إعتذار العالم - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

إعتذار العالم

ملامح لوجه لم يكتمل في الذاكرة...

  نشر في 25 يناير 2020 .

نزار عبدالله بشير

و أبحث عن عينيك في وجوه الناس، أصافح أوجه المارة واحداً تلو الآخر لعلني أعثر على عينيك؛ كأن شيئاً ما ضاع مني و لكني لا أتذكر ماهيته، أعرفه بيني و بين نفسي، إن رأيته قلبي لن يخطأه و لكن ما هو ...؟

عينيك...!!

أنت تعرف معنى أن يبحث أحدهم عن شئٍ نادرٍ و ثمين، شئ لا بديل له، أبحث في عيون العابرين من حولي عن عينيك ..لا أثر لك فيها ...

أنفقت ساعتين من عمري في تصفح المواقع الأدبية و أقرأ كل ما كتبه الآخرون في الأدب عن الجمال و الإشراق و الشوق؛ و كأنني أبحث عنكِ بين الأشعار و الجُمل، و لكن ليس ثمة بريق أو ضوء يوحي بوجود وجهك هنا، كل القصص مظلمة، كل الأشعار عادية، كل الكلمات متكررة معدومة المذاق، لكن لا بد أنكِ ي مكانٍ ما من هذا العالم، لا بُد أن خيالاً ما إصطادك بعد أن تحير في حضورك و غيابك المجهول عن حقيقة وجودك في العالم.

أنتِ فاتنة للحد الذي يعجز الخيال من أن يصل إلى مداك، كيف إستطاع خيالي المريض هذا دون خيالات المفكرين و العلماء و الشعراء أن يلتقط لك صورة و أنتِ تبتسمين؟ كيف حدث ذلك لا أعرف ...؟ و لكن المؤكد أنه منذ أن عرضها عليّ للمرة الأولى قرنها بالقلب مباشرةً حتى لا يعترض العقل و منذ تلك الحظة تخطيت أنتِ بداخلي حدود العقل و المعقول و المنطق و هو لم يجُدْ بك ثانية إلا طيفاً بعيداً عابراً لا تستطيع حتى أبعد التصورات في أن تحتفظ له بصورةٍ واضحة.

كل الذين أُصيبوا ( بجرثومة الشعر) و لوثته و ألّفوا المجلدات في الغزل؛ تنكروا لها حين رأوا إبتسامتك و إعترفوا بأنهم قد إكتشفوا معنى و تعريفاً جديداً للحب لم يصادفهم في كل الأوراق التي كُتبت منذ أن تعلم الإنسان الكتابة على سطح الورق و ما قبلها، ساحرة أنتِ تملكين شيئاً يجعل هذا العالم بكل ضجيجه و أحزانه بسيطاً هادئاً في حضورك، حين تحضرين تترتب الأشياء في قلبي و يأخذ كل شئٍ مكانه المعتاد، تتحقق العدالة بين جنبي روحي، و يصبح هذا الكون مسالماً لا حروب و لا خصام، الكل مشغول بالنظر إليكِ؛ لا أحد يملك الجرأة على أن يضيع وقتاً كهذا في الحروب و الإقتتال.

حدثني قلبي ذات مرةٍ و أنت تفرجين عن إبتسامةٍ أعادة هجرة الفراشات إلى أرض النيلين بعد جفاء :

” هي هدية الله إلى العالم، ليداوى بها قلوب المكلومين و المجروحين و المُفَارَقْين، جاءت كإعتذارٍ لطيف لكل الكوارث التي حدثت لهذا العالم منذ وعينا...

في حضورها يغيب كل شئ عدا ذكر الله - سبحان الخالق - الجميع في لحظة صمتٍ أبدي و كأن الكُل أُجبر على ممارسة تمارين التأمل في هذا التوقيت، بسيطة هي في حديثها في حركتها لا تشبه أحد و لا مثيل لها على وجه هذه البسيطة “...

تركت قلبي في نزاعاته هذه، و للمرة الأولى خالفت كل إستشاراته و قوانينه و إكتسح عقلي المُغَيّب سيّلٌ من الأسئلة :

- كيف إستطاع العالم على أن يتحد على شئ واحد و يتوافق و هو الذي يُصر على الخلاف في كل شئ؟

- كيف إستطاعت أن توحِد أذواق الجميع و تصبح محط أنظارهم؟

- حتى أنا الذي أدعي الفلسفة و الخروج عن المألوف و علاج التَعلُّق كنت أول المتعلقين؟

- ما هذا الذي أحدثتيه فيّ و في العالم ...؟

فكرةَ أن تأتين علي هيئة ضوءٍ لم تكن صائبة العام الماضي؛ لم أكن قادراً على إحتوائك وحدي، رأيتك تتقسمين بهاءاً على مدن العالم، تغازلك أعين المحبين، و أنا لا يرضيني سوى أن تكوني لي وحدي و كان الثمن أن يُطلم العالم أجمع. حاولي - بالله عليكِ - أن تقللي من هذا الجمال و هذا البهاء الخاطف - فنحن محدودي الشعور؛ من أين لنا بأحساسٍ يوازي كل هذا البذخ والترف في حُسنك؟ أدري أنها فكرة غبية؛ محاولة أن تستقبحي ذاتك و ليست واردة و لا ممكنة ..ليس لأنك لا تريدين ذلك؛ بل لأن ذلك ليس واقعاً و أن مجرد محاولة العبث بذاتك تزيد من معاناتنا أكثر و ربما زاد هذا الإشراق و متنا في لحظة شهقة و نحن نتأمل تقاسيم وجهك الوضئ.

حدثني قلبي مرة بأنك لي وحدي و أنه ليس من حق هذا العالم أن يشاركني النظر إليك و الهناء بمراقبة حركاتك و إبتسامتك المجنونة التي تسلبني لُبّي؛ و أنك يجب أن تكوني في حيزي و لو أُضطررتُ لإقامة حربٍ عالمية غير منتهية الأمد، راقني حديث قلبي ولكن ليس كُلّه بل جُله؛ ممتعة فكرة أن تستملك شئ يخصك وحدك، و الأكثر جنوناً أن تكوني أنتِ ذلك الشئ.. !! و أنا ككل الجشعين في هذا العالم الذين يحتكرون الأشياء لأنفسهم فقط أعجبتني الفكرة، و بينما أحاول أن أبحث عن طرق سليمة أنفذ بها رغبتي بأن تكوني لي وحدي، تفاجأت به قد قطع شوطاً كبيراً في أن يجعلك أحد أملاكه الخاصة و أول ما أبعدِك عنه كان أنا ...!!!

هذا المخادع شغلني بالعالم ليستأثر بِكِ وحده ...!

قلبي إستغفلني ليحتكرك دوني و دون كل العالم...

أنا أعاني منذ ذلك الحين في البحث عن ملامحك التي تفلت من الذاكرة كشئ لزج يصعب التمسك به لفترةٍ طويلة، فكيف حال بقية العلم...

الآن أمامكم جميعاً و أمام هذا العالم، أعلن إستسلامي التام أمام قلبي، فمن يراها منكم فليدلها على ذلك القلب فأنا قد خسرت.


  • 3

   نشر في 25 يناير 2020 .

التعليقات

سامي .. منذ 4 سنة
هنيئًا لهذه التي فتنتك أن يكون نصيبها منك هذا النص النثري الجميل.
وهنيئًا لنا ما سطره قلمك، فقد استمعتنا بما كتبت، أسلوب جميل، وصياغة متقنة، آمل لك التوفيق
0
نزار عبدالله بشير
شكراً جميلاً..هذا يمثل دعم كبير لي ..و أعتقد أن أعظم ما يقتنيه الكاتب أن تجد كلماته قبولاً عند الناس
ابو البراء منذ 4 سنة
راااااااااااااائع .. ابدعت استاذ نزار لا فض فوك
1
نزار عبدالله بشير
شاكر و مقدر..أتمنى أن تجد أحرفي القبول لديكم

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا