مطر،مطر،مطر، عاودني الحنين من جديد إني أشم ريحك شاقا طريقه نحوي، بعد أن قطع كل تلك الدروب الوعرة .إنتفض جسمي مهللا فرحا بحلول ربيع قلبي بعد سبات شتاء قاس ،فتحت النافذة تسللت قطرات ماء على إستحياء، بللت مشاعري وإرتوت منها مضغتي فأنشدت عصافيري ترنيمة السلام، تبعثرت أوراقي المصفوفة فوق مكتبي الصغير وتبعثرت معها ، لم أحرك ساكنا، تركت للهواء حرية الظفر برقصة عابرة مع ماكنت أخطه إليك وإكتفيت أنا بمشاهدتهما يحومان حولي، مذكرين إياي بأولى رقصاتنا ذات مساء ممطر، لأدخل بعدها دوامة غيابك الذي دام طويلا.
ديسمبر 1946،عزيزي إسحاق تمر اليوم سنة كاملة منذ أن وصلتني رسالتك الأخيرة،كل الأشياء هنا تواطأت ضدنا، الجميع يخبرني بضرورة نسيانك والمضي قدما، الجميع دون إستثناء حتى صديقك المخلص كارلوس يصر على وجوب القيام بجنازة فخرية وإعلان الحداد ، كيف له أن يتجرأ على هكذا أمر كيف لقلبي أن يعلن الحداد على وفاتك وأنت تعيش بداخلي متقدا ولم تنطفئ ذكراك يوما، كيف لي أن أدفنك حيا، أن أئدك ، أن أميت جزئي المملوء بك بل أن انتهي ككل ياكلي، لاأزال أتكأ على حدسي القوي رغم هشاشته هذه المرة ، فهو ذات محنة أنبأني بأنك في خطر، وحينها أكدت لي الأمر عندما أخبرتني في رسالتك عن إصابتك بشظية صاروخ أطلقته قوات العدو على غفلة منكم، الآن حدسي فاتر يشعرني بالأمان والرهبة في آن واحد لاأريد تصديق أنك غادرتني لأنك لو فعلت لكنت لحقت بك ولكنا الآن معا روحا واحدة تعانق السماء ، إنتهت الحرب بعد أن أنهكتنا ، صرنا أشباحا تحوم دون هدف معين،قتلت المعارك الأخيرة كل شيء جميل كنا قد خبأناه ليوم ننال فيه حرية ولو عابرة، إمتلأت المستشفيات عن بكرة أبيها صار منظر الدم والأشلاء أمرا عاديا ، نتعايش معه وكأنه لوحة فنية أفسدت جمال المدينة، لا يمر يوم دون سقوط قتلى وجرحى، بالمناسبة لقد صرت ممرضة و أنا الآن أعمل في المشفى بدوام كامل، كان الأمر صعبا جدا في البداية ، كانت رؤية الجنود على تلك الحالة تبعث على الإكتئاب ، أتذكر أنني كنت أعود للبيت أغلق باب غرفتي ،أبكي ،لعلني أتجرد من كل تلك المشاعر المتضاربة بداخلي" شفقة قوة نشوة والأهم من كل ذلك حنين"، أحاول عبثا أن انتزعها مني، أو على الأقل أن أمزقها كي ينتهي عذابي، أن اعري أحاسيسي كي لاأشعر بشيء بعد ذلك، لكن دون جدوى.
يتبع .
-
سارةقلب مشع روح شفافة