التراث الثقافي والتنمية - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

التراث الثقافي والتنمية

منطقة الحسيمة نموذجا

  نشر في 28 ديسمبر 2021  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

مقدمـــــــــة:

لقد تزايد الاهتمام بالتنمية، في جميع دول العالم، على اختلاف مستويات تقدمها، فتظافرت الجهود لتحقيق أبعادها الثلاثة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية، وتعددت المداخل المقترحة للرفع من كفاءتها، وفي هذا الصدد برز التراث الثقافي بشقيه المادي واللامادي، كأداة ناجعة لتفعيلها، كونه عنصرا مهما يمكن استثماره في العملية التنموية، وتعتبر منطقة الحسيمة، من المناطق الغنية بالتراث الثقافي، خاصة التراث المادي منه، تراث يجمع بين المواقع الأثرية التاريخية، كالبنايات العسكرية والقصبات، وبين المآثر الدينية كالمساجد والأضرحة، تراث يمكن الانتفاع به إذا ما أشرك في العملية التنموية التي تستهدف المنطقة.

فما هي أهم هذه المعالم الأثرية الموجودة بالمنطقة؟ وكيف يمكن استثمارها في العملية التنمية رغم الاكراهات والتحديات التي تحول دون ذلك؟

للإجابة عن هذه الإشكالية سنحاول جرد أهم المواقع الأثرية بالمنطقة مع محاولة تبيان أهمية التراث في العملية التنموية وفق التقسيم الآتي:

المحور الأول: مفهوم التراث والتنمية.

المحور الثاني: أهم المؤهلات الثقافية بالمنطقة.

المحور الثالث: التراث الثقافي والتنمية إكراهات وحلول.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحور الأول: مصطلحات المقال:

1- : مفهوم التراث الثقافي:

- لــــغـــــة:

جاء في لسان العرب مادة ( و ر ث)، "ورث فلان أباه يرثه وراثة وميراثا، ويقال: ورثت فلانا مالا أرثه ورثا وورثا إذا مات مورثك فصار ميراثه لك، وتقول: أورثه الشيء أبوه، وهم ورثة فلان، وورثه توريثا أي أدخله في ماله على ورثته، قال ابن سيده: والورث والتراث والميراث: ما ورث" ، إذن فالتراث في معناه اللغوي هو كل ما خلفه شخص أو جماعة لشخص أو جماعة أخرى، تأتي من بعده، سواء كان هذا التراث ماديا أم غير مادي.

- اصـــطــلاحـــا:

التراث الثقافي هو كل ما خلفه السلف من آثار علمية وأدبية، سواء أكانت مادية كالكتب والآثار وغيرها، أم لامادية كالعادات والطقوس والتقاليد ويمكن تقسيمه إلى فئتين رئيسيتين:

التراث المادي: وهو التراث غير القابل للتجديد، ويتجسد في المعالم والمباني الأثرية والتاريخية أو ذات البعد الثقافي والهندسة المعمارية والمشاهد الطبيعية، ومن ذلك "المواقع والمعالم والمنشآت المعمارية أيا كانت طبيعتها وخاصة المعمار الجهوي والمحلي المتميز وأعمال النحت والرسم المعماري وعناصر أو هياكل ذات طابع أثري ( النقوش والرسوم الصخرية والمغارات والمدافن... )، والبنايات ذات الطابع العسكري ( الحصون والأسوار...) المنشآت ذات الطابع المدني (القناطر وقنوات الماء والأحواض والحدائق التاريخية والمخازن) المنشآت ذات الطابع الديني أو المقدس وأماكن العبادة التابعة أو غير التابعة لنظام أملاك الأحباس والمواقع ذات الطابع الصناعي (المعامل والمصانع والمناجم) .

التراث اللامادي: "هو مجموع الممارسات والتمثلات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات، وكذا الأدوات والقطع والمصنوعات والفضاءات الثقافية المرتبطة بها التي تعتبرها الجماعات والمجموعات والأفراد، المنتمون إلى المجال المغربي في حدوده الطبيعية، جزء من تراثهم الثقافي، ويشمل هذا التراث، كلا من اللغة والأدب والموسيقى والغناء والحكاية والرقص والاحتفالات وباقي الفنون وكذا الألعاب والأساطير والطقوس والعادات والممارسات والمهارات والمعرفة المتوارثة للحرف التقليدية والهندسة المعمارية وفن الطبخ والإنتاج، وكذا تخزين المنتوجات والطب والصيدلة التقليدية" .

ويعتبر كلاً من التراثين المادي وغير المادي جزء لا يتجزأ من المشاهد الثقافية الناتجة عن التفاعل بين الطبيعة والبشر، فالمشاهد الثقافية منطقة تترجم بشكل واضح العلاقة التي يمكن أن تنشئها المجتمعات البشرية مع البيئة الطبيعية.

2- مفهوم التنمية:

عرف مجلس منظمة الأغذية والزراعة عام 1988 التنمية بأنها " إدارة قاعدة الموارد

الطبيعية وصيانتها ، وتوجيه التغيرات التكنولوجية والمؤسسية بطريقة تضمن تلبية الاحتياجات البشرية للأجيال الحالية والمقبلة بصورة مستمرة ، فهذه التنمية المستدامة التي تحافظ على (الأراضي) والمياه والنبات والموارد الوراثية (الحيوانية) حتى لا يحدث تدهور في البيئة ، وتكون ملائمة من الناحية التكنولوجية وسليمة من الناحية الاقتصادية ، ومقبولة من الناحية الاجتماعية. وعرفها مجلس حكومات استراليا عام 1992 بأنها هي " استخدام موارد المجتمع وصيانتها وتعزيزها حتى يمكن المحافظة على العمليات الايكولوجية التي تعتمد عليها الحياة وحتى يمكن النهوض بنوعية الحياة الشاملة الآن وفي المستقبل "

وتدور التعاريف الاخرى في فلك هذين التعريفين وبهذا يمكن القول بان التنمية تعني الاستخدام العقلاني للموارد الطبيعية (هواء ، ماء ، أرض) وما ينتج عنها من بيئات طبيعية (نباتية وحيوانية) ، ومصطلح عقلاني يعني عدم الاضرار أو الاتلاف القصدي وغير القصدي بهذه الموارد، وتضاف إلى الموارد الطبيعية، الآثار والبقايا التاريخية.

- المحور الثاني: أهم المؤهلات الثقافية بالمنطقة

1- المواقع الأثرية:

تعتبر منطقة الحسيمة من المناطق الغنية بتراث ثقافي وتاريخي مهم، حيث يوجد بها أكثر من 50 موقعا أثريا وتاريخيا وهذه المواقع كانت في الغالب منشآت لعبت أدوارا طلائعية في صناعة الأحداث التاريخية عبر مختلف الأزمنة بالمنطقة، وسنقتصر هنا على ذكر بعض هذه المواقع الأثرية التي نرى أنها مواقع يمكن استثمارها في العملية التنموية بالمنطقة.

قلعة المزمة

 "مدينة المزمة الأثرية"

ارتبط وجود المزمة بمرسى جزيرة النكور الذي كان يشكل محطة محورية ليس فقط للإبحار في اتجاه الأندلس بل وكذلك للسفر في خط بحري مباشر نحو مدينة سبتة ومنها إلى أزيلة ثم إلى السوس الأقصى ، وهذا المرسى شكل عبر قرون خلت مكانا تلاحقت فيه حضارات المتوسط بمختلف تلاوينها وتعدد مشاربها، يقول أحمد الطاهري عن المنطقة بأنها تعتبر "منارة للسالكين في الحوض الغربي للمتوسط مقابل منارة الإسكندرية في الحوض الشرقي، وقد تركت بصماتها في أوثق المصادر التاريخية والإغريقية المتداولة في كبريات جامعات العالم، وفي مسالك أنطوان الشهيرة"، وزادت أهمية مدينة النكور في بداية القرن الثاني الهجري عندما بنيت واعتبرت من الحواضر التجارية التابعة لها، ويعتبر كتاب "المغرب" لآبي عبد الله البكري من المؤلفات الأولى التي أشارت إليها خلال إمارة صالح بن منصور الحميري، من دون تحديد صفتها أو مستواها العمراني، ويعتقد صاحب الكتاب أن "المزمة "استقبلت في هذه الفترة مزيدا من السكان بسبب توفرها على أنشطة مختلفة.

وتجدر الإشارة إلى أن بناء مدينة المزمة التاريخية، جاء نتيجة للتوسع الذي عرفته إمارة النكور نهاية القرن السابع الميلادي، على يد صالح بن منصور، توسع دفعه إلى بناء مدينة مينائية لاستقبال القوافل التجارية القادمة من مختلف مناطق المغرب باتجاه أوروبا، خاصة إيطاليا الأندلس وفرنسا.

وفي فترة حكم الموحدين سنة 539هـ، ستعرف المزمة توسيعا في بنائها تعويضا لمدينة النكور بعد الدمار الذي تعرضت له على أيدي المرابطين، وبعد هذا التوسيع، فإن المدينة كما وصفها كل من محمد الناصر الموحدي، والإدريسي في نزهته، كانت قرية عامرة ومرسى للمراكب التي كانت تفد على المنطقة للتجارة، إذ كانت المنفذ الوحيد لتصدير محصول سهل النكور إلى بادس والأندلس.

 مدينة بادس الأثرية

تعتبر مدينة بادس من المدن القديمة بمنطقة الريف، بنيت على ساحل البحر المتوسط بجوار جزيرة بادس ويسميها الإسبان فيليس دولا كوميرا Velez de Lagomara، يقول بعض المؤرخين أن الأفارقة هم من أسسها، ويقول أخرون أن بناءها تم على يد القوط.

وتستقطب هذه المعلمة الفريدة من نوعها، العديد من الباحثين والمستكشفين والزوار المغاربة والأجانب الذين يتوافدون على الموقع لاكتشاف سحر وجمالية هذه الجوهرة الأثرية وخصوصياتها الفريدة والمتنوعة.

ومن أجل تمكينه من الاضطلاع بالأدوار المنوطة به في مجال التنمية المستدامة، خضع هذا الموقع الأثري لعملية تهيئة وترميم واسعة النطاق بين شهري يونيو 2018 ويوليوز 2020 ، ضمن برنامج التنمية المجالية “الحسيمة منارة المتوسط”، همت ترميم البوابة الرئيسية للموقع، وتهيئة وترميم الجزئين الجنوبي والشمالي من الجدار المحيط بالمدينة.

يذكر ليون الإفريقي، الذي كان معاصرا لهذه الحقبة، في كتابه وصف إفريقيا، أنها كانت من المدن المزدهرة حيث كانت تضم زهاء 600 كانون (أسرة)... وفي داخل المدينة سوق يضم العديد من الدكاكين وجامع متوسط الكبر ، وحسب امحند بن علال فإنه من غير المستبعد أن تكون المدينة من تأسيس الفينيقيين أو الرومانيين وأن المسلمين قد جددوا بناءها أثناء دخول الإسلام كباقي المدن المغربية الساحلية . وبمجرد سقوط جزيرة بادس بيد الاستعمار الإسباني نهائيا سنة 1564 م، اندثرت المعالم الحضارية للمدينة ولم يبق منها إلا السور الذي بناه الموحدون .

 قصبة سنادة

تعتبر قصبة سنادة الواقعة بجماعة سنادة التي تبعد عن مدينة الحسيمة بحوالي 37 كيلومتر، بالقرب من مصب وادي بني يطفت، من المعالم السياحية البارزة بإقليم الحسيمة ومنطقة الريف عموما، وقد اختلفت الدراسات حول التاريخ الحقيقي لهذه القصبة وهذا الاختلاف راجع إلى ندرة النصوص التاريخية، حيث نجد بعض المصادر تؤكد أن هذه القصبة يعود تاريخها إلى سنة 1702م، شيدها السعديون لمباغتة الجنود الإسبان ومنعهم من الخروج إلى البر لتزويد حامياتهم بالأقوات، ووجود هذه القصبة في العهد السعدي ينفي ما يدعيه بعض الكتاب الأجانب من أنها من القصبات التي أمر السلطان مولاي إسماعيل ببنائها، والأرجح أن ما أوردته بعض المصادر المغربية التي تشير إلى سنة 1702م هي السنة التي أمر فيها المذكور بترميمها وإقامة حامية عسكرية بها، ومهما يكن تاريخها، فإن هذه القصبة لعبت دورا مهما في الأحداث التي عرفها المغرب في عهد الدولة السعدية .

قلعة صنهاجة

 قلعة صنهاجة أو "طوريس"

على بعد حوالي 50 كيلومترا عن مدينة الحسيمة، بقبيلة بني بوفراح، تتواجد “قلعة صنهاجة”، أو “قلعة طوريس”، وهي بناية شيدها البرتغاليون خلال الغزو الأيبيري للمنطقة، ويرجعها باحثون للقرن الخامس عشرَ، تعتبر من أبرز الوجهات السياحية بالريف، حيث يقصدها الزوار المغاربة والأجانب على حدّ سواء، وتقع قلعة صنهاجة فوق تلّ، على ارتفاع حوالي 91 متراً عن سطح البحر، ما جعلها في السابق، نقطة إستراتيجيةً، للمراقبة، حيث يوفر الوقوف بها، مجال رؤية واسعٍ، على مستوى الشاطئ والبحر، إضافة إلى البرّ، الشيء الذي منح البرتغاليين وبعدهم الإسبان، فرصة البقاء على يقظة دائمةً من أي خطر قد يهددهما.

أصبحت القلعة من الأماكن والمأثر السياحية المهمة بمدينة الحسيمة التي يتوافد عليها العديد من السياح للاكتشاف أبراجها، وبالتالي فهي معلمة أثرية مهمة تشكل دعامة قوية في التعريف بمجال المنطقة قديما يمكن استثمارها في النهوض بتنمية المنطقة .

خضعت قلعة "طوريس" السياحية مؤخرا بالحسيمة، لمشروع ترميم بشراكة مع الاتحاد الأوربي، وهذا الترميم والتثمين سيعود بالنفع عليها وعلى الساكنة وبالتالي سيساهم بشكل كبير في التنمية الاجتماعية.

قلعة أربعاء تاوريرت

 قلعة أربعاء تاوريرت

قلعة أربعاء تاوريرت كما يصطلح عليها أهل المنطقة ب "fisina tazggwaght" التي تبعد عن مدينة الحسيمة بحوالي 40 كلم شيدت سنة 1943م على يد الكولونيل الاسباني "ايميليو بلانكو انساكا" ، وتقع هذه البناية فوق إحدى التلال المتاخمة لنهر النكور، تـُمكـٌن الشخص الذي يصعد إلى أعلاها من رؤية أقصى مكان على ضِفتيْ الوادي، و هي عبارة عن قلعة إقطاعية، ومخزن جماعي للحبوب وزريبة لجمع الحيوانات أيام الحرب، و برج متين يستحيل الدخول إليه.

كانت أيام الاستعمار تـُسمى ب "فوسينا" أي المكتب حيث كانت فيها قيادة إدارية لقضاء أغراض الناس من وثائق و غيرها، وقد بنيت في هذا الموقع بالذات كي تضبط حركة السكان بالريف خاصة بين قبائل كزناية وبني توزين وايث ورياغل، وبنيت قرب سوق أربعاء تاوريرت الذي كان يعتبر أكبر سوق في تلك الفترة في منطقة الريف أجمع، وهذه البناية في شكلها العام عبارة عن قصبة صغيرة تشبه القصبات المتواجدة في جنوب المغرب، لها برج واحد رئيسي يتكون من ثلاث طبقات إضافة إلى الطابق الأرضي، ولها ثلاثة أبراج أخرى، أما طريقة بناء سقف هذه البناية فإنها طريقة فريدة من نوعها وذات هندسة عالية فقد تم وضع القصب في مكان ″أكفير″ وحائطها يبلغ 50 سنتيما وبنيت بالإسمنت والاجور والحجر وبخبرة عالية، لأنها بنيت من طرف مهندس معماري خاص والذي عمد إلى وضع مدفأة في كل غرفة ويبلغ عدد الغرف الإجمالي في هذه القلعة 99 غرفة، في حين يبقى بناء الباب الداخلي من أجور مجوف ثلاثي العيون، في ما يخص طلاء الأسوار لونه أحمر خشن، مكون من الرمل والحصى الدقيق والجير إضافة إلى الإسمنت. وبعد عملية التهيئة والترميم، التي استفادت منها هذه المعلمة في السنتين الماضيتين، تحولت هذه القلعة التاريخية إلى صرح معماري فريد بعدما عانت دهرا من مجموعة من العوامل الطبيعية والبشرية، لاسيما الزلزال الذي ضرب الحسيمة سنة 2004 وأحدث بها أضرارا كبيرة على جميع المستويات .

2- المعالم الدينية:

تتميز منطقة الحسيمة بوفرة المعالم الدينية، وهذه المعالم تتوزع على مختلف المداشر والقرى التابعة لها، وهي معالم تجمع بين المساجد، والأضرحة، والكنائس، معالم يمكن استثمارها من أجل النهوض بتنمية المنطقة، خاصة في جانبها السياحي، ومن هذه المعالم ما يأتي:

 مسجد مسطاسة

يعتبر مسجد مسطاسة بحق مؤسسة علمية فكرية تاريخية ، وأحد أبرز المعالم الدينية بالمنطقة، والذي يختزل قيما كبيرة في تاريخ المنطقة، حيث يعود تاريخ تشييده الى عهد السلطان ابي الحسن المريني اي ما يعادل ثمانية قرون من الزمن، وقد كان يشكل مركزا علميا للعديد من العلماء البارزين في تاريخ الفكر الإسلامي بالمغرب الأقصى، وللمسجد رمزيةٌ كبيرة مجسدةٌ في الطريقة التي شُيّد بها، وهندسته المعماريةِ المميّزةِ، خاصة على مستوى "الأرقام"، الظاهرة في عدد أعمدته، وأروقته، ورموزه، والتي تشكل لغزاً يجلب العديد من المهتمين بالبحث التاريخي، ومن ضمن الأشياء التي تلفت انتباه أي زائرٍ لمسجد “مسطاسة”، أبوابه الكثيرة، غير المعتادة في مبانٍ بجمه الصغير، وهي باب المدخل الرئيسي، وباب من جهة المئذنة، وبويبة صغيرة تؤدي إلى البيت الموجود وسط المئذنة، إلى جانب باب تصل المئذنة بالمسجد، والبويبة الصغيرة المتواجدة على يمين المحراب الأصلي، وباب النساء .

 ضريح سيدي بوخيار

يقع ضريح سيدي بوخيار في قمة "جبل حمام" على علو 1948 متر، على تراب الجماعة القروية شقران بإقليم الحسيمة، على بعد أربعة كيلومترات من دوار "رمعذن" وهو عبارة عن بناء من الحجر والتراب مستطيل الشكل وبدون سقف، كما أنه يفتقر إلى أي نوع من التزيين والزخرفة ويجاوره في جهة الغرب مسجد صغير يسمى أيضا "مسجد سيدي بوخيار" ويفصل بينهما فضاء مفتوح يطلق عليه اسم سوق الصالحين، وفي الأعلى قليلا ناحية الشمال الغربي توجد قمة جبل حمام عند النفقة المسماة "ثمرابظت" حيث دفنت ولية أنثى "رالة يامنة".

يقام للولي الصالح سيدي بوخيار موسم سنوي شهير وبالتحديد في يوم عرفة أي قبل عيد الأضحى بيوم واحد وفي هذا الموسم تكثر الزيارات على الولي وتقدم الذبائح فيتسع الحضور إلى شكل سوق سنوي والمريدين يقصدونه بنية أداء الحج والعمرة حيث يعتبر في المعتقد الشعبي بالريف أن من زار ثلاثة مواسم سيدي بوخيار وطاف ورمى الحجرات كمن ذهب في عمرة إلى مكة المكرمة.


ضريح أبي يعقوب الباديسي

يعتبر ضريح أبي يعقوب البادسي من بين أهم الأضرحة بالريف وهو يتواجد بالمنتزه الوطني للحسيمة بالقرب من شاطئ بادس، و اسمه الحقيقي يوسف بن عبد الله الزهلي والملقب بأبي يعقوب البادسي (640 هـ - 734 هـ)، كان يوسف مهتما بتدريس الأطفال ورعاية الأيتام و الاهتمام بالمعاقين، و حسب ما جاء في دليل المنتزه الوطني للحسيمة أن ساكنة بادس كانت تعتبر يوسف أمينا و شخصا مباركا ( مقدسا ) الشيء الذي جعل الساكنة تستأمنه على الأشياء الثمينة التي يمتلكونها خلال الحروب و النزاعات.

 كنيسة سان خوسي

تعتبر كنيسة سان خوسي بالحسيمة من أقدم المنشأة المتواجدة بالريف، وهي المعلمة الكاثوليكية الوحيدة التي تركها المستعمر داخل المدينة وهي من أبرز التحف التاريخية التي تحمل معها ذكريات حقب مرت وأجيال ذهبت، إذ تمثل معلمة الكاثوليكيين بالحسيمة ونواحيها، وتستقطب العديد من الزوار من كل الأجناس المعتنقين لدين المسيحية، إذ تقام طقوس الصلاة كل يوم أحد في منتصف الزوال.

شيدت هذه الكنيسة أواخر العشرينات من القرن الماضي وتنفرد هذه المعلمة بجمال خلاب عن باقي الكنائس المتواجدة بالريف، إذ تتكون من أربعة أدوار أساسية تنقسم بين مطعم وغرفة لاستقبال الضيوف ومكان للمبيت والكنيسة حيث تجرى طقوس الصلاة، والتي تضم مذابح القديسين ولوحات فنية تحكي عن قصة المسيح ومريم، إلى جانب تماثيل تجسد مقدسات الكاثوليكيين. وتقع كنيسة سان خوسي في وسط المدينة بجانب مدرسة محمد الخامس.

المحور الثالث: التراث الثقافي والتنمية إكراهات وحلول:

1- دور التراث في العملية التنموية:

إن التراث الثقافي مادة استراتيجية، أي أنها إن فقدت فلن تتجدد، مثلها مثل بعض الموارد الطبيعية، لذل فإن فقدان التراث الثقافي، يعني فقدان الذاكرة، ويعني إفقارا اقتصاديا حقيقيا لذلك البلد الذي يفقده، [...] أما من الجانب الاقتصادي فلا شك في أن دور التراث الثقافي في جلب السياح دور مهم، فالسياحة، خاصة في بلدان شمال أفريقيا، هي السياحة الثقافية، والتراث الثقافي هو ما يجلب السياح الأجانب إلى هذه المناطق .

لذلك فإن الحفاظ على المؤهلات الثقافية للمنطقة، خاصة ما يتعلق بالمآثر التاريخية التي ذكرناها سالفا، من خلال ترميها والتعريف بها وطنيا وعالميا، يعني المساهمة في تنمية هذه المنطقة، وتحسين ظروفها الاقتصادية، وهذا ما لا يتم القيام به للأسف، فرغم كل هذه المؤهلات الثقافية العريقة للمنطقة والتي يمكن أن تكون رافعة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية إذا ما تم تثمينها وتعزيز الحفاظ عليها والتعريف بها، لم يتم إدراج هذا التراث الثقافي في مشاريع التنمية السياحية بل اقتصر الأمر على تعزيز وتقوية السياحة الشاطئية.

2- إكراهات استثمار التراث في عملية التنمية:

لعل من بين الإكراهات التي تحول دون استثمار المؤهلات الثقافية في العملية التنموية ما يأتي:

- أن معظم مواقع ومكونات التراث الثقافي للمنطقة موجودة بالعالم القروي، ونحن نعلم مدى صعوبة الوصول إلى هذه المناطق.

- غياب استراتيجية وطنية تعمل على الاهتمام بالموروث الثقافي للمنطقة، وتبقى المحاولات الفردية سيدة الموقف.

- غياب مؤسسات محلية تعنى بالتراث الثقافي، خاصة المادي منه.

- عدم اشراك التراث الثقافي في عملية التخطيط التنموي الخاصة بالمنطقة.

- اكتفاء القائمين على الشأن السياحي بالمنطقة على الساحة الشاطئية.

- غياب دور الإعلام الوطني في عملية التعريف بالمآثر التاريخية للمنطقة.

3- مقترحات عملية من أجل استثمار التراث الثقافي لأغراض تنموية.

إن أي محاولة لاستثمار التراث الثقافي في العملية التنموية، خاصة ما يتعلق بالجانب السياحي، ستعترضها تحديات وعوائق قد تحول دون تحقق هذا الاستثمار، إلا أن الأخذ بالمقترحات الآتية قد يحقق ذلك:

- تنمية السياحة القروية التي لن يتأتى تنفيذها إلا بتنفيذ مشاريع تشمل فك العزلة عن القرى والبوادي وتوفير الطرق والمسالك وشبكات الماء والكهرباء ومرافق الخدمات الصحية وإغناء المعطيات السياحية وإبراز المعالم الأثرية والتاريخية وإدماج النشاط السياحي ضمن النسيج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للقرى في إطار تنمية شاملة مندمجة ومتدرجة مع مراعات خصوصياتها الثقافية والاجتماعية.

- وضع استراتيجية متكاملة تحقق الاستغلال الأمثل لهذه المكونات من خلال نظم إدارة محكمة تشجع القائمين على الحماية وتعظيم فوائدها الاقتصادية، وبالتالي تحويل إدارة التراث الأثري من عبء إلى عائد يساهم في خلق فرص الشغل، ويحقق الشعور بالهوية الوطنية، ويضيف عائدات مباشرة وغير مباشرة للاقتصاد الوطني.

- تشجيع فرص الاستثمار الخاص القائمة على حماية التراث الأثري وتوظيفه لأغراض السياحة الثقافية.

- إعداد خطط لإدارة السياحة الثقافية كجزء من إدارة التراث الأثري تساعد في دعم دور المجتمعات المحلية.

- إيجاد منظومة متكاملة لعملية المتابعة الدقيقة لبرنامج توظيف التراث الأثري للسياحة الثقافية.

- بناء القدرات المحلية في مجال السياحة الثقافية المعتمدة على مكونات التراث الأثري.

- إشراك الساكنة المحلية في عملية التخطيط والصيانة للمواقع الأثرية والتاريخية بشكل أكبر لخلق شعور وطني بأهمية دور السكان في التنمية المحلية.

- منع التجاوز على المواقع الاثرية والحفاظ على الابنية و المواقع الاثرية القديمة وصيانتها

- ربط التطوير والتنمية السياحية بالمكون الثقافي وخصوصا بالمواقع التاريخية والأثرية بغرض تسهيل زيارتها و تنشيط السياحة فيها.

- جرد كل مكونات الثقافية وتوفير خرائط سياحية متكاملة تحدد عليها المواقع الاثرية لتسهيل زيارة السياح اليها و اختيار المساحات التي تبنى عليها المشاريع المستقبلية بعيدا عن هذه المواقع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خاتمة:

تتميز منطقة الحسيمة بمؤهلات ثقافية مهمة، خاصة ما يتعلق بالجانب المادي منها، وقد أوردنا مجموعة من هذه المؤهلات في هذا العرض، مؤهلات يمكن استثمارها في العملية التنموية من أجل النهوض بالمنطقة في مختلف المستويات، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، استثمار لا يمكن أن يتم إلا في ظل وجود عناية رسمية تعمل على الحفاظ على هذا الموروث التاريخي المهم، وتدمجه في كل محاولة تنموية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لائحة المصادر والمراجع

1. الطاهري أحمد، إمارة بنو صالح في مدينة النكور، الأصول التاريخية بواكير النمو الحضاري والعمراني بالمغرب الإسلامي .

2. الطيبي عبد الرحمان "الريف قبل الحماية"، قبائل ساحل الريف الأوسط 1860\1912، منشورات تيفراز، مطبعة النجاح الجديدة.

3. الحسن بن محمد الوزان، الملقب بليون الإفريقي، وصف إفريقيا، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، الطبعة الثانية، دار الغرب الاسلامي.

4. الفيكيكي جمال، الحسيمة... مؤهلات سياحية وقطب اقتصادي جذاب، الموقع الالكتروني لجريدة الصباح المغربية، 2017.

5. دافيد مونتكميري هارت: آيث ورياغر قبيلة من الريف المغربي - دراسة اثنوغرافية وتاريخية-، ترجمة : محمد أونيا / عبد المجيد عزوزي / عبد الحميد الرايس، الناشر : جمعية صوت الديمقراطيين المغاربة في هولندا، الطبعة الثانية، سنة: 2016.

6. علاش صباح ، التراث الثقافي المادي بجهة سوس ماسة درعة.

7. عنوري شفيق، "مسجد مسطاسة".. معلمة تاريخية بعمر ثمانيةِ قرونٍ تنشُدُ الالتفاتةَ "العاجلة"، جريدة بناصا الالكترونية، الثلاثاء 20 أكتوبر 2020.

8. مجلة حوليات الريف رقم 2، مجلة مغربية تاريخية ثقافية شاملة العدد الثاني، السنة 1420\1999.

9. جمال عليان، الحفاظ على التراث الثقافي، نحو مدرسة عربية للحفاظ على التراث الثقافي وإدارته، مجلة عالم المعرفة، 322، ديسمبر 2005م.

10. مذكرة تقديم مشروع قانون يتعلق بحماية التراث الثقافي والمحافظة عليه، وزارة الثقافة، ص 9 https://bit.ly/3H27wTM

11. https://bit.ly/3H27wTM

12. https://bit.ly/3mnYicC


بمساعدة الطالبين الباحثين:

- فؤاد أعروص

- شاكر الشكيوي


  • 1

   نشر في 28 ديسمبر 2021  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا