مرحباً بِك أيها الصغير ..أعلم أنها المرة الأولى التي تلجُ فيها إحدى صفحاتي ، وأول مرةٍ تطلع فيها على نصوصي ، وأنه وبدون شك قد هالكَ أمر أن أكتب عنكَ هنا في حين أنكَ طلبتَ مجرد ورقةٍ عادية بخط يدي .. وليست أي ورقة بل ورقة تحمل قصةً باسمك وأنت بطلها .. لكن ما تراه هنا مقال لا قصة ، وأن المطلوب المرغوب لم يكن..
لا تتسابق الأمور أيها الطفل الصغير بل أصغِ إلي ، اقرأ كلماتي بتمعن ، فتش بين حروفها عن رمزٍ مفقود ، عن رسالة ، عن إشارة ، عن أي شئ كان يُلهمكَ لإكمال مسيرك..
لست أول طفل يطلب مني أن أكتب عنه ، بل أول طفلٍ أكتب عنه ، وله ولأجله ، و رسالتك هذه فليقرأها جميع أطفال العالم لأنك واحداً منهم قبل أن تكون لوحدك ، وهي لهم مثلما هي لك أنت..
أتعلم لِم لم أكتب عنك قصةً خيالية ممزوجة بدراما المحاولة والشغف نحو الوصول؟ هل تعلم لماذا لم أتعب خيالي في البحث عن سيناريو ملائمٌ لك ، وقصة وقضية اطرحها لأُفكك شفراتها لأجلك؟ لأنني تمنيت بل لأنني واثقةٌ بك حد الامتلاء من أنك ستفعلها ذات يوم وحينها سأدون حقيقتك ، هل تعرف ما الفرق بين قصة الخيال والحقيقة؟ الأولى ستضع كتابك على رف القصص والروايات والأخرى ستضعه على ارفف السيرة الذاتية! الأولى ستكون محض هراء أم الأخرى فقد دونها الواقع قبل أن يمسها قلمي .. الأولى سترفعك إلى مصاف تلك الشخصيات التي خلدتهم الكتب ، أما الأخرى فسترفعك إلى مصافِ أولئك الذين خلدوا أنفسهم بأنفسهم قبل أن تخلدهم الكتب ، تلك ستجعلك محمد الحالم ، أما الأخرى فستجعلك محمد صانع الواقع والمحاولة ، وإنني اضعك هنا لتختار أيهما أحببت؟ ولتسأل نفسك ءاخذل ثقتها بي؟
رغبتك في أن تصبح بطل قصة جعلني فخورةٌ بك ، وليست أي رغبةٍ عادية بل أن تنتظر لحظة النهاية لتمسك الورقة وتقرأ المجريات وكأنها حياتك .. وإن دل فما يدلُ إلا على ثقتك العظيمة بنفسك وأنك ستفعلها..
فلتجعل أصدقاءك الكتب ، ورفيقك الروحيّ الشغف و فضول الاطلاع والتجربة ، فلتخترق ميادين استثقل خوضها غيرك ، ولتجرب وإن أخبرك الجميع أن النتائج لن تكون سوا الفشل ، وأن ترسم خطتك وتتأملها كل صباح وتعلم أن تسأل كل من تصادفهم.. فالذين لم يعرفوا طريقهم ولم يرسموا خططهم تلبدت بهم الطرق ، والذين لم يسألوا ضاعوا بين تقاطعاتها ..
أيها الطفل الصغير لا تستسلم أو تتخاذل بل واجه وصارع بكل بسالة كل تلك المنغصات التي تحاول طرحك أرضاً ، ولا تنظر للوراء فلن تقع عينيك إلا على أولئك الذين جلسوا على ممرات الحياة وتقاعسوا أما الذين هم أمثالك فهم أيضا يشدون رحالهم نحو الأمام أيضا لكنك لن تراهم فطريقهم ومسلكهم هو درباً آخر درب أحلامهم هم ، وتذكر أن نجاحاتنا لم تكن في نهايات الطرق المعقدة تلك ، بل كانت في بداياتها ، حينما انتصرت رغبة البدء على رهبة الخوف والتراجع ، فإياك وفتور العزائم والتراجع بعد البدء ، والخوف حين يتطلب منك الشجاعة فطريقك ليست سهلة ودربك مضنٍ وروح المقاومة تلك لن تنبع إلا منك أنت ..
وتعلم أيها الصغير أن من الأفضل ألا يُكتب عنك قصةً قصيرة ، بل كتاباً بأكمله ، وأن توضع أنت على الأرفف خيراً من أن يوضع أسمك ، وأن تخلد نفسك بنفسك هو خيراً من أن يخلدونك هم ، وتعلم أن تراهن أنك تستطيع ولن تتراجع وإن كلفك ذلك حياتك ...
فيا أيها الطفل الصغير .. أنا حقاً أثقُ بِك واؤمن بقدراتك.. فلينتصر حُلمُك ، ولتشرِق شمسُك وإياك إياك أن تدعها تَغيب ..
-
يسرى الصبيحيياريتَّا.