تتواري برأسها خفوت الارض المبتلة بالمياه و قد تناثرت رخي الامطار لتندي الحشائش الصغيرة.. جفت دموعها التي اختلطت بقطرات المطر فبللت وجهها الصغير من كل حدب.. كانت تسير غير آبهة الي اين الا انها باتت بلا مآوي بعدما طردها اباها في منتصف الليل بثيابها المنزلية.. 

ادار بذهنها رفيقتها العزيزة  التي طالما بكت لها مما عانته من قهر الاهل.. كانت تآوي اليها في الليال التي يتم طردها فيها من ابيها المتسلط و تمضي الليلة كلها في البكاء علي حالها المآساوي.. 

و رفيقتها - ليليان - تربت علي كتفيها في شفقة و هي تبتهل الي الله ان يربط علي قلب رفيقتها - ليانة - التي عانت الامرين من النزاع الاسري.. 

توارت خلف الشجرة التي ذبلت اوراقها الا انها بللت بمياه الامطار و هي ترتجف جسدها من البرد و الخوف.. كانت تخجل زيارة - ليليان - و هي تشعر انها اثقلت عليها الحمل خاصة ان المسكينة قد ضاقت والدتها من رفيقتها - ليانة - و آلت لها ان تبتعد عنها حتي لاحظت تهرب - ليليان - الدائم منها و دمعاتها التي تآبي الا ان تتواري عنها تنسال خلسة بحزن.. 

آلت ان تمضي الليلة في حفنات الطرقات.. تظللت بظلال الشجرة و هي تئن من الالم..  بات الشجار في تلك الليلة بين والديها عارمآ..  آل ضاقت امها من تغافل زوجها و تواريه عنها..  و كيده لها بالاسحار.. اما اباها العنيد فسولت له نفسه ان يجترف الاثام و آلت له ان يستل سكينآ ليذبح به زوجته و يسكن جسدها الهامد بلا حراك.. 

كانت تتواري بعيدآ عن ابيها في قبو المنزل حينما باغتها بضربة شديدة اهوتها ارضآ ثم جذبها من شعرها الي خارج المنزل و هو يتوعدها بالهلاك لو آلت الي المنزل مرة اخري.. 

و كأن مشهد القتال آبيآ الا يتوارى عن اعينها تغمض عيناها لعلها تغفو قليلآ بعيدآ عن ابعاد المشهد الدموي.. 

كان يقترب منها و تعلو وجهه علامات التعجب من هذه الصبية التي تقضي تلك الامسية الباردة  المطيرة في البراري..  سكن جسدها الذي كان يرتجف من البرودة بعدما توارت بكساء لحاف الاشجار.. فتحت عيناه لتجده امامه واقفآ و قد استبد به الزهول.. اشاحت بوجهها بعيدآ عنه غير آسية و هي لا تدر ماذا يبغي هذا الغريب...!! 

كان ينظر اليها و هو سكينآ منفطر الفؤاد و قد هاله حال تلك الصبية المسكينة.. تبسم في وجهها ليطمئن قلبها..  تنهد قليلآ و هو يعزم علي قلبه ان يبوح اليها بكل ما يتوارى و يسكنه... 

اين هوت المروءة التي شيمت العرب يا صبية كيف السبيل الي اهلك ايتركوكي وحيدة في الطرقات و قد جاوزت الساعة منتصف الليل! .. 

حالي يغم القلب يا ولد العرب.. ما ادري اين هوت المروءة حين ودأني والدي و انا علي قيد الحياة.. ما لي عنده من مبغي و قد هواني من منزله طريدة و لو كنت من الرقيق ما وأدت بتلك الطريقة الشعواء.. 

لا تخافي و لا تحزني يا ابنة العرب ادميتي الفؤاد و اسكنتي القلب حزنآ.. هلمي الي نذهب معآ الي امام المسجد الشيخ - نبهان - رجل صالح و سيجد لكي مسكنآ.. 

اسكنك الله الجنة يا ولد العرب دلني عليه لعلي اجد عنده لي مخرجآ.. 

حسنآ هيا اركبي  هودج الخيل مع النسوة و سنذهب حالا الي الشيخ - نبهان - 

سارت و قد تبدل قلبها سكينة الي هودج الخيل..  استقبلتها النسوة الصالحات كن من حفظة القرءان في المسجد.. بحفاوة و اهتمام.. اجلسنها برفقتهم و هي تآنس بهم خير رفقاء...  كانت الرحلة طويلة الا انها اسكنت الفرح قلبها.. بعدما شرعن النسوة في التقرب اليها بالعبارات اللطيفة و اهدينها عباءة جميلة حتي تحضر بها المجالس الدينية في المسجد.. 

باتت اشجار الريحان تحيط بالمسجد حينما بصرت الصبية توقف الهودج آثرت انها قد وصلت الي حيث يجلس _ الشيخ نبهان - قادنها النسوة اليه و قد لبست العباءة المطرزة و تأنق وجهها الجميل في الحجاب الذي بث النور في وجهها الجميل... 

كان الشيخ - نبهان - رجلا وقورآ و قد كسي الشيب رأسه و لحيته..  اشار لها بالجلوس علي بساط المسجد و قصت عليه ما آل لها من ابويها... 

اشفق عليها الشيخ لما آل لها ثم انتبه الي - راكان - الذي يخفت رأسه للارض خجلا من ابيه ثم اشار اليه بالجلوس امامه و هو يلحظ نظراته اليها..  

سجي علي الابسطة و هو ينظر اليها بين الحين و الاخر و هو لا يدر ان اباه الشيخ يس علي حين غرة منه..  ناظره بحكمة.. 

ازوجك - راكان - ولدي يا صبية و اتعهد لكي بان يبدل حياتك سكني و امنآ و سعادة.. 

انفطر قلبها خجلا و سعادة و هي تخفت برأسها لارض و انطوت السعادة علي وجه - راكان - الذي كان في قمة السعادة نظر اليها و هو يتعهدها بالامان 

اعاهدك يا امرأة ان اكون لكي زوجآ صالحآ..  هلم يا ابي بالكتاب لنكتب الكتاب و تقام الافراح و تبسط الولائم....