صار واقع الانتقاد والتذمر بمجتمعاتنا العربية سلوكيا نمطيا ،تنهجه الانظمة والافراد على حد السواء،نوع من الحلقات المفرغة التي يدور فيها الوضع العام للعالم العربي،فتجد نظاما عربيا يتبادل الانتقاد مع نظير له ،مكرسا لمفهوم المؤامرة بصيغة اكثر خصوصية ،بعيدا عن الشكل العام الذي تتبناه جل الانظمة لتعلل انتكاساتها وتبرر اخفاقاتها .
والحديث عن التغيير يكون غالبا هلاميا يقارب الصورة اكثر من التحقيق بداية باكذوبة الديمقراطية ،مرورا بالتطبيل لحقوق الانسان،الى التودد للبنوك الدولية بصيغة مشاريع تنموية،تنمي امتيازات القلة على حساب الكل،وتكرس لواقع التبعية في اقسى اشكالها الاقتصادية ،لتكون بذلك التبعية السياسية من حيث إملاء يا يجب ان يكون نتيجة منطقية لامحيد عنها،تم اجهاض جميع المشاريع التي كان من شأنها ان تنقل العالم العربي إبان ربيعه المزعوم نحو شكل اخر ميزته تحرر العقل وكسر القيد النمطي لمنظومة الصمت والقمع المتعدد المستويات الذي تنهجه الانظمة.
لقد ابانت الصورة الحالية ،عدم نجاعة فلسفة الانتقاد والصياح ،لا لشيء لغياب العمل الجبار المواكب لها والاكتفاء بها كشكل من اشكال الخروج عن المألوف،واقع هزلي يناضل فيه الشباب ليتولى الشيب بعدها زمام الامور ،ويودع كل معارض بين جدراني زنزانة او يتهم بزعزة المكتسبات،نعيش بكم هائل من الاحتقان الكل ينتقد بل و يتفنن في ذلك بما اوتي من قوة مواقع التواصل ،شكل من اشكال التخدير التي تخدم الشكل الجديد للديمقراطية وحق التعبير في بلداننا ان يظل حبيس العالم الافتراضي ،ان اول مؤشر يجب ان يدل على نجاعة الانتقاد ان تبدو في الافق معالم التغيير يواكبه حراك فكري ليس في القنوات بل على مستوى الانتاج الادبي ،وقس على ذلك الانتاج العلمي ،
نحن في واقع يجب ان نسلم فيه ان لامحيد ولامفر من الانكباب على إحداث تغيير مبدأه الذات والحلقة الضيقة (الاسرة ،الاصدقاء) بوتيرة موازية ان اردنا الخير العميم والنهضة المنشودة ،لقد مللنا من هذا الكم الهائل من الكلام و التلاعب بالمفاهيم ،لا سبيل اليوم سوى التعلم الذاتي بعيدا عن هشاشة منظومتنا التعليمية العقيمة جدا المكرسة لفلسفة الحشو والكم،نحتاج قبل كل شيء لبناء انسان سوي ،يعطي عقله القيمة التي اريدت له ،وان يضع مجهوده في السبيل الصحيح نحو التحقق ،بداية بالطفل الذي لن يتحقق كمفهوم انسان في المستقبل بالواجبات المدرسية واطنان الكتب المدرسية مرورا بالمسلسلات الكرتونية الركيكة وغيرها،بقدر مايكفله بناء اخلاقي يكون فيه الواجب المدرسي على قدر المساواة مع تحقق حق التعليم الراقي،اكبر انتكاستنا مصدرها التعليم بشكله الحالي الذي لزم نفس الصورة منذ عقود ،ادت الى انكسار قيمة المعرفة والاستاذ معا .
ان ضخ دماء جديدة اليوم لن تكفله قوانين جديدة،ومشاريع لا تضع نصب اعينها اهدافا مكممة وتكتفي بالشعارات ،ليس اصلاح التعليم مانرجوه كشعار لكن نريد اهدافا محددة ،عدد الاسهامات العلمية التي يجب تحقيقها في افق سنة مثلا،تكريس الفكر الريادي بطرق اكثر نجاعة تجعل من النجاح واقعا منطقيا لا حلما كما يبدو في الدول العربية.
و اضعف الايمان اليوم ان يكون الهدف نقل الذات الى شكلها الذي تريده هي شيئا فشيئا ،كل السبل والوسائل اليوم متوفرة ،بعيدا عن انتظار الاصلاحات و التغيير ،الذي يجب ان نعي انه لا يتحقق بلمسة سحرية او قانون جذري او حراك سمته الصراخ ،مالم يكن نتيجة منطقية مبتدأها الذات ،لا تنتظر ان يهب لمساعدتك احد ،ولا تلم وتلعن الواقع مالم تحاول وضع بصمتك فيه ،وليس هذا بالامر السهل طبعا فمتعة الانجاز لا تكتمل مالم يتخللها التحدي ،غير انت في نفسك وانا كذلك و الاخر عندها نرسم جميعا صورة تغيير اكثر صدقا ومتانة .