اهداف التنمية المستدامة بين الطموح و انتشار الفساد - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

اهداف التنمية المستدامة بين الطموح و انتشار الفساد

الشفافية و المساءلة و المشاركة دعامات للحكامة الرشيدة.

  نشر في 13 ديسمبر 2020  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

     يأتي هذا المقال ضمن المهمة الفردية للمساق الأول: الشفافية والمساءلة والمشاركة، ضمن برنامج " من اين لك هذا؟" الذي يقدمه معهد الفضاء المدني عبر المنصة التفاعلية سكولوجي لفائدة نشطاء المجتمع المدني في دول شمال افريقيا و الشرق الاوسط. و التي كانت فرصة لكل المشاركات و المشاركين من اجل تقوية قدراتهم و بناء و نقل المعرفة و تقاسمها مع مجتمعاتهم المحلية و المشاركة في تحقيق التنمية المجتمعية التي تنتظرها الشعوب خاصة في الدول التي ينتشر فيها الفساد بكثرة. 

 تعتبر اهداف التنمية المستدامة اطارا تعاقديا بين الامم المتحدة كهيئة دولية و الدول الاعضاء المنتمية اليها، و خطة طريق لرؤية 2030 من اجل تحقيق تنمية مستدامة حقيقية تلبي انتظار الشعوب التي طالت لسنوات عديدة، خاصة بعد فشل مجموعة من البلدان على تحقيق الاهداف الانمائية للألفية الثالثة، مما زاد من تفاقم الثقة بين الشعوب و حكوماتها وادت الى صراعات و اضطرابات وصلت الى حد الحروب الاهلية و انقلابات و اسقاط انظمة خاصة في دول شمال افريقيا و الشرق الاوسط، نتيجة تفشي الفساد و غياب المحاسبة.

     تعد اهداف التنمية المستدامة السبعة عشر للأمم المتحدة بمثابة خارطة طريق للدول التي وقعت و التزمت على تنفيذها من اجل تلبية حاجيات شعوبها خاصة الاكثر هشاشة في ما يخص التنمية المستدامة و العدالة الاجتماعية وغيرها من الحقوق الاساسية الاجتماعية والاقتصادية و البيئية، لكونها اكثر تقدما و شمولية و اندماجا. فالدول الموقعة مطالبة بوضع استراتيجيتها الوطنية للتنمية المستدامة و تحقيق المؤشرات التي جاءت بها الاهداف و تقديم تقارير دورية لمدى تحقق تلك الاهداف.

     بعد مرور خمس سنوات على اطلاق هذه الخطة التنموية العالمية فان المؤشرات التي تحققت من خلال التقارير الدورية الاولية التي قدمتها مجموعة من الحكومات و منها دول شمال افريقيا و الشرق الاوسط تبدو مشجعة و مطمئنة، و تعطي انطباعا ايجابيا على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي لهذه الدول. لكن المتتبع للأوضاع التي تعيشها بعض الشعوب يلاحظ تفاوتا كبيرا في توزيع الثروة بين مكونات البلد الواحد، حيث تسيطر فئة قليلة تكتنز ثروات البلد في حين تعاني باقي الفئات من اوضاع مزرية في كل القطاعات خاصة الاجتماعية منها حيث ينتشر الفقر و يزداد معه عدد الفقراء الذين يعيشون على اقل من دولارين في اليوم، و ترتفع معها نسب الامية داخل المجتمعات و تنخفض جودة التمدرس، و تنعدم الخدمات الصحية و التزود بالماء الصالح للشرب، و غياب الامن. هذا التوزيع غير العادل للثروات يطرح اكثر من سؤال حول تفشي الفساد و غياب الشفافية و الرقابة و المساءلة في مجموعة من البلدان و كذلك ضعف القوانين و الاليات التي الرقابية التي تتيح تتبع و تقييم السياسات العمومية و تضمن الفصل بين السلطات الثلاث في كل بلد.

     تبقى دول شمال افريقيا و الشرق الاوسط من بين دول العالم التي يعاني شعوبها من انتشار الفساد و غياب المحاسبة رغم وجود الاليات الرقابية و هيئات مكافحة الفساد و توقيعها على المعاهدات الدولية في هذا المجال، حيث احتلت مراتب غير مشرفة خلال السنوات العشر الاخيرة حسب مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره المنظمة الدولية للشفافية، باستثناء دولتي الامارات العربية المتحدة و قطر، مع تقرير يشير الى ان مرتبتهم المتقدمة تعود بالأساس الى ارادة الطبقة الحاكمة و ليس الى وجود آليات و مؤسسات قوية لتطبيق الحكامة الرشيدة كأساس للتسيير الجيد في أي دولة. و لان الفساد ظاهرة عالمية نجدها في كل الدول بغض النظر عن مستوياتها الاقتصادية والاجتماعية، حيث اصبح عابرا للحدود نتيجة العولمة وتوسع و هيمنة الشركات الكبرى خاصة متعددة الجنسيات التي تسعى لتحقيق مكاسب وارباح عبر عقود تجارية و صناعية، و ما لذلك من ضرورة توفير انظمة سياسية تضمن لها مبتغاها، و تزيد التجاذبات الجيوسياسية بين القوى الكبرى التي تساهم في استمرار الاجواء المفعمة بالفساد و الرشوة و الدعم العسكري مقابل توفير اسواق لشركاتها و ضمان الولاء و التبعية اقتصاديا و سياسيا و عسكريا و ثقافيا .

     تعود اسباب الفساد الى عاملين مهمين اولهما مرتبط بالجانب الاخلاقي للمواطنين و طبيعة منظومة القيم داخل أي دولة، و الثاني مرتبط بالبعد المؤسساتي للدولة ،كغياب الشفافية والمساءلة وضعف الأجهزة الرقابية وعدم خضوع السلطات الإدارية لضوابط قانونية تحد من التجاوزات والممارسات المخالفة للقانون واستغلال النفوذ و اقتصاد الريع، و غيرها من مظاهر الفساد. و لمكافحة هذه الظاهرة العالمية وجب اتخاذ مجموعة من التدابير و وضع استراتيجيات وطنية و التنسيق مع الدول الاخرى، لمكافحة الفساد تضمن الشفافية وسيادة القانون و تتيح المساءلة و المحاسبة، و تفتح الامكانية لتحقيق المشاركة المجتمعية وانخراط القطاع العام و القطاع الخاص و المجتمع المدني و الاعلام و الاجهزة الرقابية الرسمية و غير الرسمية، و غيرهم من اصحاب المصلحة المعنيين بهذه الظاهرة.

     تعتبر الشفافية من بين مرتكزات الحكامة الرشيدة و أداة من أدوات العدالة و أحد الادوات التي تقاس بها مستويات الفساد في اي دولة، فكلما ارتفعت مؤشرات الشفافية كلما قلت درجات الفساد و قلت معها فرص حدوث احد مظاهر الفساد، و كلما كانت الرؤية غير واضحة داخل اي مؤسسة او دولة كلما زادت امكانية حدوث الفساد فيها، لذلك تحتل مكانة مهمة لدى منظمات المجتمع المدني لكونها ايضا تسمح ببناء مؤسسات قوية وشاملة اساسها القيم النبيلة.

     فالشفافية هي ذلك المبدأ الذي يوفر رؤية واضحة لأداء كل السلطات لمهامها في اطار من استقلالية القرار و بطريقة تتيح للمواطنين و الاعلام والاجهزة الرقابية الاخرى و كل اصحاب المصلحة ، امكانية الحصول على المعلومة دون قيد او شرط او تضييق، خاصة المعلومات المرتبطة بالسياسات العمومية والمعايير والأنظمة والتشريعات و الميزانيات التي ترصدها للمؤسسات التابعة لها و القرارات التي تتخذها خاصة تلك المرتبطة بالشأن العام و التي تمس المعيش اليومي لدافعي الضرائب خاصة الذين يتأثرون بتطبيق هذه القرارات.

و لا تتحقق الشفافية في أي مجتمع الا بتوفر مجموعة من الشروط منها:

1- وجود الاطار القانوني للحصول على المعلومة: و ذلك تأكيدا لما نصت عليه المادة 10 من اتفاقية الامم المتحدة الخاصة بمكافحة الفساد، من خلال وضع اطار قانوني يكفل حماية تداول المعلومات بين الاطراف، و يتيح للمواطنين الوصول الى مصادر المعلومة و الاطلاع عليها في الحدود التي يكفلها القانون، و هذا عبر :

         • اعتماد اجراءات و مساطر قانونية تسمح للناس عامة الحصول عند الحاجة على المعلومات المتعلقة بسياسات الادارات العمومية و القرارات المتعلقة بأنشطتها.

           • تبسيط الاجراءات الادارية و التقنية التي تتيح الوصول الى اصحاب القرار و مؤسسات الدولة و السلطات المختصة في اتخاذ القرارات.

          • توفير وثائق و تقارير دورية واضحة حول أهداف أي مؤسسة، و كيفية عملها، وبرامجها، و ميزانياتها و طرق تمويلها وسياساتها وإتاحتها للجمهور، مع ضمان مشاركتهم في صياغة هذه الخطط.

2- المشاركة المجتمع في تعزيز الشفافية: يعد انخراط و مشاركة الافراد و الجماعات و المجتمع المدني و المجتمعات المحلية في مكافحة الفساد و محاربته، وفق المادة 13 من اتفاقية الامم المتحدة لمحاربة الفساد، امرا مهما و اساسيا لتحقيق مبدأ الشفافية ، و ذلك عبر:

         • تعزيز دور المجتمعات المحلية والمجتمع المدني داخل المؤسسات خلال وضع و تتبع و مراقبة السياسات العمومية.

         • تعزيز الشفافية في عمليات اتخاذ القرار وتشجيع مساهمة و مشاركة المواطنين فيها

         • ضمان تيسير حصول الناس على المعلومات دون تضييق.

        • تنظيم انشطة توعوية تحسيسية حول عدم التسامح مع الفساد و وضع برامج تربوية تعزز الشفافية و محاربة الفساد.

3- تطبيق قانون التصريح بالممتلكات و الذمم المالية من قبل المسؤولين: مما يتيح قطع الطريق امام المسؤولين العموميين لاستغلال مناصبهم في الكسب غير المشروع ز استغلال النفوذ.

4- احداث انظمة للإعلان عن الصفقات العمومية: و التي تتيح الولوج اليها و معرفة مساطرها في اطار من الشفافية.

5- اعتماد مبدأ الاستحقاق و الكفاءة في تعيين الموظفين و مسؤولي المؤسسات العمومية.

6- ضمان وصول وسائل الاعلام الى المعلومات و تمتيعها بالضمانات الكافية للقيام بدورها الرقابي و نشر المعلومات.

      و لان الشفافية وحدها لا تضمن مكافحة الفساد بدون تحقيق المساءلة باعتبارهما مفهومين متلازمين و من الدعامات الاساسية للحكامة الجيدة، فان الحكومات و مؤسسات الدولة مطالبة بالإجابة عن كل الاستفسارات التي تخص الاداء و القرارات التي تتخذها وتبرير السياسات العمومية التي يتم تبنيها، و كذلك كيفية استخدام الصلاحيات الممنوحة لها و لكل موظف حكومي او رئيس مؤسسة عمومية.

     تعمل المساءلة على وضع نهج و فلسفة اساسها المراقبة و المحاسبة و المشاركة المجتمعية، حيث تتيح لنشطاء المجتمع المدني و كافة المواطنين المشاركة بشكل مباشر او غير مباشر في تسيير الشأن العام عبر مراقبة المؤسسات العمومية و تتبع سياساتها و مراقبة السلطات من اجل فعالية و كفاءة اكبر لأدائها و الاستغلال الرشيد لموارد الدولة، و القيام بواجبها المتمثل في تقديم خدمات ذات جودة عالية تضمن العيش الكريم للمواطنين كافة. فالمساءلة هي تلك العملية التي تتيح للمواطنين مطالبة السلطات العمومية بتبرير قراراتها و سياساتها التنموية. ولا تتحقق المساءلة الا بوجود مجتمعات اكثر وعيا بضرورة الانخراط و المشاركة بفعالية في تتبع و تقييم و وضع السياسات العمومية و المطالبة بالمعلومات الضرورية لدى المؤسسات المعنية، و على هذه الاخيرة الاستجابة لأي طلب و تقديم المعلومات وفق ما يضمنه القانون.

      تتم المساءلة وفق اليات تقليدية تتجلى في العلاقة التي تربط السلطة التشريعية و لجن الرقابة البرلمانية و هيئات مكافحة الفساد مع السلطة التنفيذية او الحكومة و مؤسساتها في كل قطاع حكومي، و هذه الاليات تتم وفق الدساتير و القوانين التنظيمية لكل مؤسسة و التي تحدد العلاقة بين هذه المؤسسات و الاجهزة الرقابية و كذلك تحدد العلاقة الداخلية لكل مؤسسة. و رغم وجود كل هذه الاليات الا انها قد لا تعمل على مساءلة المسؤولين و محاسبتهم على قراراتهم، و تفتقر في بعض الاحيان الى الفعالية الضرورية من اجل تحسين اداء المؤسسات. و لذلك فقد تم اعتماد اليات اكثر تقدما او الاليات الخارجية التي يقوم بها المجتمع المدني و المواطنون و المجتمعات المحلية و الاعلام، و هذه الاليات تتيح امكانية مراقبة عمل المؤسسات و مساءلتهم سواء الوسائل الرسمية مثل تقديم العرائض او ادلة الى الهيئات المعنية بالمراقبة و مكافحة الفساد و قد تصل الى رفع دعاوى قضائية، او عبر الوسائل غير الرسمية المتمثلة في التغطيات الاعلامية خاصة مع تطور وسائل التواصل الاعلامي و قوة تأثيره، او عبر الاحتجاجات و تنظيم المجتمعات المحلية في اطار لقاءات مع المسؤولين العموميين.

     تبقى المشاركة المجتمعية في تتبع و تقييم و وضع السياسات العمومية السبيل الوحيد لتحقيق الشفافية و المساءلة و المحاسبة من اجل مكافحة الفساد، وهذه المشاركة لا يمكن الوصول اليها الا في اطار استراتيجيات وطنية مندمجة للتنمية المستدامة ذات رؤية شمولية، تتيح المشاركة الفعالة لكل اصحاب المصلحة من قطاع عام و قطاع خاص و مجتمع مدني و مواطنين. خلال هذه الاستراتيجيات محددة الاهداف و المؤشرات التي يجب الوصول اليها خلال مدة زمنية اقصاها سنة 2030، تحدد مساهمة و انخراط كل اصحاب المصلحة وفق الموارد المالية و البشرية و اللوجيستيكية لكل واحد منهم، في اطار تعاقدي يعمل على محاسبة المفسدين، و يضمن تحقيق تحقيق اهداف التنمية المستدامة لكل بلد وفق رؤية 2030 للأمم المتحدة.


رائد معهد الفضاء المدني : محمد زني / االمملكة لمغربية



   نشر في 13 ديسمبر 2020  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا