اللحظة الفارقة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

اللحظة الفارقة

حين تتغير الأشياء إلى النقيض

  نشر في 27 مارس 2020 .

حين تتحول الأشياء في لحظة، تنطلق المراكب، تعانق كرة قدم المرمي، يلامس الوتر عنق الكمان؛ هي اللحظة الفارقة، هي اللحظة التي تصنع حدثاً جديداً، تختل فيها كل الموازين وتخرج عن إطار التوقعات الضيِّق.

القشَة التي قَسمت ظهر البعير، هل تسائلنا في يوم عن حجمها وماهيتها تجئ هي في اللحظة الحاسمة لتفعل كل هذه الافاعيل؟ كان طوال وقتٍ مضى يتحمل إلى أن جاءت تلك اللحظة فأحدثت ما لم يتوقعه أحد فكان الفارق الذي غيّر مجرى الأحداث.

في إستطلاع أجرته مذيعة - كنت قد شاهدته بالصدفة - مع طفل ربما لم يبلغ السابعة بعد فسألته: هل تشتاق إلى أمك؟

فقال لها : لا .

ردت هي بإستغراب تمزجه بمرح من يحاور طفل : لا ؟!

ضحك الطفل..

ضحكت هي ...فبكى الطفل.

أكثر ما لفتني اللحظة التي تحولت فيها ضحكات الطفل الرنانة إلى دموع، ثوانٍ لم تتعدَ لمح البصر كانت الدموع قد غزت عينيه وفاضت على جنباتها، كان متماسكاٌ حتى قبل ضحكتها بقليل. إستغرابها أضحكه ولكن ضحكها أبكاهُ، هي سألت سؤالاً عابراُ وربما ساذجاً ولكن كيف كان وقعه؟ هل تعرف أين أمه ؟ هل تملك تفسيراً للتمويه الذي حاول أن يداري به إجابته الصادقة تلك، ثم لماذا بكى ؟ حين إستشعر وحشتها وشوقها الذي يخفق بين جوانبه ولم تكن بجانبه في تلك اللحظة، اللحظة الفارقة التي حولت ضحكته إلى بكاءٍ مرير وحزنٍ دافق.

ذات مرة و أنا أقرأ للشاعر الراحل سيف الدين الدسوقي إستوقفتني أبيات في قصيدته :

لما أخر مره شفتك

قبل ما أودع وأغادر

كنت حاسس إني خايف

إني متردد وحاااااير

داير أتصبر أمامك

داير أضحك ماني قادر

بس دموعك لما فاضت

ضيعت صبري الشويه

صِحت موعدنا الرسايل

وين رسايلك وين كتاباتك إليّ؟!

هي ذات الصورة الأولية التي بكى فيها الطفل اللحظة التي كانت بين التحمل والإنهيار اللحظة التي فقد فيها كليهما تماسكة وتحول إلى إنسانٍ آخر بشعورٍ جديد غير الأول ومنافٍ له، ويقولها صراحة :

" داير أتصبر أمامك، داير أضحك وماني قادر، بس دموعك لما فاضت ضيعت صبري الشوية"

أراد أن يتمثل الضحك في موقف الدموع أن يصنع مشهداً مغايراً للواقع، ظل متماسكاً حتى اللحظة الفارقة التيى تغيرت فيها الموازين و إختلت قوى التحمل فأمسى كائناً آخراً غير ذاك الذي كانه قبل ثواني... كل الحكاية بدأت بعد " بس دموعك لما فاضت..." لم يعد هناك صبر، لم يعد هناك تماسك كل شئ توقف عند تلك اللحظة وتحول وتبدل.

تأتي اللحظة الفارقة بعد كثيرٍ من التحمل والجلد، يظل إناء الصبر يحتوى اللحظة حيناً بعد آخر وتتواصل القطرات في سريانها ورودها إلى يمتلئ فيفض عند اللحظة الفارغة، حينها يمكن أن يفقد الإناء كثير من معينه، و كذا الحياة.


  • 3

   نشر في 27 مارس 2020 .

التعليقات

Ahlam منذ 4 سنة
يبان ليا أن طريقة كتابتك تجذب الشخص للقراءة لك أزكى التحيات
1
نزار عبدالله بشير
شكراً جزيلاً..أتمنى أن تجدي فيما أكتب ..ما يفيد أو يمتع

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا