طبعا لن أتحدث عن الطاغية بالطبع، ولكن كلامنا عن الطاغية بالصنع، وهل الطاغية يصنع ولا يولد كذلك؟ نعم، الطاغية يصنع ليحكم البلاد والعباد بالحديد والنار ، ولكن في الأخير هو دمية يتحكم بها من يصنع القرار ،كيف ذلك؟ الأمر بسيط نحتاج فقط إلى شخص بسيط حتى لا نقول عبيط، يحب الناس ويحبونه، فيحترمونه ويقدرونه، فيكون كلامه فيهم مسموعا ومطاعا عن حب وإخلاص، مما يولد له سلطة ونفوذ في البلاد، فتأتي جماعة من الأعيان الوصولين ذوي المصالح والمال ممن يسمون برجال الأعمال، ويبايعون على الصلاح العام وأنهم خدام الحاكم الهمام، ويقدمون خدمة جليلة، أو تضحية تكون لهم صنيعة وخديعة يكسبون بها ود وثقة السيد المطاع، وعندما يضمهم إلى المقربين من حشيته ويركن إليهم في مشورته يعمدون إلى تمجيد فعله، وتحسين رأيه في الصالح والطالح، ولا يعارضونه أبدا، حتى يتعود على عدم المعارضة. فإذا تأدى الناس بتدابيره الفاسدة جمعوا له جموعا من أصحاب البطون الجائعة ويعطونهم ملاليم لإظهار طاعتهم وتأييدهم وحبهم لراعي البلاد، ويظهرون له أن المعارضين هم أعداء البلاد، فيقنع بقولهم، ويعمد إلى ردعهم، بتحريض من هادمي البلاد، وكل ذلك من خطتهم في فصل حاكم البلاد عن العباد، حتى لا يسمع لهم صوت، فتتسع الهواة بين الراعي والرعية، ويتحول الحب إلى حقد. وعندما يفطن الحاكم إلى أن أعوانه ذئاب يخشى أن يسحب من تحته البساط فيتمادى في طغيانه على مواطنيه حتى لا يفقد سلطته وربما رأسه معها. وكل ذلك بتخطيط من خدام البلاط، إذ يصنعون منه فزاعة يخيفون بها الشعب لنهب خيراته تحت راية سلطانه. فكلما تمادى في طغيانه زاد نفوذه وسلطانه، وكلما زادت سلطته زادت ثرواتهم التي يكسبونها خفية وعيانا، إذ لن يجرأ أحد على الشكوى، فكل ذلك يحدث بأمر من طاغية البلاد كما يوهمون العباد، وهكذا يصنع الطاغية في البلدان العربية.
-
كريمكناس79مدرس ومؤلف