علموا أولادكم أن حب الثورة من الإيمان علموهم أن الثورة شريان تسري في عروق الأحرار وأنها حررت أوطانا و أوطان ..علموهم أنها اعادت للإنسان معنى الإنسان و اننا في تونس علقنا و لازلنا بها أحلاما و آمال ...

سيقول اعداؤها لأبنائنا هذا كفر و بهتان هذا ضلال و عصيان ...عودوا إلى مولاكم في خضوع و إذعان ففي ملكه عشتم الأمن و الأمان و إن تجرأ قليلا على حقوقكم و حرياتكم فكل ذلك يهون أمام إستقرار الدينار ...و إن قيل لكم انكم أقرب للأنعام فقولوا لهم المهم أن أنام و أنا شبعان ..مالي و كرامة الإنسان ما لي و حقوق الإنسان المهم عندنا رضا السلطان ...

و جاءت الثورة وهرب السلطان و خر عبيده للثورة في إذعان و كالوا لمولاهم سيء الكلام و قالوا فيه مالم يقله الثوار ...قالوا ظالم ..دكتاتور و جبان .. قالوا عميل للأمريكان ...و الثوار بن الذهول و الإستحسان ... هل يصير يوما من طبل لفرعون كل الأزمان حليفا للثورة و حقوق الإنسان ..فلنترك ذلك للأيام ...

دعونا من ذلك حتى أحدثكم عن ذاك الزمان ..عندما كان في العراق أبو غريب و كان في تونس أبو غرايب ... عندها كنا في ريعان الشباب ...كنا نسمع عن حقوق الإنسان و كنا نحلم بكرامة الإنسان ...كان في ذاك الزمان رجال و شبان آمنوا بان لابد للإنسان في هذه البلاد من كرامة و أنشدوا :" أَهْوَى الْـحَياةَ كَريمَةً لا قَيْدَ لا إِرْهـــابَ لا اْسْتِـــخْــفافَ بِالإنْسانِ فَإذا سَقَـطْتُ سَقَطْتُ أَحْمِلُ عِزَّتي يَغْــلي دَمُ الأَحْــرارِ فــي شِــريــاني " ... فلبثوا في سجون البلاد اعواما و اعوام ... و مرت الأيام و إزداد ظلم السلطان ...و الظلم في اعرابهم فعل متعد للحبيبان ..فطال الأهل و الأصحاب بعد أن نكل بذلك الإنسان... فكان بذلك ظلمان ... و ثارت حفيظة البركان فإحترقت شرارة في منزل ابوزيان...حركت ما كان دفن من كرامة الإنسان و ثارت الجموع في سيلان إلى قصر الحاكم في عصيان... وكانت أقصى المطالب أن دعونا نعيش و إياكم بسلام ...فثار الحاكم أ لمثلي يقال مذ هذا الكلام ...اطلقوا عليهم وابلا من الرصاص والنيران ...فسالت الدماء انهار و وديان ..و دقت مسامير في نعش السلطان ....هكذا يا أولادي فر عميل الأمريكان .

و عشنا بعدها أياما و أيام كان للثورة فيها جاه و سلطان ...و تقربت منا جل البلدان ...إلى أن ساءت أمور الدينار ... و ذاقت بالدولة كل السبل و الأحوال ...فصاح حلفاء ذاك الزمان الذين انقلبوا على ذاك السلطان و قالوا فيه أبشع الكلام... ألم نقل لكم أن ما قمتم به كفر و بهتان و أنه ضلال و عصيان ..عودوا إلى مولاكم في خضوع و إذعان...و اطلبوا الصفح منه و قولوا أنعام شردت فأرجع يا سلطان و أعد لنا هيبة الدينار ...

إحذروا يا أولادي و لا تصغوا لمثل هذا الكلام ..فاليذهب الدينار ...المهم عندنا كرامة الإنسان ..حقوق الإنسان ..إياكم أن يضحكوا عليكم بمثل هذا الكلام ..فوالله الجوع و لا عيشة الأنعام ...اني سمعت يوما شاعرا يقول أن الحياة لغاية أسمى من التصفيق للطغيان ... كل الذي أدريه أن تجرعي كأس المذلة ليس في إمكاني ...فالحر يأبى أن يلين أو أن يهادن مفسدا ..و أن اسلافكم قالوا يا شهيد لا تهتم الحرية تفدى بالدم ...فعشوا على الخبز والماء...وتمثلوا قول عنترة العرب : لا تسقني ماء الحياة بذلة .. واسقني بالعز كأس الحنظل ماءُ الحياة بذلة كجهنم وجهنم بالعزَّ أطيبُ منزل.. فعاهدوني على هذا الكلام ...أن تبقى نار الثورة في القلوب و الأذهان..مهما صاح من تبقى من أذناب ذاك الهارب الجبان ... و أن حب الثورة من الإيمان ... فاصغوا الي وتعلموا مني وعلموا أولادكم أيضا أن حب الثورة من حب الأوطان ...