عـليــــــاء نــــفـــــــس (الجـــزء الـثــاني) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

عـليــــــاء نــــفـــــــس (الجـــزء الـثــاني)

  نشر في 22 يوليوز 2023 .

مرت بضع أسابيع على لقاءها مع استر، تمكنت فيها من تصميم فساتين جديدة. كانت عيناها على الهاتف طوال الوقت، تنتظر الاتصال الذي سيغير حياتها. لكن الشهور مرت ولم تتلق أي اتصال. فكرت أن تقصد دار المسنين مرة أخرى لتلتقي استر لكنها لم تفعل. لم تود الالحاح على السيدة أكثر، بالنهاية لم يكن لهذه الأخيرة أي سلطان ولا معارف كبار في المدينة وحتى لو، فلن تستطيع يوما أن تطلب منها أي نوع من الوساطة. قررت أن تنسى الأمر وتلتفت لعملها.

خطر ببالها أن تطرح على العم طارق فكرة ربما تزيد من توافد الزبائن عليه. اقترحت عليه أن يضيف إلى قائمة المحل أنواع أخرى من الفطائر ومنتوجات تُستهلك بكثرة موسميا كالبوظة في الصيف والحساء الساخن في الشتاء. مع أنه كان راضيا بما لدية ولا رغبة له في المزيد، رَحَّبَ الرجل العجوز باقتراح الفتاة وباشروا في الاشتغال عليه، فما رأى من لمعان في أعينها ذكره بابنته عندما كانت في سنها. وفي ظرف سنة واحدة تمكن العم طارق من مضاعفة مبيعاته وأضحى الناس يقصدون محله بكثرة رغم تواجده في زقاق ضيق بعيد عن الأنظار. فرفع من أجرة علياء وأصبح يتناوب وإياها على التسيير. تمكنت من تحسين وضعها لكنها لم تنسى حلمها واستمرت في تصميم الفساتين، ومع كل فستان ترسمه تنضاف صفحة جديدة إلى قصتها.

وفي ذلك اليوم أخذت الصفحات مسارا جديدا. فقد وجدت استر تنتظرها بالبيت وقد جلبت معها خبرا سارا. أخبرتها بأنها لم تنسى ما وعدتها به وبأن كل هذا التأخر لم يكن بيدها. فقد كان المصمم المشهور في جولة خارج المدينة وقد عاد للتو. ثم أبلغتها بأن لها موعدا معه في اليوم التالي وبأن السيدة إيزابيل (زبونتها السابقة) سترافقها.

كان الموعد في ورشة المصمم إسحاق. كانت تشبه لخلية نحل، في نشاط مستمر ولكل عامل وظيفة معينة. شعرت علياء بالدهشة لما رأته من جمال ورقي التصاميم، امتلكتها المخاوف وأرادت أن تعود أدراجها. أخبرت إيزابيل بأنها ليست في مكانها وبأن مصمما كبيرا مثل إسحاق لن يكترث لرسومات فتاة لا يعرفها ولا تجربة لها في الميدان. حاولت إيزابيل تهدئتها لكنها أصرت على الرحيل واتجهت راكضة نحو الباب فاصطدمت بإسحاق. كان رجلا في الخمسين من عمره، طويل القامة أنيقا ومبتسما، دعاها إلى مكتبه حيث اضطلع على تصاميمها باهتمام. أخبرته إيزابيل بأن علياء فتاة موهوبة ومتفانية في العمل، وبأن رسوماتها فرصة لها للانطلاق في المجال وله لتقديم نمط جديد من الفساتين.

بدا إسحاق متحمسا ومترددا في نفس الوقت، وقع اختياره على تصميمين لفستانين ربيعيين. أخبر علياء أنه سيشتغل عليهما ويطرحهما للبيع، فإن حققا إيرادات معقولة سيمنحها فرصة عمل معه. لم تكن علياء قد أحست بفرحة منذ زمن، في طريق العودة مرت على العم طارق، كانت تحتاج للنصح بعد أن بات أبوها ينتمي لعالم آخر وجد فيه مفرا من الواقع.

أخبرها العم طارق بأن الحياة يجب في جل الأحوال أن تعاش، لأننا بكل بساطة أتينا إليها. وبأن التذمر منها والتمرد عليها ما هما إلا دليلان على حبنا لها لكننا لا نعترف بذلك. ثم قال لها بأن بضع الصفحات التي نملك من عمرنا يجب أن تُكتب بحرص وإيمان، وبأن المستقبل ما هو إلا نتيجة لاختياراتنا، وبأنه مهما اشتدت العواصف فسيأتي يوم نغنم فيه بالراحة الأبدية، في الحياة الأخرى.

وقعت كلمات الرجل على قلب علياء كما تقع بتلات الورد على الخد. عادت للبيت وحكت لأبيها عن يومها، ولو لم يرد عليها رأت في عينيه نظرة فخر، كان طعم العشاء مختلفا تلك الليلة... 



   نشر في 22 يوليوز 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا