كثير من الأشخاص يعلقون بطريقة غير إيجابية حول موضوع أو قضية ما. فمهما كانت أهمية الموضوع أو المشهد، لا يلجأ هؤلاء الأشخاص سوى لتصعيد الأخطاء، ومحاولة تشويه المضمون بطرق لاذعة تفتقر لمعيار احترام الرأي والرأي الآخر.
انتشرت ظاهرة النقد الهدام بصورة لافتة في مجتمعنا، وأصبح النقاد السلبيون يوجدون في كل مكان، شغلهم وهمهم الوحيد هو توجيه وإلقاء اللوم على الآخر، وانتقاده في كل شيء حتى في حياته الشخصية. الناقد السلبي يوجه دائمًا اللوم إلى المجتمع، الدولة، الحكومة، الإعلام، الإدارة، ولا يساهم بأي شكل من الأشكال في وجود الحلول المناسبة للمشكل المطروح.
حينما يرى الناقد السلبي سلة قمامة، على سبيل المثال، ملقاة وسط الطريق، يبدأ فورًا بتوجيه اللوم إلى المجتمع تارة، وإلى الحكومة تارة أخرى، ويسخط على الجميع، ولكن في نهاية المطاف، يجد نفسه عاجزًا عن حمل تلك السلة المملوءة بالنفايات ووضعها داخل وعاء القمامة.
لا يمر يوم بدون انتقادات سلبية، أو تعليق يضم أسلوب التجريح، وعبارات السب والشتم والقدح، إذ أصبحت هذه الثقافة غير المرحب بها تسري في عروق أغلبية الناس.
قال الشعبي: لو أصبت 99، وأخطأت واحدة، لأخذوا الواحدة، وتركوا التسع والتسعين. «حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم».
المبالغة في الانتقادات اللاذعة التي تأتي عادة في صيغة عدوانية، أو على شكل هجوم مباشر تجاه شخص ما بالقول مثلًا: «أنت شخص جاهل، ويجب عليك أن تدخل المدرسة» أو «أنت شخص بدون مستوى»… إلخ، فإذا وجهت إليك مثل هذا النوع من الإهانة أو النقد، فاعلم أن هناك خطأ ما قد حدث، وهذا الخطأ كما يراه لازاراس، يتعلق بالشخص الذي انتقدك، ولا يتعلق بك بالتأكيد.
حينما يصل الأمر إلى الهجوم غير الحضاري، واستخدام العنف والتخريب للتعبير عن رفض الآخر، تصبح هذه الظاهرة غير طبيعية تقود في بعض الأحيان إلى معركة لا يحمد عقباها.
وبالرجوع إلى برنامج «الاتجاه المعاكس» الذي يشرف على تقديمه الدكتور فيصل القاسم على قناة الجزيرة، شاهدت بأم عيني ضيوف الحلقة يصرخون بأعلى صوتهم، ويوجهون التهم الثقيلة بعضهم إلى بعض، وغالبًا ما تنتهي حلقة البرنامج بالاشتباك بالأيدي، والسبب في ذلك يعود إلى الخلاف والنقد الهدام، ورفض الآخر.
أعتقد أن النقد الهدام أساسه الحقد والانتقام، ويساهم في تكوين فكرة سلبية على الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية بصفة عامة.
ولكن في المقابل، حينما يسلط الإعلام الضوء على الفساد بطريقة مهنية مفادها نقل الحقيقة بعيدًا عن الانتقادات الهدامة، فغالبًا ما تكون الانتقادات مقبولة ومرحبًا بها من طرف الجميع.
أعتقد أن الخلاف الذي يؤدي بالشخص إلى استعمال انتقادات هدفها الهجوم من أجل الهجوم، أو النقد من أجل النقد مؤشر انحطاط خلقي، أما الاختلاف في المواقف والأفكار هو السبيل الذي يقودك للحوار مع الطرف الآخر، وفهم وجهة نظره، واحترام رأيه، ومن حق الطرف الآخر أيضًا أن يرد على كافة الرؤى ووجهات النظر المقترحة بأسلوب متحضر، بعيدًا عن العداوة والعداء.
للأسف الشديد أغلبنا يحمل معه سلاحًا فتاكًا اسمه النقد الهدام، ويوجهه تجاهك مستعملًا عبارات وألفاظًا يندى لها الجبين مثل: «أنت كافر، أنت شيوعي، أنت إرهابي، أنت ملحد… إلخ».
والنقد الهدام هو العيب والسلب والتعدي على أعراض الناس بالسخرية، أو القذف، أو اللعن، وفيه إظهار عيب الآخرين للنيل منهم، وتشويه سمعتهم، والطعن في نياتهم من غير حجة ولا برهان، واللهم ابعدنا عن الناقدين السلبيين، كما أبعدت السماء عن الأرض.
-
مصطفى توفيقمعكم بكل تواضع مصطفى توفيق رئيس الإتحاد الدولي للصحافة والإعلام و الإتصال ، حاصل على شهادة جامعية بكلية ستراد كلايد بالمملكة المتحدة في المجال الصحافي و الإعلامي، حاصل على شهادة دكتوراه الفخرية في مجال الصحافة و الإعلا ...