انتبه أنت تعيش حداثةً سائلة !!
"ما يخيف بالأمر أن الحداثة السائلة تدفقت إلى العلاقات الإنسانية التي خضعت للسيولة وأصبحت سلعة مثل السلع الاستهلاكية"
نشر في 21 غشت 2019 .
منذ غرة التاريخ وهذا العالم يعيش مراحل وتغييرات كثيرة يقف خلفها الإنسان، ومتطلبات عيشه التي تتفاعل مع محيطه، ليخلق حالة من التغيير المستمر. لكن هل سمعتم يوماً بمرحلة الحداثة السائلة التي نعيشها؟
يتحدث عالم الاجتماع البولندي سيغمونت باومان في كتابه "الحداثة السائلة" عن فكرة الحداثة، ويأطر لنظرية الحداثة السائلة. ويُقصد بالحداثة مرحلة التطور في أوروبا منذ العصور الوسطى إلى فترة نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد كانت أوجه التطور في هذه الفترة هي عبارة عن أفكار وآراء فلسفية دعت إلى الثورة على المقدس والنص والحدود والانفتاح على كل شيء، كما يسميها باومان "مرحلة الإذابة"، أي إذابة الأفكار الصلبة التي تشكلت بفعل سلطة الكنيسة أو بسبب الروابط الاجتماعية في أوروبا في مرحلة ما قبل الحداثة، وإبدالها بأفكار صلبة تتسق مع العقل البشري.
لم تكن الإذابة في فترة الحداثة هدفاً، بل كانت وسيلة لصناعة أفكار وقوالب صلبة جديدة تؤمن بمركزية العقل ومنحه السيادة الكاملة والسعي به نحو الكمال بعيداً عن تكبيله بالأفكار الصلبة والميتافيزيقية. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية بدأت مرحلة جديدة في العالم تسمى فترة ما بعد الحداثة أو كما يسميها باومان "الحداثة السائلة".
في مرحلة الحداثة السائلة أصبحت "الإذابة" غايةً بحد ذاتها، فالحداثة السائلة لا تسعى للوصول إلى الكمال، لأنها قائمة على التجديد والتحديث الدائمين.
ما يميز هذه الفترة أنها ترفض كل فكرة صلبة وتسعى لإذابتها، والشيء الوحيد الثابت فيها هو التغير، والفكرة الوحيدة التي تؤمن بها هي السيولة. ومشكلة السيولة هي أنه لا يمكنك التنبؤ بمستقبلها لأنها لا تحتفظ بشكلٍ محدد ولا تعترف بالزمن نهائياً.
تعزز الرأسمالية القائمة على الاستهلاك فكرة الحداثة السائلة، فلا شيء ثابت فيها وكل شيء له تاريخ صلاحية، بالإضافة إلى أنها تجعلك في حالة دائمة من التسوق. فما يباع اليوم لن يصلح للبيع غداً ما لم يتطور ويتغير ولنا في "بلاك بيري" و "نوكيا" خير مثال. ما يخيف بالأمر أن الحداثة السائلة تدفقت إلى العلاقات الإنسانية التي خضعت للسيولة وأصبحت سلعة مثل السلع الاستهلاكية، فبتنا نستهلك العلاقات ولا ننتجها. أي متى ما انتفت الحاجة إلى العلاقة نبدلها بعلاقة أخرى تشبع رغباتنا، وأصبح ما يطبق على أي سلعة استهلاكية يطبق على علاقاتنا الإنسانية.
وأخيراً أعتقد أن الحداثة السائلة التي تسعى لإذابة كل شيء ستذيب نفسها بنفسها، لتحل محلها مرحلة جديدة، سيؤرخها ويأطرها باومان جديد، في كتابٍ جديد. محبتي.
-
إبراهيم بن حاتمإماراتي الأصل رافديني الهوى عاشق على ذمة بغداد