تصارعت المشاعر مع الواقع فوق صخوره وعلي طول مداه ، وتسارعت الخطوات تحتضن مياه النيل برفق ، يحفها الحنين مع سيل من الرقة والدلال وتمايل الحبيبة ، المنبع تقابل مع المصب وكتبوا أجمل قصة عشق خالدة سوف تعيش وتحكي عبر الأزمان ، قلوب توافقت علي الإستمتاع بالحياة وإغتنام ما قدمه القدر ، تجمع الأحباب خارج أوطانهم وبدأت الحكاية بقهر المستحيل ورفض التسليم بما تفرضه الظروف والمعطيات رغم إختلاف الألوان والأجناس ، حب توعد العادات والتقاليد وجعل العقل لأول مرة ينصت إلي نداء القلوب ، عيون كانت كالبحار ومياه النيل في أوج فيضانها من الهيام ، تعاهدوا علي البناء والتقدم للأمام وجعل الحلم حقيقة ، كانت الأشواق سباقة في المواعيد ، لقاء خالي من الظنون ، الورود كانت أكبر الهدايا في العلاقات ، أحضان بعدما مل الخصام من الدهر وإزدياد العثرات ، همسات غنت أعذب الألحان توافقا مع صدق التعبيرات ، تاج السعادة إرتسم علي الجبهات ، وهدأت النار مع القبلات ، وأيادي إقشعرت من السلام وتركت الأثر وكثرت العلامات ، وأرض سررت بملامسة أقدام الأحباب حتي ولو في المنحدرات ، أماكن إستقبلت أنفاس الحبيبين وسجلت الذكريات ، حتي رحيق العطور لم يبرح المكان من النسمات ، عاطفة كانت أعمق من الشهوات ، خوف إنزوي أمام صرخة الحب ولوعة الآهات ، مال إنكسر أمام رغبة الحبيبين ، رغم بعد المسافات سحر مياه النيل وحدت الثقافات وغرست الأحاسيس في الأفئدة كالإحتلال ، الوضع كان مثل قصص الخيال ، نسوا رفض الأهل وتعنتهم بسبب إختلاف الأديان رغم ما يبذله الحبيب في سبيل التوحيد ، الفرح تحول إلي شجن وهددت الحبيبة بالموت علي صدر الحبيب ، كنت قبل ذلك في الضياع وأخيرا ولدت من جديد علي قرار ، دعوني في فضاء حبي أسبح وأحيا ، فحياتي بدونه ممات ، صبرت علي الآثام وجاءتني البشري بالحبيب ، فوافقوا علي إستحياء ، تلاقت عظمة الأجداد مع عظمة الملوك في الوفاء وكلمة العدل سواء ، وحماية ونصرة دين وليد من بطش الكافرين وأيديهم ، وكانت الهجرة الأولي للمضطهدين بعيدا عن المعتدين ، حضارات علي النيل شاهدة علي النهضة والعلو في البنيان ، خيط رفيع يشق الصحاري والوديان والبحيرات وجبال علي شاطئيه كالحراس الأوفياء ، عرائس النيل بعثت من جديد وعادت الأساطير في القرن الجديد ، الكلمات كانت تخترق الوجدان وتستقر في الأذهان ، وصف الحبيبة لا يكفيه الصفحات ولا المجلدات ، عزمنا الفكر وماضون في كتابة التاريخ رغم الصعاب ، شعاع الشمس علي المياه كالسهم يخترق الأجساد ، ويأتي وجه الحبيبة كالقمر ليضيف السحر والروعة في الظلمات ، لا بد من الرجوع لبلادنا لتكتمل الحكاية ونسطر الأشواق والمعجزات علي ضفاف النيل ، منطقتنا غاية في السحر والجمال ، أراضينا لم تشهد يوما تشققا ولا حرمانا ، سلال غلال الأرض كانت وما زالت شاهدة علي التاريخ والنماء ، جزر تحاكت وتهادت بين المياه ، سفينة الحب لا توقفها مطبات الحياة ، رياح الظلم مصيرها إلي فناء وزوال لا رجوع له ، النفاق هرب من المشهد ودهس تحت الأقدام وصار بالقاع ، فحتي الأرواح تحسها واحدة مع خفة دم مشتركة ، وإبتسامة قطعت النيل من شماله إلي جنوبه تبحث عن الأمان ، نصف الأمل بحث عن نصفه الآخر ، يشد بعضه البعض ويقف في وجه الطوفان ، صدمات الحب تكتسح الأوطان وتقرب الأحباب ، مياه النيل رمز الحرية والسفر والإنطلاق عبر آلات الزمن ، فهي ليست كغيرها من المياه فهي تقبل الشكوي وتساعد في جعل المصير مشترك ومتاح وكسر جدران الصمت وخلع أثواب الذل والعبودية ، لا نلتف لمريض عقلي أخطأ في الحسابات مع شركاه ، وبدل المبادىء في سبيل التثبيت وشراء النفوس ، خاب وخسر من حجب أو أضاع مياه النيل من السريان ، تقصير متعمد وجب عليه العقاب ، يا نيل جئت من هضبة الحبشة بلد المياه (الحبيبة) وبحيرة فيكتوريا الغالية في فرعين للنيل هما النيل الأزرق والنيل الأبيض ، وقطعت الأميال والبلدان مرورا بالسودان الشقيق بلد الثائرين الأوفياء وتوحد النيلين في الخرطوم ثم أصبح نيل واحد وإكتملت رحلته في مصر بلد (الحبيب) ، كتب العقد وبدأت الليالي الملاح الكل فرح حتي النيل كان شاهدا علي الكتاب ، جفت دموع الأحبة التي ذرفت أكيال من الأحزان وتبخرت عند اللقاء ، وتناثرث الضحكات والصيحات بالحب في الآفاق ، يا له من عالم يكمل الفرحة بالأبناء دعاة المستقبل الأمناء ، يلهو الحب ويمرح بين الحدائق والبساتين والنباتات الناظرة ، لأول مرة تكتمل حكايات العشق بعد العذاب ، وتحت إرادة الحب تتحقق الآمال والتنبؤات ، خيال يكتب بأيدينا بعد كنا نظنه من المحال ، أبدع المؤرخين الأجانب في نسج قصص الحب المستحيلة في العالم وتناسوا قصة الحب الخالدة علي ضفاف النيل أصل الحضارة الإنسانية والذي قدسه الفراعنة وقدموا له القرابين ، قالوا عن نهر النيل أنه من أطول أنهار الدنيا وأحد أنهار الجنة ولما لا وأكثر من ثلثي مياهه تهوي شلالات من الأمطار علي هضبة الحبشة ، وحتي الحياة علي ضفاف النيل جنة الله سبحانه وتعالي في الأرض وذات مذاق وترياق خاص ، اللهم لا تحرمنا من النيل وخيراته وأهله الملتصقين به ، وإجعل سريانه حتي يوم الدين نعمة وفضل للعباد من رب العباد يارب العالمين ..................