- مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

  نشر في 20 غشت 2019  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

رن الهاتف رنتين خفيفتين، إنها رسالة جديدة، ظنت أنها من شركة الاتصالات التي ترسل كل يوم عشرات الرسائل لعروضها فأجلت قراءة الرسالة وتابعت عملها.

بعد يومين رن الهاتف رنتين خفيفتين مجددًا ينذر بوصول رسالة جديدة، ألقت نظرة على المرسل، إنه رقم مجهول، فتحت الرسالة لتقرأ: العين تدمع والقلب حزين لفراقك يا محمد… علت وجهها علامات الحزن، ثم فجأة سالت من عينيها دموع ألم فضيع، وكأن قلبها ينزف دما مع كل دمعة.

عادت لتبحث في صندوق الرسائل فتذكرت رسائلا وصلتها لم تجب عنها وأخرى لم تقرأها، "الله يخليك اتصلي بي ضروري من فضلك."

هي تعلم أنها لم تكن ستحول دون موته، لكنها تبكي بحرقة لأنها تأخرت عن زيارته، لابد أنه انتظر طلتها، سؤالها عنه، ابتسامتها كلمة أو تشجيعا منها، لطالما كانت تؤنسه بوجودها، لكنها كانت تؤجل ذلك كل يوم، حتى فات الأوان…

لا يهم في الحقيقة إن كان والدها، أو أخاها، أو طفلا، أو مريضا، لم تكن لها أية علاقة قرابة به، المهم أنه كان ينتظرها.

الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، وها هو الزمن يقطع قلبها الحزين مجددا.

نعم، مجددا؛ لأنها ليست أول مرة يغدرها الزمن، وهي تعلم أنها لن تكون الأخيرة.

تذكرت كم كلمة أجلت، تذكرت عدد الزيارات التي كانت تنوي القيام بها وعدد الاتصالات التي كانت تود أن تجريها، تذكرت عدد الرسائل التي كانت تريد أن ترسلها وعدد الرسائل التي كانت تريد أن تجيب عنها.

تذكرت كم حلما لا يزال واقفا عند جدار الانتظار! وكم فكرة لا تزال حبيسة خيال! وكم اعترافًا بات تحت أنقاض الزمن! كم شكر! وكم اعتذار! وتذكرت تلك الفرص التي ضاعت فقط لأنها تأخرت في اتخاذ قرار.

كم صلاة أجلت وكم دعاء! كم توبة وكم استغفار!

هي اليوم تعلم فظاعة ذلك الإحساس، إحساس بأن الأوان قد فات، وبأن الأقدار قد قالت كلمتها بعد أن أعطتها فرصا للاستدراك، فكانت تتجاهلها بحجة ضيق الوقت أو التعب حينا، وأحيانا أخرى بحجة الخجل أو الخوف من المجهول، وأحيانا كثيرة بسبب الكسل والتسويف غير المبرر.

الأيام تمضي سريعا، تطوي بعضها البعض طيا، وفجأة ننتبه أن كل ما كان بين أيدينا سحب، نستشعر حينها أنه حقا كان بين أيدينا وفي متناولنا، لكنه ما عاد كذلك.

ترى؟ كم مرة انتبهنا إلى أولئك الواقفين في الجهة المقابلة لتأخرنا؟ أولئك الذين ينتظروننا عند نهاية الطريق.

من كان يا ترى ينتظر تلك الكلمة الطيبة التي كنت تؤجلها كل يوم؟ أهي أمك؟ زوجتك؟ لربما كانت لتغير مصير شخص أو أسرة بأكملها، ترى من كان ينتظر اتصالك بفارغ الصبر ودفن حيا تحت غبار الوحدة القاتلة؟ أهو والدك؟ جدك؟ أم صديق؟

ترى من كان ينتظر عناقا حارا منك؟ أهو ابنك؟ أخوك؟ أم جارك الذي كان بحاجة لوقوفك بجانبه في أشد أزماته النفسية؟

من ذا الذي كان ينتظر اعتذارك بعد خلاف؟ أهو خالك؟ عمك؟ ربما كان يشتاق إليك ويريد عودة المياه لمجاريها من جديد؟

لماذا لا ننتبه حتى نذوق ألم الفراق؟ لماذا نحب أن يذكرنا الموت بواجباتنا اتجاه بعضنا البعض؟ أربما لأنه يقطع علينا كل حبال أمل اللقاء؟ أم لأنه يعفينا من المواجهة؟ فنرسل كل الاعتذارات والدعوات بعيدا عبر القبور.

هل سألت نفسك يوما كم مرة أجلت توبة من معصية اقترفتها في حق نفسك؟ في حق الله؟ في حق خلق الله؟ كم مرة أجلت إقلاعك عن عادة سيئة؟ كم مرة واعدت نفسك أنك ستتغير يوما، فمرت السنين تتلو السنين ولاتزال عند خط البداية؟

ترى كم فكرة ندمت عن عدم طرحها في وقتها، حتى فات الأوان… ربما كانت لتنقذ مريضا، أو لتنقذ شركة على وشك الإفلاس، أو تجد حلا لقريب؟

هل سألت نفسك؟ كم حلما أجهضت بسبب الخوف والتسويف؟ فاتخذت له مكانا بين موتى القبور، كم فرصة عمل؟سفر، زواج؟ أو مشروعات ضاعت بين تفكير طويل ومعقد؟

كم مرة وصلت المسجد متأخرا، فوجدت أن المصلين قد خرجوا، فأحسست بأنه لو كانت الحسنات والرحمات أو الجنات تقسم حينها لكنت خارج نطاق الفائزين؟ كم مرة أردت مساعدة أحدهم وأجلت ذلك فسبقك إلى الخير غيرك؟

هي أشياء كثيرة وكثيرة تحدث معنا كل يوم وليلة، لكن حينما يسبقنا الزمن، وترفع الأقلام وتجف الصحف، حينها فقط ننتبه، أن الكسل والتعب وضيق الوقت ليست سوى سلاسل تكبلنا لتجعل من حياتنا ندما على كل تأخير.


  • 7

   نشر في 20 غشت 2019  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

Menna Mohamed منذ 5 سنة
معاكي حق مع الاسف شعوبنا العربية أساتذة في تضيع الوقت في ما لا يفيد اذكر هنا أن الله تعالي حدد كل عبادة بوقت معين لو لم يردها الإنسان بوقتها لضاع عليه الثواب و هذا دليل رباني و دعوة ربانية لاحترام الوقت لأن ديننا العظيم دين النظام و الالتزام و احترام الوقت و المواقيت يقول الحسن البصري" ما من يوم ينشق فجره الا و ينادي يا ابن ادم انا خلق جديد و علي عملك شهيد فتزود مني فاني اذا مضيت لا اعود الي يوم القيامة "
شكرا علي مقالك المميز موفقة خيتو
0
>>>>
إضافة قيمة و مؤصلة ... شكرا لك ... دام مدادك و فكرك الراقي أختي منة... لك مني كل التحية.
Menna Mohamed
تسلمي اختي زينب الله يحفظك و يوفقك حبيبتي تحياتي ،⁦♥️⁩
شاعر النيل منذ 5 سنة
عبرات الندم على ما فات
تلك هى الوجيعه التى تنغص علينا معايشنا
اتذكر يوما اننى تغافلت عن دراستى فسبقنى قرنائى فحزنت
ولكنى عدت الى ساحة التعلم من جديد حتى حققت ذاتى
واتذكر اننى فاتنى ان اكون فى قافلة اهل القرأن فانشغلت بهمى
واعاننى الله على ذلك حتى تداركت من انشغالى ما يعوضنى
ولمثال ذلك فى حياتنا الكثير
غاية القول هناك ما لا يدرك بفواته
آلامتنى معانيك
دام قولك و تحبيرك
1
>>>>
صحيح.... بالرغم من تأخرنا أحيانا يمكن تدارك الأمر ما استطعنا... لكن الأمر يختلف كما قلتم حين يتعلق الأمر بما لا يدرك... شكرا لحضورك الدائم. تحياتي لك
Fatma Alnoaimi منذ 5 سنة
حينما يسبقنا الزمن، وترفع الأقلام وتجف الصحف، حينها فقط ننتبه،
حقيقة موجعة
ولكن هذا مايحدث غالبا
سيدتي حرفك الأنيق يدهشني
كل نص أقرأه اعيش تفاصيله
اسلوبك يعجبني جدا.
كوني بخير دوما.
2
>>>>
نعم هذا ما يحدث غالبا للأسف. شكرا لكلماتك الجميلة. يشرفني أن تنال حروفي إعجابك. لك مني خالص الود عزيزتي.
Dallash منذ 5 سنة
"لقد تأخر كل شيء..تاخر الجميع...دقة المواعيد هراء, فمهما اسرعنا سنتاخر, فنواسي انفسنا: ليس بالضرورة ان نصل, اليس جمال الموعد هو الذي لا يبصر اللقاء؟!!"
دام المداد اختي
2
>>>>
نعم ربما نحاول أن نواسي أنفسنا فقط أنه ليس بالضرورة الوصول... و لكن ماذا لو كنا نحن من ننتظر؟ ألن يكون جميلا أن يصل من نحن في انتظاره قبل فوات الأوان؟ نقف على باب الانتظار طويلا... ثم نغادر و نحن نتلفت وراءنا لعله يصل.... و حينما نختفي ... نقول "ربما وصل في اللحظة التي غادرنا فيها".... سعيدة دائما بمرورك الطيب أخي ماهر
Dallash
لماذا لا ننتبه حتى نذوق ألم الفراق؟ لماذا نحب أن يذكرنا الموت بواجباتنا اتجاه بعضنا البعض؟ أربما لأنه يقطع علينا كل حبال أمل اللقاء؟ أم لأنه يعفينا من المواجهة؟ فنرسل كل الاعتذارات والدعوات بعيدا عبر القبور.عبارة جميلة وهنا اقول:
في بعض الأحيان , جعلت رفض الشغف محور حياتي , لكن يجب ألا تتخلى عن الشغف حتى و إن كنت لا تعيش من أجله , لأنه يبدو , بدلاً من قضاء الوقت في البحث عن الفروق السبعة في كل شيء , من الضروري أن تتشبث بالحياة , التي تحمل بذاتها هذا الشغف , لان الشغف هو موقف في وجه المعرفة أو يمكن أن يكون كذلك!!
Dallash
حفظك الله اختي الفاضلة
>>>>
إضافتك مهمة أخي ماهر... شكرا لحضورك الدائم
Dallash
على الرحب والسعة

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا