من دون فوتوشوب ..
ونتحدث كثيرا . . كي لا نقول شيئا !
نشر في 05 يونيو 2016 .
صرنا نلعب " لعبة الصراحة " و كأنّنا نعترف بأننا غير صريحين ، و خصّصنا شهر أبريل للكذب و كأننا بباقي أشهر السنة صادقون ..
نمضي أكثر من عشرين سنة ندرس لنتخصّص و نحصل على شهادة دكتوراه في علم معيّن و شهادة أمّية في باقي العلوم ..
البعض منا مصاب بـ " أنوركسيا" معرفيّة ، و البعض الآخر مصاب بـ "بوليميا" التفاهات و الأخبار الفارغة ..
أصبحنا بخلاء في نشر مشاعرنا الجميلة و كرماء في الانتقاد و السخرية ممن حولنا بأساليب وضيعة ..
و في كل مرة نريد أن نستنكر أخلاقيات البشر من حولنا نقول " واخا يكون يهودي مايديرها "و ننسى أنه من المستحيل أن تتجاوز فرضية معاكسة حنجرة يهوديّ و لو خطأ و لو أصيب بزهايمر عقائدي ..
نعود من الحجّ كما ولدتنا أمّهاتنا لنتلطّخ بالوحل مرة أخرى و نحلم بحجّ آخر ينظّفنا من جديد !
غدونا نصادف كثيرا من الملحدين يلوكون بإتقان الأحاديث و الآيات القرآنية ، ونجد بالمقابل كثيرا من المسلمين بالكاد يحفظون السور الصّغيرة ..
ندفع مالا لنشاهد فيلم رعب يمنحنا كوابيسا مرتّبة ليلا و نشاهد باستمتاع الدماء تتناثر في حلبة الملاكمة و نتتبّع لعبة مصارعة الثيران الاسبانية التي ثبت أن لديها عمى ألوان !
نؤمن أننا من دون صحّتنا لا شيء ، لكننا نأكل أطعمة نعلم أن بها موادا مصنعة وملوّنة و مسرطنة ..
و نشتري من الصيدلية مكمّلات غذائية و ڤيتامينات و نتركها في الأغذية الطبيعية ، صار الأكل غير الصّحي بنظرنا أمرا عاديّا و أسمينا الأكل الصّحي ريجيما !
و انتشرت أيام عالمية غريبة بالرّزنامة العالمية ، فظهر اليوم العالمي للتواضع بأواخر فبراير و يوم الأقارب بمنتصف مايو و يوم المسامحة بنهاية يونيو ، و كأنّنا نحتاج يوما عالميا لنتواضع و آخر لنصل أقاربنا و آخر لنُسامح و نعفو ، و كأن الصفات الراقية و الأخلاق النقية باتت تحتاج هي الأخرى يوما لتحيى به ..
انقلبت المفاهيم و بات الأصل استثناء و الإستثناء أصلا اعتدناه ، لذلك فإن حصل و صادفت شرطيّا نزيها استغربت و إن التقيت محاميا صادقا استعجبت ،و إن خدمك إداريّ غير مرتشي كفرت بانتهاء زمن المعجزات و إن درسك أستاذ ذو ضمير شيّدت له في داخلك قصورا من الإمتنان ..
عرّينا الصفات الجميلة التي تميز الإنسان عن الحيوان ، و هاهو الساخر الأمريكي مارك توين يقول : " الانسان هو الكائن الوحيد الذي يخجل لأنه الوحيد الذي يفعل ما يُخجل "
و هاهو الفيزيائيّ و المفكر العراقي جمال حسين علي يؤكّدها فيقول :" هل رأيتم كلبا فعلها ،هل سمعتم بخنزير قام بها ؟ وحده الإنسان يضحك عليك عندما تسقط في حفرة ، أو تنزلق في وحل أو تغوص بمستنقع بدلا من أن يمد يده إليك ! "
بالحقيقة يا سيدي ما عدنا نضحك فقط لقد صرنا نوثّق ذلك صوتا و صورة بهواتفنا الذكية ! إنّ سماجتنا و فراغنا الوجوديّ بهذا الكوكب يتضخّم ، إننا نتكاثر بشكل مخيف ..
و في الختم ..إننا نحتاج أن يقوم القذافي من قبره ليذكّرنا بفلسفته العميقة : من أنتم !
-
السعدية بن التيس ( صحيفتك فملأها بما شئت )علمية التخصص .. أدبية الشغف !