حرية الإعلام وشرط المعارضة وصناعتها - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

حرية الإعلام وشرط المعارضة وصناعتها

  نشر في 01 ديسمبر 2015 .

هي علاقة وثيقة تلك التي تربط المعارضة بالإعلام؛ من حيث أن الفضاء الإعلامي تحديدا أكثر ما يستهوي المعارضة السياسية فضلا عن الموالاة؛ لبعث رسائلها وطرح أفكارها ووجهات نظرها وأطروحاتها في السياسة والحكم وما يتصل بها من ثقافة واقتصاد وقانون...ونحوه.

وأمام النقلة النوعية الفريدة والمتميّزة التي شهدها الإعلام في الجزائر بوسائله وقطاعاته المختلفة، في ظلّ ما يعيشه اليوم من تعددية إعلامية اكتملت بانفتاح السمعي البصري على القطاع الخاص؛ تكون المعارضة قد ضمنت لنفسها فضاء مناسبا ومجالا خصبا للتعبير عن توجهاتها وتطلّعاتها ومواقفها إزاء الأوضاع الراهنة على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي، متمسكة بحقها الدستوري والقانوني في حرية التعبير وإبداء الرأي.

لكن أمام تمسك المعارضة بهذا الحق الذي يظلّ حقا مشروعا؛ يثور التساؤل حول إشكالية حرية الإعلام وعلاقته بالمعارضة من حيث كون استغلالها لوسائل الإعلام المنفتح شرطٌ لتوصيف الإعلام بأنه حرّ، فلا نكون أمام إعلام حرّ إذا كان فقط يُسوّق للرأي السلطوي للنظام السياسي الحاكم ومن والاه، مع إقصاء رأي من عاداه سياسيا وعارضه أيديولوجيا.

بعبارة أخرى: هل أن الإعلام الموصوف بأنه إعلام حرّ يشترط لاكتمال حريته تتويجها بالإنفتاح على المعارضة، والسماح لها بعرض مواقفها دون إقصاء أو تضييق، وأن وجود معارضة سياسية يتفاعل ويتجاوب معها الإعلام؛ تُظهر بأننا نعيش إعلاما مُنفتحا على جميع التوجاهات والأطروحات ؟، وأن عدم وجود أية معارضة يعني بأن حرية التعبير مُصادرة وأن الإعلام لا يعيش حرية وانفتاحا ؟.

قريبا من هذا السياق، تُطرح إشكالية الإعلام وإسهامه في صناعة المعارضة وتكوينها، التي تكشف جانبا مهما من حرية الإعلام وانفتاحه على الآخر، يُضاف إلى ما تقدم من اشتراط حرية الإعلام لوجود معارضة حتى يحوز الحرية المأمولة ويُوصف بأنه إعلام حرّ لا يُقصي طرفا دون طرف آخر.

هنا لدينا فرضيات: إما أن حرية الإعلام وانفتاحه على الرأي الآخر يصنع المعارضة، وفي الوقت نفسه يتطلبها ويشترطها حتى يصح توصيفه بأنه إعلام حرّ ومُنفتح.

وإما أن حرية الإعلام تتجسّد حتى مع غياب وجود أيّة معارضة، ومن ثمّ فإن حريّة الإعلام لا تصنع معارضة أو تشترطها أو تتطلبها، ويُمكن للإعلام أن يكون حرّا حتى لو كان إعلاما مُواليا للسلطة السياسية لا يأمل معارضتها ولا يعمل على مُخالفتها، يقول بقولها ويسير وفق خطّ سيرها.

الحقيقة أنه على فرض عدم وجود أيّة معارضة - وهذا فرض غير صحيح؛ لأنه ما من دولة إلا وفيها معارضة وموالاة على غرار الجزائر -؛ فإن الإعلام يظلّ إعلاما حرّا مُنفتحا، ويُمكنه أن يطرح أطروحات تُسهم بعد ذلك في تكوين المعارضة وصناعتها.

إن وسائل الإعلام تحرص على تقديم المعلومة ونقلها إلى جمهور المتلقين بكل أمانة وموضوعية، وصناعة الخبر حول ما يقع من أحداث محلية أو وطنية أو إقليمية أو دولية تهمّ المواطنين، وهذا من شأنه صناعة مواقف معارضة لمواقف السلطة، ومن ثمّ يُسهم في تشكيل أحزاب سياسية معارضة تُشارك بدورها في صناعة المشهد السياسي الديموقراطي.

منتهى الكلام، أن الإعلام الحرّ لا يشترط وجود معارضة ليكون إعلاما حرّا، بقدر ما يتطلب أن يكون إعلاما موضوعيا أمينا في نقل الأخبار، وتمرير رسائل هادفة تصنع مواقف جماهيرية إيجابية تُسهم في رقيّ دولها والدفع بوتيرة تنميتها.

ثم إن هذا الإعلام بموضوعيته وانفتاحه يُسهم بشكل أو بآخر في صناعة معارضة تُعزّز من حرية الإعلام الذي لا يُوالي أو يُعارض بقدر ما يكون موضوعيا. فالمطلوب من وسائل الإعلام أن تتعرّض للحدث من جميع جوانبه، وتتناوله من مختلف زواياه، مُستعرضة جميع المواقف والآراء دون إقصاء أو محاباة، غايتها من وراء ذلك كله كشف الحقيقة لجمهور المتلقين ونقلها كما هي.

وهنا ملحظ هام، مثلا لو أن جانبا من الإعلام كان مُواليا للمعارضة – فضلا عن السلطة - لكن شريطة أن تكون موالاته كقناعة تُمليها عليه موضوعية العملية الإعلامية، وليس محاباة من أجل نيل مكاسب مادية وسيادية تضع حرية الإعلام وأخلاقياته على محكّ خَطِرٍ ومُهلكٍ، فيرى هذا الإعلام عن قناعة بأن دعم برامج المعارضة القائمة - أو السلطة الحاكمة -، وتأييدها في سياستها وبرامجها يُناسب الواقع الآني، ويُعطي حلولا عملية للوضع الراهن؛ فهذا لا أجده يقدح في الحرية الإعلامية ويتنافى معها، طالما أن الموضوعية في التعامل مع المعارضة - وكذا السلطة - هي ما يصنع ويُكوّن قناعات وسائل الإعلام، ويرسم مواقفها وتوجهاتها وسير خطة عملها.

إذا رأيت الإعلام يُحابي ويُوالي ويُقصي ويُعادي من مُنطلق غير أخلاقي، انطلاقا من خلفيات تُمليها المصالح الشخصية، ومواقف ترسمها وتصنعها المنافع الأنانية؛ فاعلم أن هذا الإعلام صار إعلاما مرِيجًا فاسدا، يوم خلّف أخلاقيات العمل الإعلامي النزيه والموضوعي ظهريا، وصارت عنده نسيا منسيا.

يُراجع مقالي الأخير المنشور على منصة مقال كلود: "هل حرية الإعلام تتطلّب المعارضة ؟" على الرابط: https://www.makalcloud.com/post/bd2oxjkrf

د/ عبد المنعم نعيمي

كلية الحقوق- جامعة الجزائر 1




  • عبد المنعم نعيمي
    وما من كاتبٍ إلا سيفنى *** ويُبقي الدَّهرَ ما كتبت يداهُ *** فلا تكتب بخطك غير شيءٍ *** يَسُرّك في القيامة أن تراهُ
   نشر في 01 ديسمبر 2015 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا