القصص القرآني و متوازياته التوراثية .
نشر في 08 مارس 2018 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
يسافر فراس السواح في هذا الكتاب البديع بقرائه في رحلة تاريخية بين دروب قصص الأديان و أساطيرها ، حيث اختار للرحلة مسارا ينطلق منسومر مرورا ببابل وصولا إلى الثوراة بأفساره القانونية و غير القونية ، انتهاءا بالقرآن الكريم و تفاسيره و شروحه ، في مركبة الرحلة التي اسمها "المنهج المقارن" ، إذ يعد الكتاب من أهم المراجع في علم الأديان المقارن ، خصوصا في مبحث قصص الكتب المقدسة للأديان التوحيدية .
يمكن أن نجمل أطروحة الكتاب في أنها: "بحث مقارن عن أصول القصص القرآني في كل من الثوراة و الميثولوجيا الشرق أوسطية ، إذ يوضح الكتاب أن معظم قصص و أساطير القرآن لها أصول بابلية أو سومرية أو سريانية أو إسرائيلية ، و هذا لا ينفي أنها وحي أم أنها خرافات ، بل إن أي دين ينشأ في أي سقع من أسقاع الأرض إلا و يتأثر بالحضور الثقافي لهذا السقع بما يحتويه من ذاكرة ميثولوجية و ترسبات القصص الأسطورية و الخوارق و الشخصيات المقدسة ، و في ذلك القرآن ليس استثناءا أو شذوذا عن القاعدة ، إذ لم يجد هذا الكتاب بداً من مسايرة و تصحيح و نقل ما جاء في الكتب التي سبقته و الشخصيات المقدسة التي تلاها الموحى إليه (النبي محمد) ، أي من استوثق له أمر النبوة بعد الأنبياء السابقين عليه الذي كان معظمهم إسرائليين" .
يستهل السواح الكتاب بمقدمة تعريفية للكاتبين المقدسين اليهودي و الإسلامي ، حيث يعتبر الثوراة الكتاب المقدس لشعب إسرائيل و الذي يتكون من أكثر من 10 أسفار وصلت في فترات زمانية إلى 39 ، و هي تحكي قصص و أحوال هذا الشعب مع الإله يهوه ، حيث دُوِّنَ الكتاب في فتراة متباعدة ، و الرأي الأكثر قبولا هو أن أسفار الثوراة دونت ما بين أواسط القرن الخامس إلى القرن الثاني قبل الميلاد ، على اعتبار أن كل الأسفار قد دونت بعد الرجوع من السبي (من بابل يعني) (ص 13-21) ، أما القرآن فيعتبر كلام الله الموحى إلى نبيه محمد عبر الملاك جبريل ، حيث امتدت مدة الوحي 22 سنة ، جمع بطريقة بدائية كتابةً في زمن النبي على الرقاع و عسف النخل و عظام الأكتاف ، و حفظ في بيت النبي ، و بعده جمعه صهره علي ابن أبي طالب و و تزامنا معه أو بعده باقي الصحابة و زوجات النبي ، إذ كل واحد منهم كان له مصحفه الذي يزيد و ينقص في محتواه عن باقي المصاحف ، و درءا لهذا الإختلاف ، قام الخليفة "عثمان ابن عفان" بجمع كل المصاحف و حرقها و أبقى على مصحف واحد فقط . إذ بهذا الحرق ضاعت الكثير من الآيات ، و التي هي الآن غير موجودة في المصحف العثماني المنتشر في مختلف الدول الإسلامية .
مثال ذلك أن مصحف "عبد الله ابن مسعود" يحتوي على 112 سورة بدل 114 الموجودة في مصحف عثمان ، حيث حذف المعوذتين (سورة الفلق و الناس) الذي أكد ابن مسعود أنهما أدعية كان يذكرهما النبي في صلاته و كان يعوذ بهما الحسن و الحسين و من اعتل من الصحابة و ليسا وحيا ، كما أن مصحف "أبي ان كعب" كان يحتوي على 116 سورة بدل 114 ، كما كانت تقول عائشة زوج محمد أن: "سورة الأحزاب كانت تقرأ زمن النبي (في) مئتي آية ، فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر عليه إلا ما هي عليه (أي 73 آية فقط ، بمعنى أن هناك 127 آية مفقودة من سورة الأحزاب لوحدها) ، كما روي عن عائشة أنها قالت: "كان فيما أنزل من القرآن ، عشر رضعات معلومات يحرمن " ، كما يروي عنها: "لقد نزلت آية الرجم ، و رضاع الكبير عشرا ، و لقد كانت في صحيفة تحت سريري ، و لما مات رسول الله تشاغلنا بموته فدخل داجن فأكلها" (27-38). هكذا فالثوراة يتكون من أسفار قانونية و غير قانونية ، أما القرآن فيتكون من عدة مصاحف غير أن السلطة أحرقت معظمهم و أبقت على مصحف منقوص واحد .
بعد ذلك يدخل السواح رأسا في المقارنة و يبدأ:
ابراهيم :
ولد ابراهيم بمدينة أور الكلدانية جنوب العراق ، غير أن أبوه المدعو "تارح" في الثوراة و "آزر" في القرآن قرر الإرتحال إلى بلاد كنعان ، هو و ولديه ابراهيم و ناحور ، و زوجتيهما ساراي و مِلكة ، و لوط ابن ابنه الثالث المتوفى المدعو هاران ، لكن أبوه توفي في الطريق (في حران بسوريا) ، فخاطب الإله ابراهيم و أمره بأن يتوجه إلى أرض سيجعل له الله فيها بنينا كثر و بركة عظيمة (التكوين:12:1-5) ، فنفذ ابراهيم الأمر و ارتحل إلى أرض كنعان مرفوقا بزوجته ساراي (عاقر) و لوط ابن أخيه ، تاركا أخاه ناحور بسوريا (ص39) ، و عندما وصل ابراهيم إلى كنعان قال له الرب: "لنسلك أعطي هذه الأرض" ، فقدم ابراهيم لله قربانا شاكرا إياه على هذه النعمة ، حيث عاش هناك بشكل مستقر إلى أن حل بكنعان جفاف عظيم ، لم يجد معه ابراهيم بدا من الإنتقال إلى مصر ، حيث كانت زوجته ساراي جميلة جدا ، فاتفق مع من ذهب معه أن يقولوا للمصريين أن ساراي أخته لا زوجته ، تجنبا للقتل ، حيث رآها الفرعون و أعجب بها و ضمها إلى حريمه ، و أغدق بسببها على ابراهيم بثروة عظيمة من بقر و غنم و عبيد و جمال ، غير أن فرعون اكتشف أن ساراي زوجة ابراهيم ، فردها له و أخرجهم من مصر دون رد الجمال و العبيد من ابراهيم .
بعدها سيعود ابراهيم و ابن أخيه لوط إلى كنعان متأثلين ثروة عظيمة ، فاختصما حول الرعي و الماشية ، فافترقا حيث مكث لوط بجوار نهر الأردن شرقا في مدينة سدوم ، و استقر ابراهيم في مدينة حبرون (الخليل) جنوب فلسطين . غير أن لوط سينتذبه الله لهدي أهل هذه المدينة ففشل في هديهم ، فأرسل الله 3 ملائكة لتدميرها ، غير أن قبل تنفيذ هذه المهمة سيذهب هؤلاء الملائكة إلى ابراهيم لتنبيئه بأن الله سيرزقه ولدا من زوجته ساراي بعد عقور مديد (التكوين:13) .
في القرآن جاء: "وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ ۖ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۚ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ (73) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۖ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ۖ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ(76) [هود].
هكذا تتكرر القصة في القرآن بحذافرها ، إلا في تفاصيل قليلة ، فالقرآن يخبر بأن أب ابراهيم اسمه "آزر" و كان مشركا ، فدعاه ابنه إلى ترك عبادة الأوثان و أنها شيء غير مقدسة و لا تنفع ، {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42)} [مريم] ، فصد عنه أبوه و دعاه إلى أن يهجره { قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} [مريم: 46] ، ثم ضجر ابراهيم فتهور و دخل إلى معبد الأوثان و أزرى بها: "قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَىٰ ذَٰلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَن فَعَلَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59)." [الأنبياء] . و قد جاءت هذه القصة في كتاب إسرائيلي اسمه "اليوبيليات" ، لكن فيها ابراهيم لا يحطم تماثيل الأوثان بل يُحرقها (ص42).
بعد ذلك يقابل فراس الروايتين في جدولين متقابلين ، يستنتج منهما بالواضح أن ما ذكر في التوراة نسخ و ألصق في القرآن ، الإختلاف فقط في الصياغة اللغوية.
لوط :
بعد مرور الملائكة على ابراهيم سيتجهون إلى مدينة سدوم ، كي يدمروها (التكوين14 :5-13) ، و عندما وصلوا قام من مجلسه لوط لاستقبالهما ، حيث أصابه من حضورهما توجس و خوف كبير ، و ما إن دخلا إلى بيت لوط حتى حاصر أهل سدوم البيت فدعوا لوط إلى إخراج ضيوفه كي ينكحهم أهل المدينة ، فمنعهم لوط غير أنهم هددوه بنكاحه هو أيضا إذا لم يخرج ضيوفه سريعا . ثم أدخلا الملاكان لوط إلى بيته ، و أما الرجال الذين بباب البيت فقد ضربهما الملكان بالعمى فلم يجدوا الباب ، فدعى الملكان لوطا إلى الخروج من المدينة مصحوبا ببناته ، لأنهم سيهلكونها ، و ذلك ما حصل و أكمل الله الدمار بأن أسقط كبريتا و نارا على المدينة ، كما أن امرأة لوط لم تطعه و تخرج معه و نتيجة لذلك شوهها عذاب الله و مسخت إلى عمود ملح (التكوين19 :1-26).
تأتي القصة في القرآن متطابقة ، و مفصلة شيء ما : جاء في سورة هود: "وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ۚ قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)".
تتحدث سورة الحجر من الآية 61 إلى 74 ، و العنكبوت من الآية 28 إلى 34 ، و النمل من الآية 54 إلى 58 على نفس القصة و بتفاصيل لا تخرج عن الرواية التوراثية .
اسماعيل و إسحاق :
مر معنا ذكر أن زوجة ابراهيم ساراي كانت عاقرا ، و عندما ارتحل إلى مصر و رجع إلى الخليل عادت مع ساراي جارية مصرية اسمها "هاجر" ، و عندما قنط الزوجين من عدم الإرتزاق بطفل ، انشرح صدر ساراي و اقترحت على ابراهيم الدخول على جاريتها ، و ذلك ما حصل فحملت هاجر ، غير أنها أصبحت تتصرف بطريقة استعلائية اتجاه مولاتها ساراي ، فضجرت ساراي و أذلت جاريتها ، فهربت هاجر و تاهت في البرية ، غير أن ملاكا وجدها تائهة فنصحها بالرجوع إلى سيدتها لأنها لن تقدر على حياة البرية و هي حُبلى ، كما بشرها باسم ولدها "اسماعيل" (التكوين 16).
كما بشر الإله ساراي بإنجاب إسحاق بعد أن طعنت في السن هي و ابراهيم الذي بلغ من العمر 100 سنة عندما ولد اسحاق (التكوين21 :1-5) ، و عندما أصبح لابراهيم ولدين ، نكصت ساراي عن حب درتها و ابنها اسماعيل و لم تقبل أن يرث مع ابنها اسحاق ، فدعت ابراهيم لطردهما ، فنفذ بمباركة إلهية ، فمنح ابراهيم لهاجر خبزا و قربة ماء و صرفهما من حيث يعيش هو و سراي ، فتاهت هاجر في برية بئر سبع ، و عندما انقضت مؤونتهما جاع و عطش ابراهيم و هو طفل صغير و بكت معه أمه ، فسمعهما الإله ، فنادى ملاك هاجر إلى الكف عن البكاء لأن الله سيجعل لهما خيرا ، فأمرها بالقيام و أبصرها بئرا فأسرعت إليه و سقت ابنها و ملئت القربة ، فكان الله مع الغلام و عاش في البرية و زوجته أمه بسيدة مصرية (التكوين21 : 1-21) .
و حدث بعد ذلك أن امتحن الله ابراهيم ، فدعاه إلى الإتيان بابنه اسحاق إلى محرقة و ذبحه ، و ذلك ما استجاب له ابراهيم ، غير و أن هو يحمل السكين لذبح ابنه ، ناداه ملاك الرب بالكف ، فرفع ابراهيم عينه فوجد كبشا ممسك في الغابة بقرنيه ، فذهب ابراهيم و أصعده محرقة عوضا عن ابنه و ذبحه ، و نادى ملاك الرب ابراهيم ثانية من السماء و قال له على لسان الله ، أباركك مباركة و أُكَثِّر نسلك كنجوم السماء ، و يتباك في نسلك جميع أمم الأرض من أجل أنك سمعت قولي (التكوين22 : 1-18) .
أما الرواية القرآنية فقد جاءت مقتضبة حيث قفزت على تفاصيل المناوشات بين زوجة ابراهيم و جاريتها و قالت :"الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ" (ابراهيم:39) ، أما في حادث إبعاد هاجر إلى الصحراء فقد جاء: "رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ" (ابراهيم37) ، يضيف السواح هنا تفسيرا لعبد الله ابن عباس للآيات السابقة يطابق ما جاء في الثوراة ، أي إسكان ابراهيم من ذريته اسماعيل و أمه هاجر .
فيما يخص القربان البشري الذي كان سيقدمه ابراهيم للإله فإن القرآن جعله اسماعيل و ليس اسحاق ، فقد جاء في القرآن: "وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَفَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ" (الصافات:110). هكذا فإن الآيات لا تذكر لا اسماعيل و لا اسحاق غير أن ورود الآية "وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ" (الصافات112)، تفيد بأن اسحاق لم يكن موجودا آنذاك أصلا كي يضحى به ، و هو ما يوضح أن اسماعيل كان هو الذبيح المنقوذ لا أخوه .
بالإضافة إلى ذلك يختلف القرآن في تحديد موطن عيش اسماعيل حيث حدده في الحجاز ، عكس الثوراة التي قالت أن البرية التي تاه و عاش فيها اسماعيل هي صحراء جنوب فلسطين ، إذ إن تغيير القرآن لهذه المنطقة له غاية و هي التي تسند قصة بناء ابراهيم للبيت الحرام بمساعدة ابنه اسماعيل حيث يفيد القرآن: " وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (البقرة127). عدى ذلك فإن الرواية القرآنية تتطابق مع متوازيتها في الثوراة.
يوسف:
أفرد القرآن لقصة يوسف حيزا كبيرا ، بل سورة خاصة و قَصَّهَا بتفاصيلها التوراثية ، جاء في سفر التكوين(37 :1-11) أن حلم يوسف حلما يركع له فيه الشمس و القمر و أحد عشر كوكبا ، فنصحه أبوه بعدم قص رأياه على خوته ، و في القرآن ذُكر: "إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (يوسف:5) . بعد أن وصل خبر حلمه إلى إخوته اغتاضوا منه ، فاتفقوا على قتله و نصحهم أحدهم برميه في بئر (جب) ، و ذبحوا تيس (عنزة) و لطخوا به قميص يوسف ، و أنظروه أباهم ، فوقع على يعقوب الحزن منذ ذلك اليوم ، و أما يوسف فقد التقطته قافلة و سارت به إلى مصر (التكوين37 : 12-36) ، و في القرآن جاء: " لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9) قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (10) قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11) أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12) ... وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ... وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ، وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ ۖ قَالَ يَا بُشْرَىٰ هَٰذَا غُلَامٌ ۚ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (يوسف:20).
بعد ذلك يقول التوراث أن يوسف إشتراه "فوطيفار" رئيس شرطة فرعون ، فأمر زوجته بالإحسان إليه ، فنجح يوسف في منزل فوطيفار و كان حسن الصورة و المنظر (التكوين39: 1-6) ، و في القرآن بشكل متوازي جاء: "وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (يوسف:21) . و حدث بعد ذلك أن حاولت امرأة العزيز إغواء يوسف و قالت له: اضطجع معي ، فصَدَّ عنها و كررت مراودته عن نفسه أكثر من مرة ، إلى أن استدرجته يوما ما إلى حجرة و قفلت أبوابها ، فحاول الهروب فمسكت بثوبه و خرج هاربا ، فحضر فوطيفار الواقعة (متؤخرا) فغضب عن يوسف و أودعه السجن ، فنجح يوسف كذلك في السجن(التكوين39: 1-23) ، بالإيزاء جاء في القرآن: "وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) ... (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ۚ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (يوسف:25) . يستفرد القرآن بذكر حدث دعوة امرأة العزيز نساء المدينة كي يروا جمال يوسف و يعذروها عن فعلتها .
يضيف سفر التكوين أن فرعون غضب عن رئيس الخبازين و السقاة في القصر ، فأمر بحبسهما ، فحلما حلمين فعرضهما عن يوسف في السجن من أجل إخبارهما بمعنى حلمهما ، فذكر للأول أنه سيصلب و تأكل الطير من رأسه ، و الثاني سيعود ليسقي الفرعون ، نفس الشيء يذكره القرآن: "وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ۖ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ۖ وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ۖ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)...(40) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ۖوَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ ۚ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (يوسف:41). بعد ذلك سيرى فرعون رؤية فيها أنه واقف عند نهر فخرجت سبع بقرات سمان و من بعدهم سبع سِقَام ، فأكلت السقام من البقر السمان ، ثم رأى سبع سنبلات ممتلئة فخرجت بجوارها سبع أخرى رقيقة و أكلت الممتلئات ، فطلب الفرعون تويل حلمه ففشل السحرة في ذلك ، فأخبره ساقيه الذي سجن مع يوسف ، أن هناك مؤولا بارعا في السجن فأرسل إليه و أنبأه بتأويل صحيح (التكوين41 :1-31) ، توازيا مع ذلك جاء في القرآن: "وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43)قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ ۖ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44) وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ" (يوسف:49). بعذ ذلك سيؤمر فرعون بالإتيان بيوسف للوزارة (التكوين41: 37-57) قارن مع جاء في القرآن(يوسف: 54-56).
عند اشتداد القحط يأتي كل جيران مصر لشراء الحبوب بما فيهم ذوي يوسف ، فيأتون و يعرفهم ، فيأمرهم بالإتيان بأخيهم الصغير ، ذلك ما حصل رغم معاندة أبيهم ، فيختلق يوسف تهمة تدين أخاه الصغير فيمسكه عنده ، فيعرفهم بعد ذلك عن نفسه و يدعوهم إلى المجيئ بيعقوب للعيش بمصر ، فتحقق ذلك و منه سجود أب و أم و إِخوة يوسف له كما رأى في الحلم (التكوين42: 1-26 / 27-28/ 43: 1-13 ... 46: 1-7). و هو نفس ما ذكر بالقرآن حيث جاء: وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (58) وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ ۚ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ (59) فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلَا تَقْرَبُونِ (60) ...(61) وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62) فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَىٰ أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63) ... قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَن يُحَاطَ بِكُمْ ۖ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66)... وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَخَاهُ ۖ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69)... قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي ۖ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ۖ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)... فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا (يوسف:100).
موسى :
بعد ذلك سيعيش بنو اسرائيل في مصر ، إلى أن يرى فرعون كيدهم فيحجر عنهم ، و يأمر بإلقاء أي ولد للعبرانيين في النهر و استحياء الإناث فقط ، غير أن موسى نجا عبر وضعه في سفط من البردي من طرف أمه و وضعه في النهر فالتقطه خدم زوجة فرعون ، فأعطته إلى مربية التي لم تكن سوى أمه التي رمته في النهر، (الخروج1 :6-22/ 2: 1-10) ، توازيا مع هذا جاء في القرآن: "طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)...(5)وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ۗ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) ... وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ (القصص:13) . سيكبر موسى و في أحد الأيام سيجد عبرانيان و بعد ذلك عبرانيا و مصريا يتشاجران فنهاهما و حدث أن قتل موسى المصري وطمره ، فسمع فرعون بالحدث فأمر بقتل موسى فهرب إلى مديان (الخروج 2: 1-23) ، ذلك ما تكرر في القرآن حيث ذُكر: "فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ (15)... وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ... (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (القصص:22).
سيجد موسى في مدين بنات إحدى الكهنة يسقين غنمهم و قرابهم فمنعهم رعاة آخرون و طردهم ، غير أن موسى ساعدهم و سقى لهم ، فأخبرا أباهما فدعاه للطعام و استجاب موسى (الخروج2 :1-23) ، و جاء في القرآن: "لَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (القصص:25) ، يلاحظ بأن الرواية القرآنية أضافت زواج موسى من بنتي الرجل لقاء خدمة (الآية 26-27، القصص) ، و هي إضافة موجودة في سفرالتكوين(29 : 1-20) .
بعد ذلك سيكلم الله موسى في جبل بادية رعيه لغنم أبو بنات مديان ، فناداه الله و أمره بخلع حدائه لأنه يطأ أرضاً مقدسة ، كما اقترح عليه أن يخبر شيوخ اسرائيل بأن الرب ظهر له و سينقد العبرانيين من مصر ، فلم يصدقه العبرانيون ، فأمره الله بأن يلقي لهم عصاه فتحولت إلى حية ثم شدها من ذيلها فعادت عصى كما كانت ، كي يتأكد الإسرائيليين أن الله ظهر لموسى و تلك معجزة لا يجريها الله إلا على الأنبياء ، ثم سيأمر الله كي يذهب لفرعون و يستهديه فطلب موسى من الله أن يرافق معه أخوه هارون (الخروج3 : 1-9و 4: 1-8) ، وجاء في القرآن: " فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۖ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ... قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا(القصص:35) . بعد ذلك سيأمر الرب بنو اسرائيل بالخروج من مصر و عبور البحر ، ثم سيخرجون و ينجون ثم ينكثون عهد الله فيحكم عليهم بالتيه في الصحراء 40 سنة و هي قصة يقول فراس السواح أنها طويلة في الثوراة (ص84-85) ، أما القرآن فقد ذكر: "فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)... وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (الشعراء:66) ، فلما عصوا الله و عبدوا غيره بينما كان مجتمعا بموسى بجبل التجلي ، حكم عليهم بالتيه :"قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (المائدة:26).
بعد ذلك يسرد السواح بشكل مقارن توابع قصص بنو إسرائيل كالعجل الذي وصفه الله كقربان ، و قصة جالوت و داود الذي انتقل له الحكم بعد شاؤل يقول القرآن: "وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ (البقرة:251) ، ثم أن كل ما ذكره القرآن عن داوود و بعده أيوب و إلياس و يونس وغيرهم موجود في الثوراة ، و تفاديا للإسهاب فالتفاصيل موجودة في الكتاب لمن أراد الإستزادة .
أهل الكهف :
فحوى هذه القصة أن مجموعة من الشباب رفضوا عبادة الأوثان ، فاعتزلوا حياة المجتمع فذهبوا إلى كهف ، فألقى الله عليهم سباتا تجاوزت مدته 300 سنة ، فبعثهم الله ليؤمن الناس بأن وعده حق ، و أنه على كل شيء قدير .
يفرد القرآن للقصة الجزء الأكبر من سورة الكهف ، و أما مصدرها هذه المرة ليس الثوراة ، فإنها قصة مسيحية حديثة جرى تداولها في العصر الذي تبنت فيه الإمبراطورية الرونانية الديانة المسيحية ، إذ يعود أقدم نص مكتوب للقصة إلى "نص سرياني" يعود للقرن الخامس الميلادي ، حيث تتحدث القصة في الأصل عن المسيحيين المضطهدين من قبل الرومان قبل تنصر الإمبراطورية ، إذ تحكي القصة عن الإمبراطور ديكيوس الذي جاء إلى مدينة إفسوس اليونانية ، فوصلته أخبار تنصر بعض أهلها ، فأكره الجميع على العبادة الوثنية و تقديم قرابين للأوثان الرومانية ، فرضخ البعض و بقي البعض الآخر على دينه المسيحي ، و من هؤلاء جماعة من الفتية لجؤوا إلى جبل أنخليوس خارج إفسوس و اختبؤوا في كهف هناك ، فعلم الإمبراطور بأمرهم فحاول معاقبتهم ، غير أن الرب أغلق عليهم الكهب و أجرى عليهم السبات مدة 307 سنين (القرآن يضيف سنتين) ، و بعد أمد بعيد من تنصر الدولة آل الحكم إلى تيودوسيوس ، ثم استيقض الفتية من سباتهم ضانين أنهم لم يناموا إلا ليلة و سويعات ، فأرسلوا أحدهم إلى إفسوس من أجل اقتناء الطعام ، و عندما منح بائع الطعام نقوذا ، كشف له البائع أنها قديمة جدا و لم تعد متداولة في البيع و الشراء ، فكشف أمرهم و بعث بهم إلى الإمبراطور فحكوا له قصتهم ، و حلوا بذلك إشكالية لاهوتية عويصة في ذلك العصر ، و هي إشكالية بعث الله للأموات (ص153-158). ، و القصة مشهورة في القرآن في سورة الكهف (لمن أراد الرجوع ليقارن).
قصة خلق الكون :
تعود القصة في الأصل إلى السومريين و أحفادهم البابليون ، حيث يحل الإله مردوخ بدل إنليل كبطل للخلق ، حيث سيفصل السماء عن الأرض بعد أن كانت هيولة صغيرة جدا (أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) و يُعَمِّدُ الأولى كي لا يتسرب إليها ماء الأرض ، ثم يزين السماء بالنجوم (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ) ، و صنع القمر و أوكله الليل و صنع الشمس و أوكلها النهار ، ثم زين الأرض بالجبال و التلال و الأنهار ، و حمل الغيم المطر ، مهيئا بذلك خلق النباتات و الحيوانات ثم الإنسان (ص174).
أما في الثوراة فإنه يستهل الإِخبار بخلق الله السماوات و الأرض من الكتلة المائية الأولى كما جاء في أساطير بابل ، ثم خلق النور و الظلمة ، فخلق جلدا من الماء أعلاه سماء و أسفله أرض ، حيث أمر بأن يجتمع ماء مادون السماء كي تتشكل اليابسة ، و قال الله لتنبت الأرض عشبا فاستجابت ، ثم بعد ذلك خلق الله الحيوانات و بدأ بالتنانين و الطيور و أمرها بأن تنتشر في الأرض فاستجابت ، بعدها قال الله لتُخرج الأرض ذوات نفس حية كجنسها ، بهائم و دواب و وحوش أرض كجنسها فاستجابت. ثم قال الله: لنخلق الإنسان على صورتنا ، ذكرا و منه أنثى ، و باركهم الله و قال لهم أثمروا و اكثروا و املؤوا الأرض و اخضعوها ، و كان ذلك في اليوم السادس من أيام الخلق ، حيث تعب الإله فاستوى إلى عرشه كي يرتاح في اليوم السابع . (سفر التكوين1 و 2 : 1-3).
أما في الرواية القرآنية ، فتُخبر بأن الله خلق الكون أيضا في ستة أيام ، كما أن في البدأ لم يكن إلا الله و الماء: "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ" (هود:7) ، و يذكر فراس السواح عن تفسير ابن كثيرا إيراده لحديث يقول فيه النبي محمد: "كان الله قبل كل شيء ، و كان عرشه على الماء ، فخلق كل شيء من ماء"، (ابن كثير، ج11 محلد2 ،ص575). حيث عمد الله إلى هذه الكتلة المائية ففصلها فتكونت الأرض و السماء: "أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (الأنبياء:30) ، فجعل الله الأرض سبعا و السماء سبعا .
و كما عَمَّدَ الإله السماء في الثوراة بشكل غير مرئي ، يصرح القرآن كذلك: "خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ ۚ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ" (لقمان:10) ، و كتصور الثوراة للسماء و الأرضيقول القرآن: "وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا ۖ وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (الأنبياء:32). هكذا خلق الله الأرض في أربعة أيام فالتفت إلى السماوات فنظمها و زينها بالنجوم و الكواكب التي تسير في أفلاكها ، "قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (فصلت:12).
يلاحظ هنا أن سلوك الإله متشابه بين الكتابين ، فالله يأمر فقط و هناك من يستجيب ، "قال الله لتنبت الأرض عشبا فاستجابت" (الثوراة) = "ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ" (القرآن).
ثم يصل القرآن كالثوراة إلى خلق الإنسان كمرحلة متأخرة ، فيقول: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً" (البقرة:30) ، ثم يستوي بعد ذلك الله في اليوم السابع إلى العرش ليس ليستريح هذه المرة كما في الثوراة ، بل الإستواء جاء في القرآن كإيذان بنهاية أيام الخلق فقط: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ (قاف،38) ، فربما إله القرآن قوي من إله الثوراة.
يُشار هنا أيضا أن القرآن استفرد فقط بذكر عدد طبقات السماء و الأرض (سبعة) ، و هو مما لم تأتي به الثوراة ، غير أن ذلك ذكر في كتاب يهودي اسمه "الهاجاده" و هو عبارة عن شروح لما ورد في الثوراة (ص181).
قصة خلق الإنسان:
كما باقي الأساطير ، فإن قصة خلق الإنسان لها أصول سومرية ثم من بعد بابلية (وقد سردتها سابقا في مراجعة كتاب مغامرة العقل الأولى)، و هي تقول باختصار أن الآلهة أعياهم و أنهكهم الكد و العمل و خدمة أنفسهم ، فدعوا كبير الآلهة (إنكي) إلى خلق الإنسان كي يريحهم من العمل ، أما البابليين فقد احتفظوا بنفس القصة ، الإختلاف فقط في كبير الآلهة الذي هو "إنليل" بدل (إنكي) ، هذا الأخير سيشتغل مع الإلهة "مامي أو ننماخ" على قتل أحد الآلهة و عجن دمه و لحمه بـ"الطين" ، فخلقوا من ذلك الإنسان ، كما أن البابليين أعطوا أسماء أول بشريين و هم "أوليجار" و "ألجار" ، الذين سيصبح اسمهما "آدم و حواء" في كل من الثوراة و الإنجيل و القرآن" .
فيما يخص الرواية الثوراتية فقد أخدت القصة في خطوطها العريضة من أساطير سومر و خصوصا بابل ، ثم أخذ القرآن عن أساطير الثوراة ، كما أضاف تنويعات ذكرتها كتوب الشراح الإسرائيلية ككتاب "الهاجاده"، نقارن الرواية تاليا:
1) جسد الإنسان من طين: يقول (سفر التكوين2 :7): "و جبل الرب الإله آدم من الأرض" = يقول القرآن: "خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ صَلْصَالٍ كَالفَخَّار" (الرحمان:15).
2) الله له يدين و يخلق بهما آدم: يقول الثوراة "عجن الله بيديه أربع قبضات من تراب الأرض و سواهن إنسانا" (الهاجاده) = يقول القرآن: "قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ" (ص:75).
3) نفخ الله في روح عجين الطين فاستحال إنسانا حيا: يقول (الهاجاده) "و نفخ في أنفه نسمة الحياة، فصار آدم نفسا حية" = يقول القرآن: "وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ" (السجدة:9) ، (انظر كذلك، سورة ص:72-71).
4) الله يستشير الملائكة: يقول كتاب الهاجاده: "استطلع الله رأي الملائكة فيما هو مقدم عليه، فجاءت مشورهم في غير صلاح الإنسان..." = يقول القرآن: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (البقرة:30).
5) الله يتحدى الملائكة أن يخبروه بأسماء حيوانات الأرض: يقول (سفر التكوين2: 19-20) :"و جبل الرب من الأرض كل حيوانات البرية و كل طيور السماء ، فأحضرها إلى آدم ليرى ماذا يدعوها..." = يقول القرآن: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ... (البقرة:32).
6) الله خلق المرأة من جسم الذكر: يقول (سفرالتكوين2: 2-22/3: 20): "فأوقع الرب السبات على آدم فنام ، فأخذ واحدة من أضلاعه و ملأ مكانها لحما ، و بنى الرب من الضلع امرأة و أحضرها إلى آدم" - "و دعا آدم امرأته حواء لأنها أم كل حي". = يقول القرآن: "رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا" (النساء:1 / انظر كذلك سورة الزمر:6) ، و من سياق قصة الخلق القرآنية ، فقد خلق الله آدم أولا ثم خلق منه زوجا هو حواء (لم يذكر الضلع).
الشيطان أو الملاك الساقط:
بما أن كل من الشر و الخير موجودين في العالم ، فإن الأديان المتقدمة اختلق آلهة لكل من الشر و الخير ، أما الأديان المتأخرة في الألف الأول قبل الميلاد فبدأت تنحو نحو التوحيد ، فمنذ الزراديشتية فاليهودية تَوَثَّنَ الله كمصدر للخير حصرا ، و جُعِل مخلوق آخر كمصدر كلي للشر هو "الشيطان" ، من ذلك يذكر الثوراة أن الشيطان أحد أهم الغاوين للبشر و منهم الأنبياء ، إذ سيعاقب الله كل من اتبع الشيطان و صَدَّ عن أوامر و عبادة الله .
لم يفوت القرآن فرصة استعمال هذه الأسطورة ، حيث قص أن الشيطان ملاك لم يستجب إلى أمر الله القاضي بالسجود لآدم ، حيث كَعَّ "إبليس" كما يسميه القرآن عن ما أمر ربه ، فعرض عن الله أن يُأخره إلى يوم الحساب حيث سيعمل في طول مدة الحياة على إغواء و تأثيم الناس ، يقول القرآن: "مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا ۖ لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ" (الأعراف:18).
يضيف السوح هنا كذلك أسطورة إغواء آدم و زوجته من طرف الشيطان و خروجهما من الجنة ، و كما تقاتل ابنيهما (قابل و هابل) و سقوط أحدهم نتيجة لتحريض الشيطان أيضا .
طوفان نوح:
أسطورة إغراق الإله للأرض بطوفان عظيم ، هي أسطورة منتشرة في ثقافات العالم القديم ، كما أن للسوماريون تعود أقدم تدوينة لهذه الأسطورة في النصف الثاني للألف الثاني قبل الميلاد ، كما قدم البابليون بعد ذلك نصوصا ذكرت فيها أحداث القصة ، و أحدها يذكر أن إله العاصفة إنليل اتخذ قرارا بإفناء الحياة ، فسمع قراره الإله إنكي/إيا فبَلَّغَهُ إلى ملك شوريباك المسمى "أوتنابشتيم" ، حيث أمره ببناء سفينة عملاقة يحمل فيها عند الطوفان الذهب و الفضة و الحرفيين و الكهنة ، و كذا الحيوانات ، فصدع أوتنابشتيم بما أُمر و حدث أن أنقذ البشر و الحيوانات و الحرف و الدين من الإندثار . ظلت القصة متداولة في الهلال الخصيب إلى حين عودة سبايا يهوذا نحو 587ق.م ، و هو ما يوضح انتقال الأسطورة من ألواح بابل إلى الثوراة ، حيث أَخَصَّ الكتاب المقدس الأخير "رجلا صالحا اسمه نوح كبطل للقصة ، حيث كثر فساد البشر بعد الجيل التاسع لآدم ، فأمر الله نوح ببناء فلك عظيم و أن يجمع فيه ذويه و من كل نوع زوجين ، لأن الله سيغرق الأرض بسبب استفحال فساد البشر و انحرافهم عن شريعة الرب" (التكوين6: 9-22).
قفزت القصة بعد ذلك إلى القرآن حرفيا حيث ذُكر: "وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (37)... حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40) وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ(هود: 42) .
القيامة و التصورات الأخروية :
ترى الأساطير السومرية و البابلية أن الإنسان بعد الموت تحاسبه الآلهة ، إن كان طائعا لها يُجاز بالنعيم ، و إن كان عاصيا قبيحا تعذبه الآلهة من خلال بعثه إلى هاوية الجحيم، ذلك ما أخده مدونوا الثوراة و بعدهم الوحي القرآني ، حيث حكمت اليهودية على من يدخل الهاوية لا يخرج منها و أن من يضطجع لا يقوم ، أي لا يبعث من جديد يعذب دائما في مضجعه (عذاب القبر ربما) (انظر سفر الجامعة14: 10-12) ، هنا استعمل القرآن نفس المصطلح حيث قال: "فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ ""هَاوِيَةٌ"" (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (القارعة;11) .
غياب فكرة البعث في اليهودية و قيامة الموتى، لم تستبعد فكرة نهاية التاريخ ، حيث ينتهي كل شيء حي في يوم الدمار الكبير الذي سيقيمه الله ، كل ذلك من أجل إقامة مملكة الرب الأرضية الذي سيحكمها الإله يهوه بشكل مباشر ، و تكون بمثابة نعيم أرضي لبني اسرائيل ، أما بقية الأمم و الأقوام فسيتحولون إلى عبيد و خدم لشعب الله المختار . أما القرآن فلا يختلف عن فكرة يوم الدمار الكبير الذي سيفتعله الله ، حيث ما يذكر به القرآن كثيرا "وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ" (الشورى:17) "إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا(6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا"(المعراج:7) ، و كذا في الثوراة "يوم الرب قريب" (صفنيا1: 7)، أما عن توابع يوم الدمار فسيبعث الله الموتى من قبورهم ، و سوف يقيم محكمة ربانية يتسنم فيها هو القضاء ، فينظر في كتب مدونة فيها أعمال الناس ، إذا غلبت أعمال أحدهم الصالحة عن الطالحة فإنه يدخل نعيما بديعا فيه مباح كل ما كان محرم في الدنيا ، من نكاح و خمر و بيطوفيليا (الغِلْمَانِيَّة) و كل ما يشتهي الإنسان ، و أما من غلبت أعماله الطالحة أعماله الصالحة فإنه يقاد إلى جحيم مسعر بالحجارة و النار ، فيعيش هناك إلى حيث شاء الله. أما عن الآيات التي تذكر ذلك فلا تتخلف أي سورة من القرآن عن ذلك أهوال أحداث يوم الدمار/القيامة .
أخيرا ، بعد قراء الكتاب مرتين و مراجعته (بإزاء قراءاتي الأخرى في نفس الحقل) تأكدت لي طفولية خيال الإنسان القديم التي تجلت في إبداعه لأساطير تلعب أدوارها الآلهة ، حيث لكل شعب أساطيره و آلهته ، و كل شعب إلا و يتصور الإله لا شغل له و لا مشغلة إلا التجسس و مراقبة البشر ، و الحديث معهم و تسليط بعضهم عن بعض ، فإله الإسرائيليين دعاهم إلى محاربة الفلسطينيين القدماء و استيطان أرضهم ، فأمر إله بابل دخول أورشليم و الإعتداء على اليهود و إصابتهم بسبي عظيم ، و الملاحظ أيضا أن الإله له صفات بشرية فله صوت و لغة و أيدي و مؤخرة يجلس بها على عرشه ، كما له عواطف فهو يغضب و يفرح و يتوعد و يمكر ، و هي ميزات الإله في الخيال البشري ، فلو استطاع البقر تصور إله لتصوروا أن له حوافر و قرون كما تصور البشر له أيدي و صوت ، كما أن الأناسي أبدعوا بخيالهم كتبا اعتقدوا أنها كلام الرب حيث لا يتكلم كتاب إله قوم ما إلا بلغة هذا القوم ، فالألواح المقدسة للسومريين و البابليين مكتوبة بلغاتهم ، و الثوراة بلغة اليهود و الإنجيل بلغة السريان و القرآن بلغة العرب ، كما لو كان للماعز القدرة على كتابة نص مقدس لجاء فيه كلام الله في شكل باع باع باع ، فكل نوع يكتب كلام الله بلغته ، و هو ما يجعل الإله له الحمد و الشكر متكلما مع كل شعب بلغته و دائرٌ معه في مدار ثقافته و أساطيره . عموما فإنني أنصح بقراءة الكتاب فإنه مفيد و مُرَبَّي في نفس الوقت ، إذ لا تعوض قرائته أي مراجعة مهما أسهبت في التفاصيل .