ذكريات كاتب في بلاد الأهرام - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ذكريات كاتب في بلاد الأهرام

شرم الشيخ ... مدينة السلام

  نشر في 10 شتنبر 2018 .

تراءت له شرم الشيخ ، كواحة ري و سقاء في مفازة شديدة القيظ ، كانت هذه المدينة كلؤلؤة بحرية مختبئة بين جبال في طريق صحراوي مميت ، لا يكاد ترى فيه إلا كثبان صحراوية و جبال اصطفت وراء بعضها كسراب غابر...

شرم الشيخ عبارة عن منتجع سياحي عملاق ، اصطفت فيه الفنادق المصنفة على طول ساحلها البحري الأحمر ، كانت شمسها حين وصولهم تميل إلى الذبول ، كعملاق فقد قدرته بعد إعياء ، تراءت له اليخوت الرابضة فوق مياه البحر الأحمر ، لا أثر للفقراء هنا ، أو هكذا خيل له ، من فرط مناظر الفنادق المصنفة عبر طول الطريق التي فصلت مدخل المدينة بالفندق الذي حجز فيه .. 

كان الفندق الذي قضى فيه خمس ليال عبارة عن منتجع شاسع عملاق ، منتجع من فئة الخمس نجوم ، يوفر خدمة راقية شاملة لكافة الخدمات ، مقابل ثمن مناسب جدا للأجانب ، و كانت غرفته تطل على مسابح متعددة ، و رؤية بحرية بعيدة . كان تعامل طاقم العمال في الفندق راقيا جدا ، و هو شيء ليس بالغريب على شعب يستعمل حتى في تعامله مع بعضه البعض في الشارع ، عبارات الإحترام . 

كان الفندق يضم مسابح كثيرة ، بالإضافة إلى ألعاب مائية ، و بحر خاص ، يمتد على مساحة كبيرة ، الشيء الذي راق له كثيرا ، باعتباره كائنا بحريا ، عاش بين أحضان البحر في ضغره ، و يعشق كل العشق النوم على أصوات النوارس و أمواج البحر ، فلما زاره في جولة تعريفية هو و أسرته ، واعده بينه و بين نفسه ، أن يزوره في وقت لا يكون فيه غيره ، أو ممن ابتلي مثله بالتصوير و البحث عن الراحة و الخلوة ، لاحظ أيضا أن أغلب نزلاء الفندق ، من روسيا و ما جاورها من بلدان ...

قضى الليلة الأولى منهك القوى ، نام كما ينام الطفل الصغير ، بعد صلاة العشاء مباشرة ، لكنه بيت النية على الإستيقاظ لصلاة الفجر ، و الخروج إلى شاطئ البحر ، و هكذا كان ، استيقظ لصلاة الفجر ، صلاها ثم خرج برفقة قمرته يقصد الشاطئ ، كان الشاطئ بعيدا شيئا ما عن غرفته ، كان يلزم الماشي إليه  خمس دقائق من الزمن للوصول إليه ، و كان الشاطئ عبارة عن مساحة كبيرة خاصة ، اصطفت على رماله الحجرية كراس و مقاعد سريرية ، و يخترق بحره طولا معبر خشبي طويل ...


أخذ مكانا له على مقعد خشبي ، كان لوحده في تلك الساعة ، و بعض النوارس ، التي تلهو على الشاطئ النائم الهادي ، كانت الشمس تستعد لإعلان انتصارها على الظلام في معركتها اليومية ، و بعثتت بعضا من ألوانها الجميلة تبشر الأفق بمقدمها ، و نسيم الهواء كماء طهور ، يطهر دنس النفس ، و إنه لا يعلم كيف يغفل الكثير من الناس عن هذا الجمال ، ترائى له الأفق مفعهما بالحب ، و كل شيء جميل ، هاهو الآن على أرض طارد فيها فرعون نبي الله موسى و قومه ، لعله الآن في مكان قريب من المكان الذي فلق الله عز و جل البحر لموسى فيه ، لعل خطواته وافقت خطوات نبيا الله موسى و أخيه ، هنا في مكان هنا على هذي الأرض ، جاوز ربنا العظيم ببني إسرائيل البحر ، و أوحى إلى موسى صلى الله عليه و سلم أن إئتني إلى الطور ، هنا في مكان ما على هذه الارض طلب موسى صلى الله عليه و سلم من الله عز و جل أن يريه ينظر إليه ! 

و جاء موسى صلى الله عليه و سلم ، بعد أن أخبره الله عز و جل أنه فتن قومه و أضلهم السامري ، و شاهد بأم عينيه ، و أردى الألواح الأرض و أخذ بلحية أخيه يجره إليه ، موسى صلى الله عليه و سلم الذي وكز الذي هو من عدوه ، فأرداه قتيلا ، جاء إلى السامري ، بكل هدوء ، و خاطبه بكل هدوء و قال : ما خطبك يا سامري ؟ فأجابه السامري متحديا : بصرت بما لم يبصروا به ، و قبضت قبضة من أثر الرسول فنثرتها و كذلك سولت لي نفسي ! فأجابه موسى : إذهب ، فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس ! 

كان بإمكان موسى وكزه ، و يستحق على ما فعله بقومه ، و لكنه قال له ، إذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس ، لا يمسك أحد بسوء ، و لا يقدر على أذاك أحد ، لا يسلط عليك أحد مهما بلغت قوته و أوجه ، بل لك موعدا لن تخلفه ، سيأتي ، موعد مقدر ، محدد ، ستصله  و تراه ، و لكن إلى أن يصل ذلك اليوم فلن يقدر عليك أحد و أنت حر في فعل ما تشاءه ، بتقدير من الله ، و أن تهيء الأرض كلها لفتنتك القادمة التي سيهلك فيها الكثير الكثير من الغرقى في فتنتك.

من هنا بدأت القصة ، و إلى الآن و بعد أكثر من ثلاثة آلاف عام ، لا يزال ذاك الذي يقول : لا مساس ، لا يزال يفسد في الأرض إلى أن يخرج الذي هو موعده ! كل التاريخ في هذه الأرض ، البداية هنا كانت ، و النهاية في أرض كنعان ستكون ، و بين هذا و ذاك ، لا تزال هذه الأرض محور القلوب ، بأسرارها ، و ملكوتها الذي أودعه الله فيها .


مذ كان في الرابعة عشرة من عمره ، بدأ رحلة البحث في التاريخ الذي لم يدرس له و لجيله و لا لأحد من الأجيال ، هناك تأريخ درس للجميع ن و تأريخ يقبع في الدهاليز المجهولة ، لا يمكن لأحد من العامة الإطلاع عليه .. من هنا في هذه الأرض ، بدأت قصة التآمر الكبير الذي يقوده منذ آلاف السنين ، شخص لا يرقب في أحد إلا و لا ذمة ، هنا في هذه الأرض ، منذ آلاف السنين ، استغل قرب عهد بني إسرائيل بالإيمان ، و أخذ منهم حليهم ، و صنع منها عجلا ، و نثر عليه من أثر جبريل عليه الصلاة و السلام و فرسه حينما نزلوا لإراق فرعون و جنوده ، فأصبح ذا خوار ، و قال لبني إسرائيل : هذا ربكم و إله موسى فعبدوا العجل من دون الله ! إن من يسلك الطريق الذي لا يسلكه العامة ، ينبش مشككا في التأريخ الذي يقص على العامة ليجد نصيبا لإجتهاده .. الكثير من الأشياء التي أصبحت عنده يقينا مؤكدا ، كانت طيلة فترة بحثه ، مجرد فرضيات يبحث لها عن تأكيد ، و أصبحت الآن واقعا تحقق بعضه ، و يؤمن بوجوده كما يؤمن أنه يتنفس نسيم الشاطئ في هذه المدينة الجميلة ، كان يعلم و هو ابن الخامسة عشرة ، أن أي نظام عالمي ، لا بد له من رئيس ، يحكمه ، و يرسم من يوطد لنظامه في شتى بقاع العالم ، لكنه كان كالكثير من المسلمين اليوم بالوراثة ، يجهل أي شيء مرتبط بشخص اسمه المسيح الدجال ، حتى أخبره أحد أصدقائه في الثانوية ، أنمن علامات الساعة الكبرى شخص سيخرج على الناس آخر الزمان من أحل ادعاء الربوبية و الألوهية ، و أن الله سيعطيه قدرات يفتن بها البشر اختبارا و امتحانا لإيمانهم ، فكان أن ربطت الخيوط من تلقاء نفسها ، استمربحثه طيلة فترته الثانوية ، و بعد أن سافر إلى ألمانيا من أجل الدراسة تأكدت الأمور لديه ، أن من يجلس الآن خلف ستار هذا النظام العالمي الإبليسي ، ليس إلا سامري بنو إسرائيل الذي يقال له منذ تلك الحقبة من الزمان : لا مساس . و جميع من يسيرون نظامه الدجالي ، هم تحت إمرته ، علموا ذلك أم لم يعلموا ، رضوا أم لم يرضوا ، فهم مرغمون على العمل عنده .. الإشارات إليه في نظامه تخرق العين ، و الإشارات إليه في آثار الحضارات السابقة تخرق العين أيضا ، صاحب العين التي ترى كل شيء ، أو هكذا يخيل إليه ، أسس منذ آلاف السنين ، من أجل أن يصل إلى النتيجة التي وصل إليها اليوم و خطته على مشارف الإنتهاء ، لولا أن مكر الله الكبير شديد ، سيصيبه في مقتل بعض زمن ليس بالكثير مقارنة بما فات من عمره .

هو هو صاحب فتنة الصليب ، و من دلس على النصارى في فكرة ابن الله المتجسد ، و هو هو  الذي قسم أمة محمد صلى الله عليه و سلم إلى فرق متناثرة متناحرة ، كل يعبد رمزا قدسه .. ينفذ خططه كالقاتل التسلسلي ، فحينما تتبع الفتن منذ انطلاقها في التأريخ ، تجد بصماته واضحة لكل ذي بصيرة ، نفس أسلوب الإجرام تجده وراءه في كل مرة ، نفس أسلوب الفتنة ، نفس أسلوب التحدي الذي تحدى به موسى عليه الصلاة و السلام حينما قال له : و كذلك سولت لي نفسي ، قالها للعالم حينما انتشرت مخططاته في البروتوكولات و المحافل النورانية العالمية : كذلك سولت لي نفسي ، لأنه يعلم أنه من المنظرين ، و أن لا أحد سيقدر عليه إلى أن يأتي موعده المحدد .

كان يعقوب يعلم أن النخبة في العالم يجتمعون كل مرة من أجل تلقي الأوامر و مناقشة تطبيقها في العالم على العامة ، و أن من لا يفتح عينيه على ما وراء الأشياء المحيطة ، لا يمكنه البتة أن ينجو من الفتنة الكبيرة العوراء التي تتربص بالعالم كما تتربص الحية بطريدتها ، و أن جميع ما سيحدث في المستقبل مخطط له بعناية فائقة ، بشكل خوارزمي ، لا خطأ فيه .. فمثلا  كان يعلم سلفا ، حينما كان يدرس في ألمانيا ، أن النار ستصيب جميع الدول العربية بدون استثناء ، و أنهم خططوا لذلك ، و لكنه لم يعلم كيف حينئذ .

كان شغفه في البحث عن ما وراء الستار كبيرا جدا ، حتى أنه كان يخصص له الليالي الطوال ، يعيد قراءة التأريخ بعيدا عن الطريقة التي يراد للعامة قراءته بها ، كان يأخذ بتلابيب الكتب و المخطوطات ، باحثا عن غريمه الأعور ، فيجد آثاره واضحة جلية ، عبر الأزمان ، بردائه و طريقة تفكيره ، بكبره ، و خداعه ، و علم فيما بينه و بين نفسه ، أن هذا العدو أكبر عدو للبشرية بعد إبليس ، و أن من لم يعرفه ، يوشك أن يتخذه ربا حينما يخرج إذا طالت به الأعمار.  



كان طوال الليالي الخمس التي قضاها هناك ، يستيقظ صباحا ، و يستلقي على ضفاف الشاطئ بعد صلاة الفجر ، و سنام نومة هانئة حتى تشرق عليه الشمس و تدغدغ جفنيه ، فيقوم و يستحم في الشاطئ ، و يعود إلى غرفته . كانت هذه المدينة على صغرها جميلة جدا ، تعتبر قبلة لكل من أراد الراحة و السكون و الخلوة ، غير أن شيئا ما استحوذ على انتباهه ، فقد بدأ في ألمانيا و قبل دخوله إلى المغرب للإستقرار ، في تعلم اللغة العبرية ، باعتبار أن من تعلم لسان قوم أمن مكرهم .. أثار انتباهه ، تردد بعض المل و الكلمات العبرية التي تعلمها ، فعلم أن الصهاينة ، أو عل الأقل عرب إسرائيل يشاركونه نفس الفندق ، لم يثر ذلك دهشته ، فكيان اليهود المغتصب ، لا يبعد عن مدينة شرم الشيخ إلا ببضع كيلومترات ...و لكن الشيء الذي أثار دهشته هو تجوالهم العادي بدون قيود داخل الأراضي المصرية ، بسياراتهم التي يكتب على لوحات ترقيمها : جمرك طابا ، فتعلم تلقائيا أن هذه السيارة قادمة من الكيان المغتصب ، يعربدون هناك ، يقامرون ، يتمتعون ، فوق أرض لازالت عظام جنود مصر الأفذاذ آنذاك شاهدة على وحشية أجدادهم ، حينما كانوا يأمرون الجنود بحفر قبورهم ، و حينما ينتهون يطلقون عليهم الرصاص و يردمون عليهم الرمال التي حفروها .. كان ينظر إليهم بمقت شديد ، و ترسخت عنده العداوة أكثر ، فكما عاهد أجدادهم الصهاينة الأول محمدا صلى الله عليه و سلم على العداوة أبد الدهر ، هو يعاهدهم بينه و بين نفسه على العداوة أبد الدهر ، حتى يأتي اليوم الي يدخل فيه القدس ، بدون قيود ، لتنقى الأرض المقدسة أخيرا من دنس الصهاينة ، و نشتم نسيم الأنبياء ، الذين صلوا عند المسجد الأقصى ليلة الإسراء .

في غد .. أول تجربة في عالم الميكروباص


 



  • 2

  • يعقوب مهدي
    اشتغل في مجال نُظم المعلومات .. و اعشق التصوير و الكتابة
   نشر في 10 شتنبر 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا