مولانا مصطفى صبري التوقادي - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

مولانا مصطفى صبري التوقادي

شيخ الاستانة وصوت ضميرها المحافظ ....

  نشر في 07 فبراير 2019 .

لما قويت شوكة الدولة العثمانية العلية بعد فتح مدينة القسطنطينية في عام وتكريما لجهود مشايخ وفقهاء العثمانية في تلك الفترة فقد خص السلطان محمد الثاني الغازي الملقب بالفاتح كبير فقهاء الدول العثمانية في تلك الفترة وهو الشيخ شمس الدين الفناري بهذا اللقب عام 1451 ميلادي وأصبح مرادفا لمنصب الباب العالي وهو اللقب الذي تتخذه سلاطين وخلفاء الدولة العثمانية , وبعد انقلاب ضباط جمعية تركيا الفتاة عام 1901 ميلادي ثم تمهيدهم لتأسيس جمعية الاتحاد والترقي العلمانية الليبرالية التي كان يتزعمها مصطفى كمال في تلك الفترة أضطر الشيخ مولانا مصطفى صبري لمغادرة الأستانة متوجها الى مصر قبل أن يصدر قرار عبد المجيد الثاني أخر سلاطين الدولة العثمانية العلية بالغاء منصب شيخ الاسلام وذلك بضغط من جماعة الاتحاد والترقي العلمانية الليبرالية وهذا كان أول قرار وأخر قرار يصدره عبد المجيد الثاني قبل خلعه واعلان الغاء منصب الخلافة الاسلامية وسقوط الدولة العثمانية وتأسيس الجمهورية التركية . 

لمحة عن مولانا شيخ الاسلام مصطفى صبري 

ولد مولانا مصطفى صبري في مدينة توقاد والتي تقع في شمال شرق هضبة الأناضول عام 1869ميلادي وتلقى تعليمه الأولي في اللغة  عن والده الشيخ أحمد التوقادي ثم حفظ القران الكريم وتوجه الى مدينة قيسري ثم الاستانة ليواصل الطلب وعمره لم يتجاوز الثانية والعشرين عام عن الشيخين عاطف بك الاستنبولي وأحمد عاصم أفندي وقد زوجه الأخير ابنته الفقيهة أيضا ألفية هانم وقد ظهرت عليه أمارة الفقه والذكاء والنباهة فقدمه المشايخ في الاستانة على امتحان التدريس النظامي في جامع السلطان محمد الفاتح وبعد النجاح فيه عين أماما مدرسا في الجامع وتخرج على يديه ثلة من الفقهاء منهم مولانا محمد زاهد الكوثري رحمه الله , عين عام 1919 ميلادي شيخا للاسلام بقرار من السلطان محمد السادس وحيد الدين الذي سبق أخر السلاطين وهو عبد المجيد الثاني بعد تمثيله لبلده توقاد في مجلس المبعوثان - البرلمان العثماني - وتعينه أمين سر ديوان الخلافة , تولى مولانا شيخ الاسلام مصطفى صبري ذاك المنصب في زمن توغلت فيه جمعية الاتحاد والترقي في دواليب الدولة العثمانية وانتشار الفكر العلماني الليبرالي في أوساط النخب السياسية بالتزامن مع ظهور مظاهر التغريب في تركيا في تلك الفترة , فدون يراع الشيخ كثيرا من المقالات التي تبين عوار الفكر الليبرالي وخطورة توغل مظاهر التغريب والالحاد وفكرة القومية المبنية على أساس العرق والعنصر في المجتمع باللغة التركية وبعضها بالعربية . 

وفي نهاية المطاف بعدد تهديده بالقتل من الكماليين أضطر للخروج من الاستانة عام 1923ميلادي بعد توكيله لتلميذه الوفي محمد زاهد الكوثري بالقيام بسد ثغر الفتيا والتعليم ليلغي في العام نفسه منصب مشيخة الاسلام ثم الغاء الخلافة نهائيا, انتقل بعدها الشيخ مصطفى صبري الى مصر وبقي فيها مدة طويلة الى يوم وفاته عام 1954 ميلادي . 

طبيعة المرحلة التي عاش فيها الشيخ 

عاش مولانا مصطفى صبري رضي الله عنه في ظل أزمة السياسية في الأمة  بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وبداية نهاية ما يسمى بالمسألة الشرقية والمقصود بها تصفية بقية ممتلكات الدولة العثمانية وتشكيل الدول القطرية والغاء الخلافة ومنه فراغ ذلك المنصب الذي بقي طيلة عقود الاسلام منذ لحظة نزوله على الأرض  , كذلك عاش في الفترة التي عانت فيها الأمة من صدمة حضارية تجاه الأنموذج الغربي الليبرالي كون النموذج الاشتراكي لم يتشكل بعد بالشكل الكافي كما عاش في الفترة التي اشتدت فيها وطئة الاستعمار والفقر والجهل في معظم الأقطار المشرقية والمغربية على حد سواء , لقد فرضت هذه الظروف وغيرها كثير أن يتصدر الشيخ لسد هذه الثغرات ولو على سبيل النظر والمحاججة عن ثوابت الأمة السياسية والقيمية والاقتصادية ولابد من طبيعة تلك المحاججة والجدل أن ينمط مولانا الشيخ مصطفى صبري بنمط الشخصة القلقة - القلق هنا بمعناه المعرفي - ويؤثر على مزاجيته بحيث فرضت عليه المرحلة أن يكون حادا في خطابه وشديدا في سلوكاته وصلبا في شخصيته ولربما كان يشكوا بثه وحزنه الى الله في خلواته مما يجعل تلك الصلابة تنقلب لينا وتلك الحدية تنقلب رقة ولطفا بين يدي ملك الملوك جل وعز . 

بعض أراء ومواقف شيخ الاسلام مصطفى صبري 

1/ كان الشيخ ذا خلفية سياسية فقد انضم هو وبعض زملائه للعمل الحزبي ضمن اطار حزب الائتلاف والحرية الذي كان يجمع في أوساطه المتعاطفين مع السلطنة من مختلف القوميات من الكرد والأورام والعرب المشكلة للدولة العثمانية والرافضين للفكر الاتحادي - العلماني - وكان يرى أن العمل والاصلاح من داخل الدولة العثمانية في اطار التنظيماستية بوسائلها المختلفة من مشروطة - دستور - وتحزب وفصل بين السلطات وقيام مجلس مبعوثان - برلمان يمثل المدن والقوميات المختلفة في الدولة العثمانية - من أوجب الواجبات في تلك المرحلة لأنه كان يدرك أن البديل عن الاصلاح من الداخل سقوط الخلافة أضف الى كونه - أي التنظيماستية - ذريعة الكماليين للانقلاب على الخلافة واسقاط حكم الدين في البلاد وبعد سقوط الخلافة دخل في مواجهة مفتوحة ضد المتعاطفين مع الكمالية خصوصا بعد واقعة له في مصر لم أتأكد ان كانت مع علي عبد الرازق تحديدا صاحب الاسلام وأصول الحكم دفعته لكتابة كتابه العظيم * النكير على منكري النعمة من الدين والخلافة والأمة * الذي دافع فيه عن فكرة الخلافة وضرورتها المصلحية وكونها الوسيلة الوحيدة لسد ثغر حماية بيضة الدين في مقابل ضوضاء تلك الأفكار التي كانت تنادي اما بكون الدين لم يأتي بنظام سياسي معين وانما هي مرحلة تاريخية اقتضتها ضرورة الحكم الامبراطوري أو هي حقيقة دينية لكنها ليست ممكنة التطبيق في هذا الزمن , وقد أظهرت الأيام المتعاقبة صحة فكرة مولانا مصطفى صبري ففكرة الاصلاح الديمقراطي ليست مقصودة لذاتها عند تلك النخبة العلمانية وانما هي ذريعة لمحاربة سلطة الدين والقضاء على تجلياته في واقع الناس . 

2/ ذكرنا أن الشيخ عاصر فترة حساسة جدا في تاريخنا الاسلامي وهي فترة الغاء منصب الخلافة الاسلامية وبداية مرحلة الدولة القطرية وما صاحبها من جدل حول مشروعية فكرة الخلافة فقد عاصر الشيخ في نفس المرحلة السؤال حول الاسلام نفسه ومايمثله من ثقافة ومنظومة قيم في ضمير المجتمعات وقد تزعمت في تلك الحقبة مدرسة التجديد والاصلاح لمحمد عبده فكرة تجديد التراث الاسلامي ونقده من الداخل وقد تزامن هذا مع ظهور التعليم المدني في مصر بعيدا عن الأزهر ولأن غالب المثقفين في مصر قد تأثروا بفكرة محمد عبده التي دعت الى محاربة مظاهر التشدد والغلو والجمود الفكري الذي كان ينتشر بعض مشايخ أزهر في مصر  في تلك الحقبة فقد أصبح هذا التأثر ذريعة للانقضاض على سلطة القول في الدين وفي ظل ذاك السياق ولد كتاب الشعر الجاهلي لطه حسين وكتاب تحرير المرأة لقاسم أمين مثلا وهنا قد عرج الشيخ على هذه الظاهرة وانتقدها في كتابه * موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين * ليلخص في هذا العنوان الفكرة الدينية التي كانت عرضة لموضع انتقاد شديد جدا في تلك الفترة كما كان الشيخ من أشد خصوم محمد عبده لأنه مال في بعض أرائه الكلامية للفكرة الاعتزالية . 

أقول أنه ربما لم يتغير الحال كثيرا عما تركنا عليه الشيخ مولانا مصطفى صبري بل ربما زاد سوءا لا أكثر فلا يزال الفكر الديني يعاني من نفس الاشكالية السياسية فلا الاسلام مكن من الحكم بشكل سلس حتى يحاكم في جدواه ولم يتغير نظر المخالفين له في كونه مرحلة تاريخية تجازوها الزمن ولا يزال كثير منهم يسعى  في تفكيكه أم على مستوى النظر أو على مستوى التدبير لكن الله متم نوره ولو كره الكافرون , أقول ان الدين فكرة متسامية عن الوجود  متغلغلة في أدق تفاصيله في نفس الوقت انطلاقا من النزعة النفسية للفرد الى الضمير العام للمجتمع والوجدان والاحساس  لايمكن أن يحارب لأنه في الحال الطبيعي سيؤدي الى النتيجة المعاكسة ولا يمكن أن ينزع الله من عقول ونفوس الناس لأنه وببساطة بعد عقد  الأربعينات والخمسينات والستينات من القرن المنصرم عاد المد الاسلامي من جديد وبقوة مطلع السبعينات والثمانينات ليخفت من جديد بسبب الظروف السياسوية مطلع القرن الواحد والعشرين لو انتهى الاسلام لأنتهى في تلك الفترة فضلا أن ينتهي اليوم , سيجتاح  المد الاسلامي من جديد والقضية قضية وقت وعمل وفق متاح الأسباب . 




   نشر في 07 فبراير 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا