بائعة الحب - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

بائعة الحب

« قصة نغم »

  نشر في 03 مارس 2019 .

 بائعة الحب

 « قصة نغم  »

 

في غفلة منها سارع إلي مقبض الباب الذي استبقته إليه وكانت علي وشك الرحيل, لكنه منعها تلك المرة. الشاب حزين لدرجة جعلت الكلمات تتحجر في حلقه, هو لا يتسول منها الحب ولا يريد أن يجبرها عليه لكنه أراد فرصة... فقط الفرصة. أراد أن يغمر ظلمة قلبها نورا بعد أن اقترب منها واكتشفها عن قرب, حاول مرارا وتكرارا أن يقنعها بأنه قادرعلي إزاحة الستار الأسود عن عينيها وأن يزرع في قلبها أملا جديدا بأن لكل ليل قمر حتي ذلك الذي بأعماقها; لكنها تهرب كالعادة ومن جديد.

في تلك الثواني المسروقة في غفلة من الزمن عادا بالأذهان إلي نحو سنة ونصف قد مضت في سكون واستسلام. ذات يوم همت مسرعة نحو هاتف المنزل لتجيب وإذا بشاب يقدم لها نفسه ويطلب منها بحكم عمله تحديد موعدا لمقابلة عمل قد تم قبول ترشيحها له. ذهبت بفرحة عارمة إلي مكتب الشاب في الموعد المحدد وأثني عليها انضباطها ووصولها تماما في الوقت المتفق عليه, تبادلا أطراف الحديث وإذا به يريد أن يعرف عنها المزيد فكان يسأل وهي تجيب, ولكنها كانت دوما متحفظة عند بعض النقاط ما لاقي احترام الشاب وليس فقط اهتمامه.

بعد فترة وجيزة بدأت اللقاءات والاتصالات بينهما تتكاثف بحكم المهمة المخولة إليه وهي تدريب الكوادر الشابة عمليا, وكانت تقبل مرة وترفض أو تؤجل مرة لانشغالها بالانضمام إلي المحاضرات والندوات النظرية. بسب حرصها علي العمل الجديد وهو يمثل لها فرصة للنجاح وإثبات الذات اهتدت الشابة إلي فكرة عقد حلقات نقاش مع المشاركين في ورش التدريب العملي وذلك لتدوين مستجدات الأمور وتبادل المعلومات فما كان من الموظف الشاب إلا أنه من فترة لأخري يأتي لحضور الحلقات والالتقاء بالشابة والتعرف عليها. كانت الندوات شيقة للغاية وثرية ليس فقط معلوماتيا وإنما أيضا إنسانيا بسبب هذا الكم المنوع من المشاركين في التدريب من جنسيات وديانات وقوميات أخري. استمرت اللقاءات والمحاضرات لنحو ستة أشهر إلي أن مدير المركز والمسؤول الأول عن فكرة تدريب كوادر شابة لتفعيل مشروع الاندماج المسؤولة عنه وزارة الاندماج والهجرة الألمانية تحديد موعدا للقاء المتدربين وبحث نتائج الاختبارات النظرية التي أدوها في الفترة الأخيرة, وأيضا بحث شكوي أحد المتدربين. لم يلق الموعد أي ترحيبا من جانب الشابة لأنها تعلم مسبقا بأمر الشكوي التي تقدم بها المتدرب وأنها ليست إلا مجرد مكيدة لباقي المشاركين الذين آثروا الندوات النظرية علي التدريب العملي. كان الموعد بمثابة فرض واضطرت نغم للذهاب وفوجئت بالموظف الشاب جالسا بجانب رئيس العمل, والذي رحب بها بكلمات رقيقة وقدمها كأحد أنشط المتدربين بل وصاحبة فكرة حلقات الندوات الأسبوعية مع المشاركين في التدريب, فشكرته وجلست إلي جانب باقي الحضور فما كان منه إلا أن هم بالجلوس إلي جانبها مما أثار حفيظة الشابة وتوترها في نفس الوقت الذي كان هو فيه من يدير الحوار.

انتقلت الشابة بعد انتهاء فترة الراحة إلي مقعد آخر ولكنها لاحظت أن الشاب أثناء اللقاء كان يطيل النظر إليها وكثيرا ما يشرد بذهنه بعيدا، فإذا ما نظرت إليه ووجدته شاردا كان ينتفض ليعود إلي أوراقه ويقرأ منها ويستكمل الحديث. كانت نغم تتمتع بملكة الثبات الانفعالي ولم تلق للأمر بالا وإن كانت لاحظته فعمدت إلي تجاهله وعدم تحليله أو حتي تفسيره. ظلت تتحدث وتستطرد فيما يخص تداعيات شكوي أحد المتدربين والمتعلقة بإهمال الجانب العملي للمشروع فدافعت وبقوة عن نفسها والآخرين واستغرق الأمر ما يقارب الساعة وهي تحكي وتبرهن... توضح وتشرح, والشاب بدوره ينظر إليها بإعجاب وهي ترتعش تارة وتتهرب من عيونه تارة أخرى.

انتهي اللقاء وهمت بالرحيل ولكنه أصرعلي توديعها طالبا السماح له بالإتصال, فوافقت ثم رحلت. بعد عدة أيام اتصل بها الشاب ولم تجبه, وكرر اتصالاته مرارا ولكنها لم تجب وكانت تتهرب من الشاب إذا ما اتصل بها. ذات يوم وهي عائدة إلى منزلها بعد يوم عمل طويل وشاق كانت الشابة في طريقها للمنزل وكان الجو ممطرا وهي لم تلق للمطر بالا، فكثيرا ما استغلت الطقس فرصة للتخلص من دموع لطالما خبأتها عن الأنظار, فتحت المطر لن يلحظ المارة الفارق بين حباته ودموع عينيها. كانت تهوي النظر إلي الأرض وكأنها تتحسس خطواتها وتلوم عليها:

 لما أنا هنا؟

ولماذا أنا بالتحديد؟

وإلي متي سأظل بمفردي؟

فجأة استوقفتها يدا تمسك بذراعها فرفعت رأسها لتري الشاب واقفا أمامها يحمل مظلة في يده, كان الشاب الوسيم مندهشا من كونها تسير تحت المطر بدون مظلة وانحني نحوها متسائلا:

أتبكين؟

ولكنها أجابته بالنفي وأنكرت ما أزرفته عيونها وأصرت أنها لا تبكي, فابتسم الشاب الأنيق ذو المعطف الأسود وهو يسحبها نحوه تحت المظلة ويقول لها أصبحت أعرفك جيدا, ستنكرين ما تراه عيني كما تهربين مما شكاه قلبي.

فانتفضت الشابة وعادت إلي الخلف لتبقي عنه بعيدة وكانت خطواتها أسرع من دقات قلبها واحمرت وجنتيها. أخرجت منديلا لتجفف وجهها وبدأت تسأله كيف كان يومه في العمل وإلي أين سيذهب في عطلته القادمة. لكنه لم يتجاهل ردة فعلها وشرح لها أنه أراد فقط أن تحتمي من المطر أسفل مظلته وأنه لم يقصد أبدا إزعاجها. وأضاف أن القرب منه ليس مزعجا إلي ذلك الحد الذي يجعلها تنتفض وتبتعد فلا جدوي من الهروب. كانت نغم بالفعل تتهرب من الشاب ومن الحديث معه, هي لاتزل غير مستقرة عاطفيا ولا مزاجيا وليست مستعدة لأي مخاطرة جديدة بل أنها لا تنوي المخاطرة. همت بالانصراف علي وعد بلقاء, فأجابها أنه يرضي فقط بأن تجيب علي اتصالاته وأنه ليس طامعا فيما هو أكثر من ذلك.   

ورحلت فعاود الاتصال بها وكانت تتهرب منه تارة وتجيبه تارة أخري فتجتهد أن تجعل الحديث لا يخرج عن مجراه الطبيعي والمهمة المسندة للشاب, إلي أن تحدد موعد عمل وكان الشاب قد عزم علي الحضور إليه وكان بمثابة داعما لها وكان حضوره بالنسبة لها بمثابة صمام الأمان الذي سيهديها الطمأنينة طيلة الموعد. لكنها ولسبب يعود إلي نزاعات وتعند في الرأي أصابها التوتر وعلت حدة التوتر بالمكان الأمر الذي جعله يشفق عليها ويشير إليها بتوخي الحذر والتزام الهدوء وما أن انتهي اللقاء حتي سارع نحوها ليهدئ من روعها ولكنها استأذنت بالرحيل كونها مجهدة وأنها تحتاج إلي بعض الهدوء, اتجهت نحو الباب وأسرعت بمغادرة المكان دون إلقاء التحية وهو تابعها بنظراته وهي لم تلتفت إليه.

بعد عدة أيام كان عليها الالتقاء بالشاب مرة أخري ولكونها مريضة قرر أن يأتي إلي منزلها لتدوين بعض المستجدات, حين وصل كانت في استقباله وكانت قد أعدت له الكثير من أصناف الطعام العربي وأعدت القهوة. اندهش الشاب من الاستقبال الحافل الذي جهزته الشابة وهي لا تزل مريضة, فأجابته بأنه يحل اليوم عليها ولأول مرة ضيفا عزيزا وأنها سعيدة بحضوره. طيلة اللقاء كان الشاب في حالة ذهول وتطرق الحديث إلي ديكور المنزل والروح العامة التي تسكن المكان, فقد كانت جدران المنزل لاتعكس إلا هدوء الشابة وألوان الديكورات تشبه روحها الهادئة, وأعرب لها أنه يشعر براحة غريبة منذ أن وصل إلي بيتها, فلم تندهش وأخبرته أنها من أعد واختار كل ماتراه عيناه, فكان ينظر إليها أكثر مما يتحدث وكانت نغم تتحين الفرص لإنهاء اللقاء ولكنها كانت تفشل دوما, وعرض عليها أن تعطيه فرصة ليكون صريحا معها وأنه يريد أن يعرفها بنفسه أكثر ولكنها رفضت بدبلوماسية في غير محلها واضطر حزينا أن يغادر منزلها.

بعد فترة ليست بقصيرة كان عليها تسليمه بعض الأوراق واتفقت معه علي الموعد المناسب وذهبت إلي مكتبه, وسلمته الأوراق وفي غفلة منها عن عيونه وهي تدون بعض البيانات صارحها بمشاعره وهو يعلم أنه ليست هناك أي فرصة أخري وأنه إن لم يفاجئها فلربما عليه أن يصمت إلي الأبد. بسرعة وكأنها تنقذ  قلبها من محاولة سرقة وضعت هاتفها الجوال فوق الأوراق, أمسكت بالقلم الذي سقط منها, سحبت حقيبتها من علي الكرسي المجاور, وضعت كل ما يخصها بسرعة البرق داخلها ونظرت إليه بابتسامة باهتة الملامح وقالت له:

حسنا, لقد انتهينا إذن وعلي وعد بلقاء قريب...

هو: تهربين مرة أخري؟ لماذا وإلي متي؟

هي: أهرب إلي حيث أستريح ويستريح عقلي, أهرب حيث أريد لأني لست قادرة بالفعل علي اتخاذ القرار...

هو: ماذا عليه أن يفعل؟

هي: تقصد من؟

هو: من اختطفتي قلبه...

 اتجهت نحو باب المكتب فاستبقها إلي المقبض فقال لها: ماذا علي أن أفعل؟ أجيبي...

هو: الذي شعر نحوك بشعور غريب ولأول مرة, الذي قاوم أحاسيسه تجاهك, الذي انتفض للقاءك أول مرة, الذي ترك قلبه عندك وغادر إلي حيث لا يدري ساعات هائما علي وجهه ولا يعلم لماذا انقلبت حياته فجأة رأسا على عقب, ما الذي عليه أن يفعله؟

تحجرت في عيونه الكلمات وهو ينتظر منها ردا ولكنها فضلت الصمت فاضطر أن يستطرد ووجدها فرصة لربما لن تعوض كونها لم تخرج من المكتب مسرعة ولم تستأذن بالرحيل بعد. فجأة قررت الخروج عن صمتها, هي بالفعل قوية ليس من بعيد ولكن فرضت عليها السنوات الأخيرة أن تكون قوية, تقاوم, تبتعد, تحارب, ترفض وتعند. أدركت أن عليها البقاء هذه المرة أيضا قوية وألا تفصح عما بداخلها لربما استطاعت أن تنتصر وتبقي علي ما هي عليه.

كانت تعلم منذ أول لقاء لهما أنه كان يوماً مثيرا للدهشة, لم يكن القدر فيه هو الطرف الثاني, بل هو منذ البدء الطرف الأول الذي يمسك بكافة خيوط القصة. أعتقدت أنه من الحماقة أن أقول أنني أحببتك من النظرة الأولى; لكني وبمرور الأيام وذبول الماضي شعرت أني تمنيتك حتي من قبل النظرة الأولى... تمنيتك حبا في حياة أخرى.

همست شفتيها بصوت باكي ومرتعش يو هس تحاول التشبث بالهروب والتظاهر بالقوة; ولكنها ضعيفة ونادمة:

سأبيع ذلك الحب  بقلب مرهق ومجبر...

هو: أحببتك!

هي: لا تخبرني...

هو: لا أخبرك؟ كيف؟ لماذا؟

هي: لا تقل لي أنك تحبني, فأنا مستاءة من الكلمة جدا ولم تعد تزهر بداخلي الفرح ولا تعزف لأذني السعادة ولا تراقص أمام عيناي الأشواق...

لا تخبرني كم تحبني فأنا من الحب لازلت متعبة, لا ترهقني بقصة حب تقضي علي ما تبقي بداخلي من علامات الحياة...

هو: أتبيعين حبي لكي اليوم؟

هي: ابتاعني الحب… ولن أشتريه.




   نشر في 03 مارس 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا