في العقود السابقة قبل إنتهاء القرن العشرين ، كانت الألعاب الترفيهية تختلف تمام الإختلاف عما نراه الآن ، لقد كانت ممتعة ، أو رما كانت تثير الفكر والإبتكار بعكس ما هو متداول في العصر الحالي من ألعاب تحوي مواد كئيبة ومثيرة للملل والاشمئزاز.

لقد كانت لعبة الشطرنج مثال لأكثر الألعاب الداعية للحماس والتخطيط ، ولقد اشتهرت مصر في هذا المجال منذ العهد الملكي إبان عهد الملك فاروق حيث إشتهرت مقاهي شانتي بحديقة الأزبكية ، ومقهى باب اللوق ومقهى عماد الدين بلعبة الشطرنج ، وازدهرت لعبة الشطرنج إبان العهد الناصري بشكل كبير لدرجة جعلتها ترتبط بالمناقشات السياسية واختيار الناخبين عام 1956، وقد تطورت لعبة الشطرنج بشكل كبير في منتصف التسعينات وأقيمت البطولات في شتى نوادي القاهرة منخاصة نادي الجزيرة ، حيث كانت تمنح الميداليات للفائزين ، بل وكان بعضهم يسافر لاحتراف الشطرنج في روسيا .

بعد اقتحام الانترنت لعالم التكنولوجيا واختراقه لعالم الميديا والأقمار الصناعية أصبحت لعبة الشطرنج تتلاشى وتتلاشى معها كثير من الألعاب الممتعة مثل الدومينو والكوتشينة والطاولة ، حيث تبدو تلك الألعاب في صورة جمعية رافضة للإنعزال ، أما الألعاب التكنولوجية فإنها لا تشترط المشاركة الجمعية .

بعد اختراع مارك للفيس بوك ، لم يعد هناك ثمة إبداع يلوح في الأفق ، فإن العالم أصبح يحملق ليلاً ونهاراًعلى الفيس بوك وتويتر .

إننا كجزء من العالم الكبير نؤمن إيمان كامل بأهمية السوشيال ميديا في زيادة الوعي لكل أفراد المجتمع ، وكذلك أهميتها الكبيرة في كشف فساد الحكام والسياسيين في كل دول العالم ، لكننا وبنفس هذا الإيمان بها ، فإننا نكفر بها في قيادة المجتمعات إلى طريق الرأسمالية الشرسة التي تتبنى نهجها وتقدسها الولايات المتحدة الأمريكية فالرأسمالية هي الصنم الأمريكي الذي يجلب الاموال ويستعمر البلاد ويذل العباد ، أمريكا التي لتي لم يخجل رئيسها أن يعلن بأن القدس عاصمة إسرائيل ، إن الرئيس ترامب يبيع لمن يدفع أكثر .

لقد انتصرت المادة في عالم الانترنت والفضائيات ، فقد اتجهت الجماعة البشرية إلى الإنطواء والميل للوحدة ، مما كان سبباً في زيادة حوادث الإنتحار وتضاعف الأمراض النفسية والجسدية بين الناس ، ولقد كان لغياب الألعاب الجماعية بين الناس تأثير كارثي ، فقد غابت القهوة السياسية واختفى المثقفين والقراء في العالم العربي ، مما نتج عنه أن احتلت أمريكا العقل العربي سياسياً وثقافياً واقتصادياً ، وذلك كأثر حتمي لتوغل الميديا الأمريكية وفرض هيمنتها بصفتها الأقوى من حيث الفكر والمادة ، حيث أننا لم نعد نمتلك هوية متفردة تميزنا سواء يدوياً أو تكنولوجياً .

إذا كنت تعتقد أن الألعاب الترفيهية شيء تافه ، فإنه من المؤكد إنك لا تعلم الكثير ولا تعرف كيف يمكن أن تتعلم السياسة من لعبة الدومينو ، وذلك بمجرد ذهابك إلى أحد المقاهي وجلوسك مع أحد الزبائن الذي يمكن أن يبدو لك عجوزاً وله نهج قديم ، لكنك لا تعرف أن هذا الرجل الكهل هو من شارك يوماً في ثورة متكاملة ، أو ربما ثورة فاشلة ، لكنه يمتلك خبرات واسعة ، هو فقط استخدم في الثورة المنشورات الورقية ونحن استخدمنا المنشورات الإلكترونية ، لكنه في حاجة إلى الحديث معك ، وأنت في حاجة للغستماع إليه ، ليس ليجبرك على أن تسير في نفس طريقه ، بل ليقص عليك أخطاؤه ويعترف لك بتقصيره ليشعر بالراحة ، وأنت أيضا تحتاج ذلك ليس لكي تندمه وتوبخه على أنه رجل ناصري يذوب في كاريزما الحاكم الملهم ، وأنه كان يصدق أن هناك ثورة مباركة عام 1952 ، بل لكي تعطي له بعض العذر وتتجنب أخطاؤه وتعرف جيداً أن خلط العاطفة بالسياسة يؤدي إلى نتائج كارثية ، وأن الزعماء السياسيين ليسوا إلا مجرد أشخاص عاديين ، ووظيفتهم هي خدمة الشعوب وليس إلقاء الخطب المؤثرة ، إن واجبهم هو وضع برامج للمشروعات النافعة وليس المشروعات التي تغرق الدولة بالديون .

إننا نحتاج إلى الألعاب الجماعية بنفس الحاجة إلى الألعاب الفردية الإلكترونية ، أننا نحتاج أن نتحد مع الأسرة والأصدقاء لممارسة لعبة ، مثلما نحتاج الفيس بوك