لا شك انك تابعت أفلام هوليود الحالمة أو التي تروي السير الذاتية لمن نجح و سطع نجمه، و أكيد انه شد انتباهك ذاك الذي يرتدي البدلة الأنيقة، و الذي يطرق أبواب العمل قبل جميع الموظفين، ذاك الذي يجلس خلف المكتب ذو الخلفية الزجاجية الجميلة و هو يصدر الأوامر و النصائح و التوجيهات و هو في قمة الحرص على نجاح المؤسسة و رقيها .
في لغة الغرب ذاك المدير و المسير و النبراس الذي ينير الطريق ، من ينطفئ أو من يتم إطفائه فقط لحظة الفشل، بل قد ينتحر من الحزن و الأسى و الخجل من الظهور أمام الأهل و الرفاق و التاريخ في ثوب الفاشل.
إلى هنا لا يبدو التعريف غريبا لرجل تكفل بإدارة الرجال و إدرار المال و السيطرة على السوق خدمة للوطن و المواطن ، و بحثا عن المكانة في التاريخ ، فتجده كثير الإبداع و لا يعمل إلا صحيح الأشياء، كما انه لا يطبق إلا الأفكار الجادة و النافعة ، ليصل في النهاية لصناعة أبطال يرقون بالمؤسسة إلى أفاق عالية ، أما الاتصال معه فتجده عادة ما يستخدم أسلوب الزميل إلى الزميل.
و يقابله في عالمنا العربي بعض الخلائق تلبس نفس اللباس الأنيق، و تجلس في نفس المجلس الواسع، نادرا ما تكون الخلفية الزجاجية بنفس القدر من الجمال ، تقول فيسمع لها و تأمر فقد تلقى التنفيذ ، و يكون المصدر في غالب الأحيان..ما أريكم إلا ما أرى .فلا تراه إلا قابعا في مكتبه صانعا منه ملكيته الخاصة ، فلا يراه الموظفون ، و لا العمال لأنه الذي يستكثر فيهم مقابلته ، فتراه يستخدم أسلوب الرئيس و المرؤوس ، لا يشعرك أبدا أنك تشارك لا في القرار و لا في طريقة العمل ، فجل القرارات تكون في صالح الفئة المتمتعة بالحصانة نضير الخدمات التي تقدمها ، من وشاية ، و نميمة ، وعرقلة الصالح العام للمؤسسة .
ذاك الذي لا يواجه المشاكل أبدا قصد حلها، بل فقط يهرب من الحقيقة أملا ألا تصل الأصداء للوصاية ، و هو في قمة الحرص أن يعلم مديره العام أن كل شيء على ما يرام ، لذلك تجده يمضي السنوات الطوال دون إحداث أي تغيير أو تحقيق أية وثبة .
هو ذاك الذي يتحالف مع محيطه العفن لأجل وضع المتاريس و العقبات في طريق كل طموح ساع لتقديم الخدمة ، كما لا يشجع التكوين و لا مواصلة الدراسة ، فلا يجهد أبدا لجلب تربص أو تكوين أو دورة تأهيلية ، بل يستحق و بكل جدارة لقب سارق الأحلام و الطموحات ، و احد أسباب هجرة الكفاءات أو تخندقهم ، ليخرج هو في نهاية المطاف من الباب الخلفي تماما كما كان يفعل أيام المجد .
هو ذاك الذي لا يفرق بين العدل و المساواة، ففي أحسن الأحوال تجده غير قادر على نعت الفاسد بالبنان، و إنصاف الصالح المصلح و تشجيعه، أو على الأقل حمايته من أهل الفساد.
عموما هو الذي ستقتص منه الخلائق يوم القيامة لأنه ظلم هذا ، و أكل حق هذا ، و ضرب عرض الحائط بطلب تحويل هذا و طموح الأخر، و كسر خاطر هذا، أيضا هو الذي ينساه الجميع في أول لحظة بعد الرحيل ، فلا تكاد تجد أحدا يسال عنه أو من يذكره بخير، و لا أيام الأعياد و الأفراح .
هكذا فقط ندرك الفرق بين المدير القائد صانع النهضة، و بين القابع خلف المكتب ينتظر أخبار الوشاة، لتحرير الاستفسارات و تدوين العقوبات.
طبعا لا تزال فئة مخلصة قادرة على تقديم أضعاف ما يقدمه صاحب البدلة الأنيقة في أفلام الغرب ، هؤلاء عادة ما يجدون الحلول خدمة للمجتمع و الناس ، و يقدمون المشاريع و يكافئون بالطرد أو العقوبات أو التهجير أو السعي للدفع بهم لقبول حياة القطيع ، و انتظار نهاية الشهر........ و يوم صب الأجور.
محمد بن سنوسي
08-10-2018
-
بن سنوسي محمدمدون حر اطرح افكاري و اسعى للمشاركة في اصلاح المجتمع