصاف الآلهة دورا رئيسيا - لا يعرف للأسطورة مؤلف معين - تتمتع الأسطورة بقدسية و سلطة على عقول الناس و نفوسهم - ترتبط الأسطورة بنظام ديني (14) ، هكذا ما إن تتوفر هذه المعايير في قصة حتى نسميها "أسطورة" ، التي لها مكانة مركزية في الدين إذ تجسد الجزء التخيلي فيه .
من أجل فهم أعمق لمكونات الدين الأساسية نستحضر موقف "خزعل الماجدي" الذي أعتبره تلميذ لفراس السواح بشكل أو بآخر ، إذ أضاف الماجدي عن ثلاثي السواح مكونا أساسيا رابعا للدين ، و هو "الأخرويات" (الإسكاتولوجي أو الإهتمام بماوراء الموت) (15) ، حيث يشير هذا الباحث العراقي إلى أن تاريخ الإنسان و حاضره مسكون بفكرة الموت و هاجس معرفة ما يختبئ وراءه ، بل يطرح خزعل الماجدي فرضية أن يكون الموت سبب إنتاج الدين في مراحل التاريخ الإنساني القديم ، و من هنا اخترع الإنسان الدين كجواب عن سؤال الموت ، فلا تتخلف أي ديانة عبر التاريخ عن تقديم نظرية في الإسكاتولوجي ، أي عن تقديم رؤية لمن يؤمنون بها حول ما ستؤول إليه حيواتهم بعد الموت ، ما يجعل لهذا المكون قيمة اعتبارية تحمل قدرا وافيا من المعقولية .
تاليا يتطرق السواح إلى المكونات الثانوية للدين ، الذي اعتبرها أمران هما : "الأخلاق و الشرائع" ، فقد افترض السواح انفصال الأخلاق عن الدين تاريخيا ، حيث يقول " إن علاقة الأخلاق بالدين في المجتمعات التقليدية لم تتعقد بناها الإجتماعية و السياسية ، تقدم لنا برهانا على أن الأصل في الأخلاق الإستقلال عن الدين ، ففي هذه المجتمعات التي تعطينا صورة عن المراحل المبكرة من تطور الحضارات الكبرى ، نجد فيها الأخلاق شأنا دنيويا تنظمه الأعراف السائدة دونما مؤيد من قوة قدسية ما " (16) ، يتابع بعد ذلك سرد أدلة مؤيدة لهذا الإفتراض من الحضارات و الأمم القديمة ، و ما إن انتهى حتى عرج إلى مسألة "الشرائع" التي عدها السواح جزءا من الأخلاق أيدته السلطة السياسية بالتهديد بالعقوبات ، ذلك حيث لم تكن أولى القواعد التشريعية سوى قواعد أخلاقية ذات قيمة استثنائية لنظام الجماعة ، فجرى دعمها بقوانين تضمن الإلتزام بها (17) ، هكذا نستشف من تحليل السواح أن كلا من الأخلاق و الشرائع يلعبان دور المنظم الأول فردي و الثاني جماعي .
ينتقل بعد ذلك السواح إلى باب ثالث بعنوان : "الأشكال الإجتماعية للدين ، و مستوياته الشمولية" ، في الفصل الأول "من العبادة إلى الدين الشمولي" ، يستهل بالتذكير بمفهوم بسيط للدين يتلخص في أنه : "التعبير الجمعي عن الخبرة الفردية الدينية ، و قد تم ترشيدها في قوالب فكرية و طقوسية و أدبية ثابتة" (18) ، بعد ذلك يشير المؤلف أن الدين الذي تؤمن به جماعات كبيرة و شعوب بأكملها ، يعد ظاهرة جديدة في تاريخ الدين و الحضارة ، حيث أن الأصل في الدين أنه معتقد بسيط تتركز حوله بضعة طقوس و أساطير ، بعده يبدأ السواح بـ"العبادة" كأول أشكال الدين الإجتماعية ، حيث ينتهي بعد عرض لتاريخ العبادة في الشرق ، إلى اعتبارها "المناخ الديني التي تنشط عبره الحياة الروحية للأفراد ، و المؤسسة التي يشعرون بالإنتماء المباشر لها ، أما "دين القوم" -كشكل اجتماعي ثاني للدين- فيبقى رابطة عامة تجمع أهل الثقافة الواحدة دون أن يكون له حضور مباشر و يومي في الحياة الدينية للناس" (19) .
يضيف السواح شكل اجتماعي ثالث للدين و هو "الشمولي" ، حيث يؤكد أنه ظاهرة جديدة في منشئه عبادة كغيره من العبادات ، غير أنها عبادة لا تقنع بوضعها المحدود ضمن الصورة العامة لدين اقوم ، إنما تأخد بفرض نفسها على بقية العبادات في حركة دائبة طموحة تهدف إلى إحلال نفسها كدين للقوم ، و تعميم تجربتها الروحية على الثقافات الأخرى ، حيث يعطي السواح للديانة الشمولية أربعة سمات و هما : تحمل هذه الديانة تجربة روحية لشخص بعينه (نبي) - ادعاء مؤسس الديانة الشمولية أنه يمتلك الحقيقة المطلقة - ترفض عبادة هذا النوع من الأديان التعايش مع باقي العبادات المختلفة - يقوم أنصار هذه الديانة بالتبشير الدائم الذي يعتمد على وجودها و انتشارها (20) .
في الفصل الثاني لهذا الباب ، يتوسع السواح في مناقشة الديانة الشمولية ذلك من خلال استعراض نماذج كل من "الأتونية" و "إلاجابال-الشمس التي لا تموت" و "المانوية" و غيرهما من الأديان القديمة ، لكنه لم يتطرق إلى امتداد سمة الشمولية إلى أديان متأخرة تاريخيا كالأديان الإبراهيمية ، التي مثلت الشمولية في أوضح صورها ، خصوصا المسيحية تاريخيا و الإسلام ماضيا و حاضرا ، إذ لا تفتئ أن تخف شدة الشمولية في الإسلام حتى تعيد إنتاج نفسها في أكثر الأشكال قتامة ، مرة كمذاهب و مرة كطوائف و مؤخرا كأحزاب سياسية فضلا عن الحركات الإرهابية .
يعرج بعد ذلك السواح إلى باب "المعتقد - أو بنية الحد الأدنى من الظاهرة الدينية" ، حيث ابتدأ بفصل ناقش فيه الأنثروبولوجية التطورية التي قال بها "هربرت سبنسر و "تايلور" ، كما عرض بعض الأفكار الإستهلالية حيث انتهى إلى أن الدين ظاهرة لم تخضع في التاريخ للتطور ، بحيث لم توجد أديان دنيا تطورت إلى أديان عليا ، بل حتى الفن الذي يوصف بالبدائي لا زال إلى اليوم يحمل خصوصية راقية المستوى ، هكذا لا يمكن وضع الأديان أو الثقافة بشكل عام في سلم تطوري فيه الأدنى و الأعلى (21) ، و به فإن التطورية الثقافية نظرية فاقدة لكل اعتبار تاريخي .
أما الفصل الثاني في هذا الباب ، فقد ناقش فيه السواح ما سماه "عتبة الدين" ، حيث تطرق للاهوت و الناسوت في معتقد الباليوليت ، الذي يمثل ديانة العصر الحجري القديم الذي اعتبرها السواح الديانة البدائية الصافية التي لم تتأثر بغيرها ، يعرض كذلك المؤلف لفنون الجماعات البدائية و تأثر ذلك بالأفكار الماورائية ، نقتبس هنا ما قاله السواح في هذا الصدد "الفن -في ذلك الزمان- يعتبر لغة اجتماعية يفهمها الجميع و يتواصلون من خالها" (22) ، بعذ ذلك ينتقل الباحث إلى عصر الباليوليت الأوسط الذي تميز بانتشار إنسان "نياندرتال" ، ما يهم في هذه الفقرة هو اكتشاف أن النياندرتال أول حلقة تطورية إنسانية تتعاطى إلى دفن الإنسان و بطريقة تهيئه لحياة أخرى (حياة ما بعد الموت) ، إذ كان هذا النوع يدفن موتاه باتجاه شروق الشمس (23) ، و بعد تحليل مستفيض لهذه الظاهرة ذات البعد الروحي ، ينتهي السواح إلى أن النياندرتال صنع أولى أشكال الدين -دون آلهة- (24) ، في نفس الفصل يصل السواح إلى عصر الباليوليت الأعلى ، حيث ظهر الإنسان العاقل Homo Sapiens ، فقد عرض الباحث لتطوره في كل من أوربا و الشرق الأدنى ، كما أشار إلى فنونه و ثقافته التي قرأها السواح بمنظور روحي .
أما في الفصل الثالث فقد أفرد السواح لديانات عصر النيوليت قدرا وافيا من تحليله ، حيث أشار إلى أن الإنسان استقر في بعض المناطق و بنى أولى القرى و أخذ بإنتاج الغذاء بدل جمعه ، هنا كذلك ظهرت أولى بوادر تقديس بعض أشكال الطبيعة كالثور بتل المربيط في سوريا ، و غيرها من المناطق ، بعد ذلك يخلص السواح إلى تميز معتقد النيوبالوليت عن الباليوليت ذلك عبر استيعابه لأفكار جديدة كمفهوم الخصوبة الذي ستكون له دلالة محورية في تكوين أديان النيوباليوليت ، حيث يوضح السواح أن الناسوت تميز ببحثه عن اللاهوت في هذه الفترة ، حيث اختار لذلك الإنسان "شارات مقدسة" استفاض السواح في عرض أمثلة لها و تأويل دلالاتها التي تعني حسبه إقامة جسر يربط الإنساني بالماورائي/اللاهوتي ، أما في الفصل الرابع فقد ناقش السواح مفهوم المانا أو الروح الكبرى في معتقدات الشعوب البدائية ، حيث تطرق إلى "الطوطمية" و هي ديانة الشعوب الأصلية لأستراليا ، كما عرض لتكوينها و كيف تُعاش فضلا عن دور فكرة المانا أو الروح السارية في فكر معتقداتها ، بعد ذلك انتقل في الفصل الرابع إلى تناول علاقة "السحر و الدين" ، حيث انتهى إلى أن السحر ليس سابق عن الدين بقدر ما يجسد صورة أولية أو شكل بدائي له يعتمد بشكل أساسي على مفهوم الروح السارية ، ما يعني أن السواح انتقد و تجاوز كل النظريات التي فصلت السحر عن الدين ، و في طليعتها نظرية فرويد ، و كذلك فرايزر الذي انطلق من مفهوم غير دقيق للدين ، ما جعله يسقط في هذا المطب (25) .
ينتقل السواح بعد ذلك إلى فصل مهم يحمل عنوان "أصل الآلهة" ، حيث أشار أن أول من بحث في ذلك هو اليوناني "يوهيميروس" الذي لم يعتبر الآلهة سوى رجال كانوا في الماضي بارزين و لهم مكانة في المجتمع ، ثم قدسهم الناس بعد موتهم و رفعوهم إلى درجة الآلهة (26) ، بعد ذلك ينقطع السواح إلى عرض نظريات قاربت نفس الموضوع ، كنظرية "سبنسر" حول عبادة أرواح الأجداد التي خلص عبرها إلى أن أول الآلهة لم يكونوا سوى سحرة و زعماء و أجداد بارزين ، كما عرض المؤلف إحيائية "تايلور" animism ، التي يترجمهها السواح إلى "أرواحية" و ليس إحيائية ، المهم الأرواحية أو الإحيائية تفترض الإيمان بوجود روح في العناصر الطبيعية -بما فيها الإنسان- غير قابلة للفناء (27) ، هي التي دفعت إلى تكوين أولى الأشكال الدينية -حسب تايلور- غير أن السواح يسوق هنا نقد "إيميل دوركايم" لإحيائية تايلور ، نقد مفاده أن الروح ناتجة من نواتج الدين و ليس مصدرا له ، هذه الفكرة استنتجها دوركايم بعد دراسة رصينة لأديان شعوب أسترالية القديمة أخرجها في كتاب حمل اسم "الأشكال الأولية للحياة الدينية" ، و هو كتاب لا زال يتضمن أفكارا محترمة حول بدايات الأديان و هو ما عبر السواح عن إستفادته الكبيرة منه .
بعد ذلك يعالج الأستاذ فراس مسألة مهمة ، و هي البحث في طبيعة الإله و تاريخ ظهوره ، حيث افترض "فلهم شميدت" في موسوعته "أصل فكرة الإله" أن الإنسان ابتدأ بالإعتقاد بإله واحد كبير خلق كل شيء ، كلي القدرة و القوة و العلم ، ثم نسي الإنسان هذا الإعتقاد بسبب ظروف تاريخية ما جعله ينحوا نحو الإعتقاد بتعدد الآلهة (28) ، و هو ما يوافق عليه كذلك عالم الأديان "أندرو لانغ" ، غير أن السواح نقد الموقفين ، و طرح منظور آخر مفاده أن "الإله المشخص" لم يكن له أي وجود في بدايات الأديان ، بل كل ما كان هنالك هو ما سماح السواح بـ"قوة المجال القدسي" ، حيث حلت شيئا فشيئا الشارة الحيوانية كما في عصر النيوباليوليت رمزا لعالم اللاهوت ، ثم أخذت هذه القوة تدريجيا ملامح إنسانية ، هنا دخل الفكر الديني "مرحلة التشخيص" ، تشخيص القوة غير المشخصة ، حيث أخذ الإنسان ينظر إلى القوة من خلال تمثيلات مشخصة ، شيئا فشيئا ظهرت شخصيات كسرت مبدأ القوة السارية و انتهت إلى عدد من القوى ، و بذلك ظهرت أو نشأت الآلهة (29) ، هكذا نستنتج حسب فراس السواح أن الإنسان استهل مشواره الروحي بالإعتقاد بـ"قوة سارية" في الوجود بعد ذلك شخص هذه القوة فظهرت الآلهة ، و هو في نظري تفسير أقرب للمنطق التاريخي من افتراضات تايلور و سبنسر و شميدت و لانغ .
يستمر السواح في الباب الخامس في مناقشة المعتقد و بنية الحد الأدنى ، ذلك عبر دراسة معتقدات أشهر ديانات الشرق الأقصى ، إذ تطرق في الفصل الأول إلى الكامية و هي الديانة اليابانية ، كما ناقش قوة السماء و تابعية الآلهة ، و في الفصل الثاني عرض للاوتسو و التاوية حيث لاحظ السواح علاقة اتصال بين التاوية و أديان الشرق الأدنى (30) ، أضاف المؤلف في الفصل الثالث دراسة الهندوسية و بحثها عن الوحدة في الوجود ، لينتقل في الفصل الرابع إلى دراسة الجانية و البوذية حيث ناقش مبدئهما اللا-إلهي .
ينتقل بعد ذلك السواح إلى فصل رائع عالج فيه "إله التصوف" خصوصا عند المسلمين ، إذ يستهل الفصل بملاحظة أن التصوف الإسلامي انطلق مع الإحتكاك مع الثقافة المسيحية في مصر و بلاد الشام ، و مع الثقافات الشرقية كالفارسية و الصينية ، هكذا سيدرس السواح التصوف في أثر كل من "عبد الكريم الجيلي" و "محي الدين ابن عربي" ، لأنه لمس فيهما خلاصة التجربة الصوفية في كل من بعدها الروحي و الفكري ، فكيف تطرق السواح للتصوف ؟
يشير بدءا إلى لقاء كامل لمفهوم الألوهة في المذهب الصوفي مستمدا من تأويل معين لآيات قرآنية و أحاديث نبوية ، إذ أن الأصل في الألوهة حسب هذا التأويل هو الكمون و الغنى ، و ما درجات التشخيص التي تتبدى بها سوى أمر اقتضاه ظهور الكون عنها (31) ، حيث أن خروج الألوهة عن كمونها و غناها يؤشر إليها ظهور الممكنات فيها جميعا بحكم البطون لا بحكم الظهور ، و هو ما يسميه الجيلي "بالأحادية" التي يعتبرها "أول تنزلات الذات من ظلمة العماء إلى نور المجالي ، لأن كل مجلى بعده لا بد أن يتخصص" (32) ، و بذلك فالألوهة هي برزخ بين الذات -الإلهية- الكامنة و الخلق الذي يصدر عنها ، أما بعد حدث الخلف فتدخل الألوهة طور "الرحمانية" و هنا تتجلى الألوهة كقدرة خالقة لكل مظاهر الكون ، يميز السواح بعد ذلك بين الخلق و الحق مشيرا إلى أن خلق الألوهة للوجود لا يعني صناعة مباشرة ، فالوجود خلق من حيث مظهره و حق من حيث جوهره ، أما آخر مجالات الألوهة فهو "الربوبية" و هو المجلى الأخير المختص بعالم الخلق ، فـ"الرب" اسم لهذه المرتبة ، و يقع تحت هذا الإسم كل الأسماء التي تتطلبها أسماء وجود المخلوقات ، مثل الملك المريد المجيب (...) "فإذا كانت الذات تمثل بطون الألوهة فإن الربوبية تمثل ظاهرها الذي يتجه نحو عالم الخلق و يتطلبه" (33) .
كما أن الألوهة تخرج عن كمونها وفق مراحل ، كذلك تُكشف للإنسان الألوهة عبر هذه المراحل ، حيث يشير الشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي أن النظام النظري للتصوف يقوم على "نظرية التجلي" ، فكل مما هو موجود في العالم هو عبارة عن مجلى أو مظهر إلهي ، فالحق يتجلى في الأشياء أي يظهر فيها فيتكثر دون أن ينقسم (34) ، هكذا فالله يُظهر الممكنات التي يدعوها ابن عربي بـ"الأعيان الثابتة" إلى الوجود المحسوس ، فالذات تظهر في كل صورة و تتجلى في كل مظهر ، لذلك حالة تتجسد في أن اسم الله الظاهر يتجه نحو الخارج ، و باطنه نحو الغيب ، و هذا ما يفرق بين المفهوم المادي لوحدة الوجود الذي يقول كل موجود ليس سوى عالم يقال له الله ، و مفهوم ابن عربي المتلخص في مبدئين هما أولا : "الخلق الدائم" أي استخراج المخلوق من العدم إلى الوجود من طرف الله بطريقة مستمرة و دائمة ، ثانيا "الوجود الخيال/المتخيل" و هو وجود الغيب أو التجلي الثاني .
كل هذا يصل بنا إلى نتيجة مهمة في فكر ابن عربي و التصوف بشكل عام ، و هو تشخيص الألوهة و تجريدها أو باللغة الصوفية تشبيهها و تنزيهها ، و هما صفتان متلازمتان لأن التنزيه يتطلب التشبيه ، و التشبيه لن يقود إلا إلى التنزيه ، إذ حسب الشيخ الأكبر التشبييه تتطلبه بطون الذات الإلهية فلابد من صلة تصل هذا المحدود بذاك اللامحدود ، أما عن مولانا السواح فإنه يقرأ النظرية الصوفية على ضوء المعتقدات القديقة حيث يقول : "الوثن الذي رآه ابن عربي بين الإنسان و الذات الإلهية - يقصد مراحل الكشف- ما هو إلا شارة القداسة التي أقامها الإنسان الحجري في كهوفه " (35) ، هكذا تتضح صياغة أخرى لنظرية في الإسكاتولوجي و الألوهة و الخلق و الغيب حسب المذهب الصوفي .
أما الباب الخامس فقد تضمن فصلا واحدا ، تطرق فيه السواح لبعض النظريات التفسيرية لمنشأ الدين ، كالنظرية العقلانية لـ"ماكس مولر" رائد علم الأديان ، التي تتلخص في أن فكرة الحياة و الموت و المجهول هما منشأ الدافع لصناعة الأديان ، ثم عرض السواح للنظرية "العاطفية" و فحواها أن الدين انعكاس لعواطف الإنسان و ليس استجابة لتأملات ذهنية إذ أن الخوف من الموت و المجهول ، و الطمع في الخلود هما المحددات الأساسية لنشوء الدين ، ثالثا يناقش السواح كذلك فرويد في نظريته "الإرجاعية السيكولوجية" ، التي تفترض أن الدين ليس إلا عوارض عصابية يمكن دراستها و علاجها كأي ظاهرة عصابية أخرى ، حيث انتقد السواح هذه النظريات الإختزالية للظاهرة الدينية ليخلص إلى أن : "الدين ليس وهما و المؤمن ليس واهما في إحساسه بوجود قوة أعظم منه تظم الوجود إلى وحدة متكاملة ، لأن الخبرة الدينية قد اركزت عبر الأزمان على تجربة حقيقية صلبة و شرط معطى للوجود الإنساني، من هنا فإن الأديان كلها تقف على قدم المساواة و تتمتع بدرجةواحدة من المشروعية، حيث لا وجود لأديان حقيقية و أخرى زائفة، و لا لأديان راقية و أخرى منحطة ، بل كلها نتاج تجربة حقيقية و معطى للوجود الإنساني" (36) .
ينتقل السواح في باب لا يقل روعة عن سابقيه إلى مناقشة "الوعي و الكون" ، رابطا بذلك محاولة فهم الدين منشأً و شعوراً من زاوية العلم التجريبي الحديث، حيث عرض في الفصل الأول "النظرية الكوانتية " في الفيزياء الكمية، و بذلك أبان السواح عن قدرته الكبيرة عن الفهم، فهم حتى أعتى النظريات و العلوم تعقيدا و تداخلا، عموما يبدأ المؤلف بعرض لنظرية نيوتن و قوانينها كقانون الحركة و التثاقل، بعده ينتقل للكوانتية ليوضح أنها تعني دراسة الكم أو الكموم، فالطبيعة تبدو و كأنها تحدث على دفقات أي كوانتا Quanta، حيث يقوم ميكانيك الكم بملاحظة و دراسة هذه الظواهر، يشير السواح أن هناك فرقا بين النيوتينية و الكوانتيمية يكمن في أن الأولى تدرس مسائل فيزيائية كبرى و تقف عاجزة في مسائل الدقائق الفيزيائية أو ما سماه السواح بـ"العالم الصغري"، إذ هنا دخلت الكوانتية لتسليط الضوء على هذه العوالم الدقيقة ، فخرجت بنتائج جديدة أكثر مظبوطية من نتائج النيوتينية ، حيث لهذه الأخيرة القدرة على التنبأ بمسار الأجسام ذلك انطلاقا من معرفتها لأحوالها البدئية كسرعتها و اتجاهها الأصلي (37) ، غير أن الكوانتية أتبتث عدم إمكانية التنبأ انطلاقا من دراستها للدقائق ، ذلك لأنها لا تستطيع معرفة الوضع الراهن للحادثة الفيزيائية ، و هو ما يجعلها غير قارة على التنبأ بأوضاعها المستقبلية ، لسبب عائد إلى طبيعة المادة في شكل الدقائق و التي تجعلها عصية على وسائل و أساليب البحث الفيزيائي التي يمتلكها الإنسان ، بل انتهى الأمر بالكوانتية إلى اعتبار الجسيمات و الدقائق مجرد تجريدات ذهنية تفيدنا في التعامل مع العالم الكمومي و لا تتمتع بأي وجود حقيقي .
من هنا أصبحت للإنسان نظرة أخرى للكون حيث ينطق بذلك الفيزيائي "جون ويلرا" معبرا على أن: "الكوانتية ألغت العالم الذي يقع وراء عدسة المراقب، بل نقلت الباحث من وضعه إلى وضع المشارك، ذلك أن الكون بطريقة ما كون تشاركي" (38) ، هذا يعني أننا لا نستطيع رصد شيء في العالم الصغري - حسب الكوانتية- دون أن نعمل بذلك على إحداث تغيير فيه، فالمراقب و موضوعه متداخلان، و هما في حالة اعتماد متبادل لا تنفصم عراه، بتعبير آخر إن ما نحصل عليه من خلال فعل المراقبة، ليس معلومات موضوعية عن "العالم الخارجي" بل معلومات فقط عن تداخلنا و تفاعلنا معه، ذلك ما يسميه الفيزيائيين بالتكاملية Complementarity، و بذلك تطلعنا نظرية الكم على الوحدة الضمنية للكون، بإظهارها عدم إمكانية تجزئة العالم إلى مكونات متناهية في الصغر تتمتع بوجود مستقل عن الكل، و أن هذا الكل ليس إلا نسيجا متصلا من العلائق التي تكونه، أما الوعي الإنساني الذي يراقب الطبيعة و يحاول فهمها بشكل تجزيئي فليس هو نفسه إلى جزءا من هذه الشمولية، إنه النقطة التي تنتهي عندها أية حادثة و تتخذ معناها (39) .
بعد ذلك ينقطع السواح إلى الغوص ليس في شرح فقط هذه النظريات بل مناقشة كذلك معترضاتها عند مختلف الفيزيائيين، ما خطى به نحو "ألبرت آينشتاين" و نسبيته، حيث تطرق إلى شرح مفهوم الطاقة و الكتلة في نظرية النسبية التي وضح السواح أنها وحدت بين هذين المبدئين كما وحدت بين المكان و الزمان في مفهوم نسبي واحد، هنا يستعرض الكاتب قوانين النسبية المتلخصة في: "كل جسم مادي متحرك ينكمش في اتجاه حركته ، حيث يغدو طوله أقصر فأقصر إلى أن يختفي كليا إذا بلغ سرعة الضوء - إذا تحرك جسم بالنسبة إلى المشاهد، فإن كتلة الجسم المتحرك ستزداد كلما ازدادت سرعته - السرعة النسبية بين جسمين متحركين مقدارها ليس جمعا لمقدار السرعتين إذا كان الجسمين يتحركان في اتجاه بعضهما -تزداد طاقة الجسم المتحرك بزيادة سرعته ، هذه الطاقة المضافة هي طاقة الحركة- الزمن يتسارع أو يتباطئ تبعا لسرعة الجملة الفيزيائية المتحركة بالنسبة إلى جملة فيزيائية أخرى" (40) .
المغزى من كل هذا و ما يريد السواح الوصول إليه، هو أن أي وصف حتى و إن كان فيزيائيا للعالم لابد أن يتضمن "الوعي الإنساني"، ما يعني أن الفيزياء الحديثة باكتشافها ضرورة الرجوع إلى الوعي ، جعلت هذا الأخير حجر الزاوية في صياغة قوانين الكون التنظيمية، ما يرجع بنا إلى تصور طبيعة وعي الإنسان القديم عندما اختلق الدين فذلك تم في تشاركيته مع الكون التي فزعته ظواهره، و بذلك يلمح السواح إلى أن في صميم علاقة الإنسان بالكون يوجد المعتقد الديني.
أما في الفصل الثاني من هذا الباب الأخير، فيختتم السواح دراسته بإيصال البحث التاريخي عن أصل الدين إلى البحث العلمي الحديث في مختلف مباحثه ، لينتهي إلى أن الدين ظاهرة عبرت عن الإحساس المتأصل بالتكامل مع العالم و المشاركة في حقيقته، "هكذا فالدافع إلى التدين و إلى تكوين المعتقد الديني ينشأ عن الإحساس بالكليانية و المشاركة في كون واحد حي، ذلك لأن الإنسان دائما ما كان يشعر في المستوى الآخر الأعمق لوعيه بكليانية و لاتمايزه عن الوعي، إذ أن الدين ما هو إلى ظاهرة ترجمت هذا الشعور إلى نسق فكري و عقدي" ، و بذلك يختم السواح قائلا : " إن جماع القول أن الدين لا يقوم على أساس وهمي ، و لا على عدد من الأفكار الخاطئة التي تم تكوينها في عصور طفولة البشرية ، بل إنه يقوم على أكثر الأسس صلابة في وجود الإنسان ، إنه الوعي الباطني بالحقيقة .. إذ أن الدين هو الحالة المثلى للتوازن مع الكون ، و العبادة كيفما كانت صيغتها ، معبر إلى البقاء في الحقيقة ، أو كما قلت في الصفحات الأولى " حالة الوجود الحق " (41) .
في الختام لا يسعني إلا التعبير عن الإعجاب بموسوعية السواح في كتابه هذا ، حيث عرفنا عن معنى الدين و عن بنيته و مكوناته ، كما مر بنا على تاريخ الأديان القديمة و شخصياتها المؤسسة ، و طاف بنا حول نظريات كبار مفكري الدنيا ممن حاول دراسة أصول الدين و بداياته ، كما لم يتخلف عن إطلاع قارئه كذلك على أشهر و أدق النظريات الفيزيائية المعاصرة دون أن ينسى البسيكولوجيا حيث رافقت آراء "كارل يونغ" أهم مباحث الكتاب ، و كما هي العادة فإني أذكر بأن هذه مجرد مراجعة إختزالية لأفكار الكتاب الذي يحمل قدرا عظيما من الكنوز المعرفية الأكبر من أن تضم في سطور مراجعة كهذه، بل إن هي إلا دعوة إلى القراءة و الإغتراف مباشرة من بطون كتب من هذا النوع.
إحالات و مراجع :
_________________________________
(1) فراس السواح ، "دين الإنسان: بحث في ماهية الدين و منشأ الدافع الديني" ، منشورات دار علاء الدين ، دمشق 2002 ، الطبعة 4 ، ص 14 .
(2) خزعل الماجدي ، "علم الأديان" ، منشورات مؤسسة مؤمنون بلا حدود ، الدار البيضاء - بيروت 2016 ، طبعة 1 ، ص 267 .
(3) السواح ، "دين الإنسان" ، مرجع سابق ، ص 15 .
(4) نفسه ، ص 21 .
(5) نفسه ، ص 22 .
(6) نفسه ، ص 23 .
(7) نفسه ، ص 26 .
(8) نفسه ، ص 31 .
(9) نفسه ، ص 38 .
(10) نفسه ، ص 41-42 .
(11) السواح ، "دين الإنسان" ، مرجع سابق ، ص 37 .
(12) نفسه ، ص 54 .
(13) نفسه ، ص 56 .
(14) نفسه ، ص 58 .
(15) خزعل الماجدي ، "علم الأديان" ، مرجع سابق ، ص 37 .
(16) السواح ، "دين الإنسان" ، ص 76 .
(17) نفسه ، ص 80 .
(18) نفسه ، ص 86 .
(19) نفسه ، ص 89 .
(20) نفسه ، ص 91 .
(21) السواح ، "دين الإنسان" ، ص 120 .
(22) نفسه ، ص 123 .
(23) نفسه ، ص 126 .
(24) نفسه ، ص 130 .
(25) نفسه ، ص 193 .
(26) نفسه ، ص 204 .
(27) نفسه ، ص 208 .
(28) ميلتسيا إلياده ، "البحث في التاريخ و المعنى في الدين" ، ترجمة سعود المولى ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت 2007 ، طبعة 1 ، ص 125 .
(29) السواح ، "دين الإنسان" ، ص 219 - 220 .
(30) نفسه ، ص 251 .
(31) نفسه ، ص 294 .
(32) نفسه ، ص 295 .
(33) نفسه ، ص 297 .
(34) نفسه ، ص 299 .
(35) نفسه ، ص 308 .
(36) نفسه ، ص 327 .
(37) نفسه ، ص 333 .
(38) نفسه ، ص 336 .
(39) نفسه ، ص 353 .
(40) نفسه ، ص 361 - 362 .
(41) نفسه ، ص 391 .