بعد سنوات عديدة من النزاع السوري ، يطل مؤخرا في حوارات صحفية و تلفزيونية ممثل روسيا و ايرا ن و حزب الله - مدعيا صفة رئيس سوريا - متغنيا بأنه ليس لأي كان أن يقرر مكان الشعب السوري و أن سوريا بلد ذو سيادة و أن السوريون يفرون من ويلات داعش لا من تعذيب ما تبقى من أجهزته الأمنية.
إن طريقة القفز على الحقائق التي استعملها ممثل محور الديكتاتوريين (روسيا، إيران، حزب الله) على الجزء الذي يبسط عليه هذا المحور سيادته، تجعل منه يمارس لواطا إعلاميا، و بغاءا سياسيا، مثله كمثل الذي يستعمل أوراقا نقدية مزورة محاولا إيهام نفسه أنها ذات قيمة نقدية، وهو الأمر الذي لا يقل ألما عن باقي ألام ومواجع سوريا الجريحة.
عندما يتحدث بشار عن كون السوريين هم من يقررون من يحكمهم، لست أدري هل يحاول أن يتناسى ماضيا قرر فيه هو و أبوه كيف يحكم السوريون بالديكتاتورية طيلة نصف قرن من الزمن وفق ما تحدده البوصلة الإيرانية ، أم يريد أن يتجاهل حاضرا تغطي فيه طائرات حربية لأكثر من 50 دولة سماء سوريا، و لقاءات ومؤتمرات تعقد في كل بقاع الأرض يفرض فيها منطق الأقوياء دون أي قول للسوريين فيها. الأمر الذي جعلني لا أجد أي تفسير لادعاءات بشار إلا تفسيرا واحدا و هو أن القرار الذي تتخذه نيران الطائرات الروسية و الميليشيات الإيرانية و ميليشيات حزب الله التي يمثل بشار و عصابته واجهتها هو قرار الشعب السوري المتغنى به .
و خلافا للسيادة التي يدعيها خادم محور الديكتاتوريين، لم تعد لسوريا سيادة، بمفهومها القانوني أو السياسي أو حتى بأي مفهوم رجعي أخر. نعم لم تعد لسوريا سيادة بعد الجرائم التي ارتكبها و مازال يرتكبها بشار تكملة لجرائم والده، لأن سورية فقدت في عهد والده جولانها و في عهده ثلثي مساحتها من دون الجولان ، ليبقى الجزء الذي يعزي نفسه به هو و أذنابه على أنه سوريا - على صغره - يتقاسم السيطرة عليه محور الديكتاتوريين و خدمهم من أتباعه من العسكريين و السياسيين و أصحاب المصالح الذين ينتظرون غذا أخر لإكمال مسيرتهم في نهب سوريا و ثرواتها.
عندما يريد طبيب العيون الأعمى - و قد عمت عيونه عمى قلبه - أن يصيب بالرمد كل المجتمع الدولي ظنا منه أن ما يقوله ذو معنى و تأثير، مدعيا أن السوريين لا يفرون من جحيم القتل و التعذيب الذي يقوم به أزلامه و إنما بسبب بربرية الدواعش ، و أنه في الجزء الذي يمثل هو فيه محور الديكتاتوريين يعيش السوريون الرفاهية و دولة القانون ، كان أولى به أن يشرح لمن يخاطب من عميان مثله: كيف لهؤلاء الملايين الفارين من بربرية الدواعش أن لا يلجئوا إليه على بعد كيلومترات و هو الرئيس الشرعي حد قوله و الذي يمنح الرفاهية و الأمن و قد قطعوا الصحاري ، الجبال ، البحار و المحيطات إلى الجهات الأربع للعالم لاسيما إلى الأردن ، تركيا، مصر ، اروبا ، كندا ، الولايات المتحدة الأمريكية و حتى أستراليا .
عندما يكون الحال كذلك فانه دون أدنى شك فان السوريين ممن لهم القدرة على الفرار صاروا يفرون من وحشية و تعذيب أزلام بشار ومن بربرية داعش و جرائم محور الديكتاتوريين، لأن من يفر من خصمي لا بد أن يأوي إلي و إلا كنت أنا مثل خصمي أو أسوء منه و أشد تنكيلا.
ليس ما سقت أعلاه إلا قراءة بسيطة لتصريحات بشار التي تنكأ الجرح السوري أكثر فأكثر. إلا أني بقدر تألمي لوضع سوريا كبلد، و لوضع السوريين كإخوة في العروبة و الإنسانية ، ما زالت أعيش على أمل رؤية سوريا دون دواعش و دون بشار و دون محور الديكتاتوريين ، مازلت أحلم برؤية سوريا تعود يوما لأبنائها الذين يؤمنون بالحب و السلام الذي تغني به نزار قباني طيلة القرن الماضي.