لا يخفى على القارئ العزيز الكم الهائل من المقالات و المنشورات التي تحمل في طياتها انتقادا لطبيعة مجتمعاتنا العربية بشكل خاص ،فصار واقع التذمر و اللوم صورة متعددة الاوجه تعاش في خضم الواقع ،وبدل النبش في عمق الذات و الانطلاق منها للاصلاح صارت بندقية الذات اكثرا تصويبا نحو خوارجها ،وصار نهج التقليد و التبعية الفكرية سيد الموقف ،فلا قارب النقد جانب القيم الانسانية في شموليتها و لا وضع نهجا جليا يمكن ان يضع التغيير المنادى به علة سكة التحقيق.
وعليه كان لزاما ان نقف وقفة المتأمل فقد طال الامد بهذا النقد منذ فجر الاستقلال الى يومنا هذا ،وحق لاي كائن عاقل ان يجد العلاج لمرض المجتمع الذي استوفى حقه من التشخيص ،فلم يعد منطقيا اليوم الاستمرار في الانتقاد واللوم وليس هذا دعوة للتعايش مع واقع عقيم فهذا النهج اشد وطأة من تأثير المخدرات ،لكنه بالاساس استجابة لحقيقة مفادها انك حامل ملكة عقل وهبت لك لتحيا و تنبذ الموت و الاستقرار ،فالاكتفاء باللوم والشكوى دليل على الجمود ،ان داء المجتمع اليوم لن يعالج مالم ابادر انا وانت ،وكذلك انتم ،لشق دروب التغيير اولا في انفسنا مع الحرص على تعميم هذا النسق ،ليكون واقع الغد انعكاسا اجمل لتظافر جهود عديدة ،والنقلة المرجوة لمجتمعاتنا نحو مراتب التقدم وفق المنطق والتاريخ البشري تتطلب سنوات من العمل لتتبلور ،فلا ييأسن المرء وليغير ما استطاع ففي الغد قد يعيش ابن او حفيد ،و الاهم انسان سيجد واقعا منسجما مع ملكاته العقلية .
فهذا جانب من التخلي عن الانانية في نيل ثمار التغيير ليكون واقعا جمعيا ،سيفرض حتما على الجانب الفاسد من المجتمع الانزواء ،كانه ورم يزال من جسد سليم قاوم و استأسد ولم ينل الزمن من ارادته للشفاء شيئا ،وفي نظري اولى خطوات هذا التغيير ان نموقع انفسنا ازاء القيم التي ضاعت بيننا هباء ا بفعل تسارع المفاهيم و الاحداث من حولنا مم لم يتح للعقل فرصة الركون جانبا و استخلاص المفيد من كل مايجري بدل تقبله فقط صوريا ؛ليعتل بذلك المنظور لمتلازمات الحياة فاختل الواجب والحق ، وتلبس الظلم بالعدل ، ونفيت قيم العلم وصارت البراغماتية منطلقا يعكس نقيضا دوغمائيا لا ترى فيه النتائج المنتظرة من منطلق براغماتي محض ،وفي هذا انتصار لقيمة التعاون والتعايش البناء التي دمرت من مكنونها الانساني وصارت عملتها المتداولة مصلحة لاغير ،ان الغذ بيدنا فرصة ان يكون اكثر اشراقا للاجيال المقبلة ان نحن بادرنا دون انتظار المجتمع ككلية ان يتغير ،فلن يتم ذلك مالم تكن النواة هي الانسان في حد ذاته و هنا تقع على كل فرد المسؤولية في التغيير و زرع بوادره في محيطه الصغير وخاصة في اوساط الجيل الناشيء ،و الا فانه باكتفائه باللوم و التذمر لن يقل سوء ا عن حفنة المفسدين الذين افقدوا اوطاننا دفئ الانتماء و لذة العيشة,وان تبادر معناه الآن وليس غدا.
التعليقات
دمت بعافية