وَضَعَت الكتاب أمامي وما إن وقعت حدقة عيني على العنوان -قواعد العشق الأربعون - حتى ارتمت يدي لتجعل سافل الكتاب عاليه، كادت كلمة العشق كالبرق تخطف بصري، شكرتها، وعدت أحث الخطى لمقعدي ،وضعت الرواية في محفظتي كأني أخبئ محظورا، لا أدري ما كان ذاك الشعور الذي استثاره ذلك العنوان، أخجل أم وجل أم ذهول، في الحقيقة امتزجت كلها في نفسي لكن الثالث كان الأكثر، يا تُرى كيف عَرَفَت أن خاطرة في حب الله و العشق قد استولت على أفكاري ولم أجد لها العبارات، أفراسة رزقها الله إياها أم مجرد موافقة وقَدَر . لم تنته بعد القصة مع العنوان، فقد دخلت علي أمي بغتة، سألتني سؤالا لم أعتده ، ما تقرأ؟ لعلها لاحظت أن الكتاب لا يشبه كتبي المجلدة أم أن غلافه كتلك الروايات الفرنسية التي كانت تتابع كلماتها كل ليلة ، دَنَت فقرأَت العنوان، لكن لم تجهر بكلمة العشق كباقي الكلمات ، حَبَستُ ابتسامة كادت ترتسم على ثغري ،سددت لي نظرات ولسان حالها يقول أتقرؤون مثل هذا يا طلبة العلم؟ و في اليوم الثاني قالت أستقرؤها بأكملها، أجبتها باستغراب أوليس هكذا يُفعل بالكتب؟ هه نعم لقد خافت على فلذة كبدها من آلام العشق أو خشيت أن تكون-أي الرواية - دافعا لأن أبحث عن حبيبة تزاحمها في فؤادي وتشغلني عن أداء واجباتي ، ثم انبعثت من فمي كلمات تطمئنها وتوضح قصة الدرويش الصوفي وقواعده في الحب الإلهي ولن أقول العشق كما ذكر في العنوان ، لأن المشهور من هذا اللفظ هو محبة النكاح ومقدماته من نظر وسماع والمباشرة بالقبلة والمعانقة ، فلا يقال في محبة الأم والأب والأقارب والوطن والدين فمن باب أولى أن لا يقال في محبة الإله، و هذا من ضلالات الصوفية في الحقيقة والتي ذكرت بوضوح في الكتاب ولا ينتبه إليها عامة الناس ، فيستعملون هذا اللفظ لأنهم يقولون بأن الله سبحانه وتعالى قد اتحد في خلقه فصار هؤلاء شيئا واحدا ، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا .
في بداية الرواية أزعجتني تلك الأفكار الضالة التي تُحكى على لسان هذا الدرويش وكيف جُعل مقام البطل الحكيم ، لكن تذكرت قصدي وبغيتي وهو صقل لغتي ليس إلا ، استمررت في القراءة وكنت أتخيل كل ما يُحكى في القصةو أعيش معها رأي العين كأن ذلك يقع أمامي و أحيانا أظل أمحص وأغربل الفكرة في غربال الشرع خوفا أن يتشرب قلبي شبهة تحيد به عن الطريق المستقيم ، سم في دسم ، كلمات مقدودة تخفي وراءهامبادئ ملعونة . وما زادتني أوصاف هؤلاء الدراويش إلا يقينا بما كنت أعتقده تجاه هذا النوع من التصوف، حلق للحاجبين أقراط أوشام كأنهم فرقة روك أند رول، الحمد لله على نعمة السنة ، و صدمت في الأخير ببعض اللقطات المقذعة ....
و إنصافا فقد كانت رواية مشوقة، ذات عقد متتابعة، وقالب مؤثر يتلاعب بالعواطف ، ومما أعجبني فيها ،الجمع بين قصتين و الترابط بينهما رغم التباعد الزمني ، واستفدت بأن أخذت بعض المقتطفات الأدبية والكلمات ، والأهم من كل ما سبق هو أني اكتشفت أن هذا النوع من الأدب وسيلة لمخاطبة اللاوعي وتليين القلوب فتسلس للأفكار التي تطرؤ عليها لكن أكثر من يستعملها في الوقت الحالي هم من نخالفهم فكرا وعقيدة من أهل الباطل ، وقد رأيت في مواقع التواصل إقبالا عجيبا من الشباب على هذا النوع من القراءة ، فقلت ربما تكون فتحا مبينا في نشر دعوة الحق ، وفائدة أذكرها وهي أن الداعية إضافة إلى التأصيل الشرعي وتبيين الحجة للمدعو، عليه أن يصاحب ذلك بمؤثرات، كالكلمة الطيبة واللين " ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك " الآية ، بل كما جاء أيضا في آية المستحقين للزكاة بإعطائها للمؤلفة قلوبهم و غير ذلك من الطرق المشروعة، فقد تكون الرواية من هذا القبيل .
وهكذا اقتحمتُ عالم الرواية، بعد أن بحثت عن الأدب حيث يعسر تحصيله إلى أن وجدت من أرشدني ولم يضن علي بتجربته ، فصارت من برنامجي اليومي تزاحم باقي العلوم .
-
أنيس...
التعليقات
شكرا مرة اخرى لطرحك الأمين.
حقاً تستحق التقدير على هذا المجهود الرائع والكبير
موضوع جميل جداً استمتعت به
ننتظر منك المزيد من الابداع
اتمنى لك السعاده والتوفيق..
اعجبتني طريقتك في الشرح و التنقل بين الافكار بسلاسة و مرونة ..موفق
بالتوفيق في كتاباتك القادمة :)