قراءة في كتاب ( المشوق إلى القراءة و طلب العلم ) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

قراءة في كتاب ( المشوق إلى القراءة و طلب العلم )

  نشر في 08 أكتوبر 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

بقلم لطيفة أسير

إذا كان العنوان الشرفة التي تطل على النص كما قال كيليطو ، فإن عنوان كتاب ( المشوق إلى القراءة وطلب العلم ) كان كذلك، إذْ وُفق ناظم حروفه وجامع فوائده علي بن محمد العمران في هذا الانتقاء، فكان فعلا مشوقا للقراءة وباعثا حثيثا على الاستزادة من فوائده وتقصي أخبار تلك الدرر التي أشار إليها المؤلف بين ثنايا الكتاب.

اطلعتُ على الكتاب ورقيا ثم أعدتُ قراءته في نسخة إلكترونية طبعة دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع، ولم يجد الملل سبيلا لتخذيلي عن متابعة القراءة ، بل زاد انتباهي ونشِطت أناملي لتسجيل ما حواه من درر ونفائس.

وانسجامًا مع واقع القراءة بعالمنا العربي، فإنّ الأسباب الباعثة على تسطير هذا السِّفر الجميل لخصها الكاتب في أمرين عظيمين:

أولهما تنامي ظاهرة العزوف عن القراءة عند الناس عامة و طُلاّب الألقاب والمناصب من طلبة العلم خاصة .

وثانيهما استثارة الهمم، وشحذ الخواطر، وتبصير طلاب العلم بما كان عليه سلفهم من العلماء والأئمة من صبر وجلد في تحصيل العلم وبذله.

والغريب أن تجد داء الفتور وخور الهمم عند طلاب العلم في زمن سابق عن زمننا الذي نتّهمه بكل نقيصة، فها هو ابن الجوزي يقول : ( كانت همم القدماء من العلماء عليّة، تدلّ عليها تصانيفهم، التي هي زبدة أعمارهم، إلا أنّ أكثر تصانيفهم دَثَرت، لأنّ همم الطلاب ضعفت، فصاروا يطلبون المختصرات ولا ينشطون للمطولات، ثم اقتصروا على ما يدرسون به من بعضها، فدَثَرت الكتب ولم تنسخ ).

عرَض الكاتب مادته العلمية في سبعة فصول حلقت بالقارئ في( حياة العلماء مع الكتب، في اهتمامهم بها قراءة وإقراء، في تحصيلهم لها شراء واستنساخا، في شغفهم بها، وحرصهم عليها، واصطحابها معهم سفرا وحضرا، في مواقف عجيبة وصور مُعْجِبة). وكانت بحق رحلة مشرقة ومشوقة جعلتني أشعر بضآلتي وقصور همتي وقلة صبري كحال جلّ قراء زمننا الذي ( اجتمع فيه إلى ضعف الهمم ، وخوَر العزائم، سيلٌ هادر من الملهِيات والمشغلات عن القراءة، بل عن العلم جملة ) .

استهل الكاتب حديثه بالحث على طلب العلم انطلاقا من النصوص الشرعية ، وبيان حال الأنبياء في تحصيله كما في قصة موسى عليه السلام مع الخضر، ثم ذكر نماذج للصحابة الكرام وسلف الأمة الصالح، وعلو همتهم في التحصيل وطلب العلم حتى في لحظات احتضارهم وصراعهم مع المرض.

في الفصل الثاني تحدث الدكتور علي بن محمد عن حرص العلماء وشغفهم بالكتب قراءة وتحصيلا قديما وحديثا، كابن تيمية - رحمه الله - الذي حباه الله بصرًا نافذًا ونفسًا طلعة لا تكاد تشبع من العلم، وابن الجوزي الذي أخبر عن حاله أنه لا يشبع من مطالعة الكتب.. وأنّى للمنهوم أن يشبع !

بالفصل كذلك حديث ماتع عن من لازم الكتب حضرا وسفرا وحملها على ظهره في رحلاته. و من استغنى بمجالسة كتبه عن مخالطة الناس. من ذلك ما ذكره الذهبي في السير: عن نعيم بن حماد قال: كان ابن المبارك يُكثر الجلوس في بيته، فقيل له : ألا تستوحش؟ فقال: كيف أستوحشُ وأنا مع النبي صلى الله عليه وصحبه .

وغرائب من تزوج فانشغل بالعبادة والمطالعة ، أو شغلته المطالعة عن النوافل، ومن ظل أعوامًا لا ينام إلا والكتاب في يده، و من ضعف بصره من كثرة المطالعة ، ومن باع بيته من أجل اقتناء الكتب، ومن كان يطرد النوم بالمطالعة بدل أن يستجلبه بها كحالنا اليوم . فقد حكى الجاحظ عن ابن الجهم قوله : ( إذا غشيني النعاس في غير وقت نوم – وبئس الشيء النوم الفاضل عن الحاجة – قال : فإذا اعتراني ذلك تناولت كتابًا من كتب الحكمة، فأجد اهتزازي للفوائد، والأريحية التي تعتريني عند الظفر ببعض الحاجة، والذي يغشى قلبي من سرور الاستبانة وعز التبيين، أشدّ إيقاظا من نهيق الحمير وهدّة الهدم ) .

في الفصول اللاحقة سرَد المؤلف قصصًا جمّة تحكي عجائب السلف في مطالعة المطولات ، و تكرارهم قراءة الكتاب الواحد وتدريسه مرات عديدة حتى أصبحت الكتب سميرهم وهجيرهم لا يفارقون قراءتها. كالمزني الذي ظل يقرأ الرسالة للشافعي ويعيدها طيلة 50 سنة ، و أبوبكر بن عطية الذي كرر قراءة البخاري 700 مرة. بل إن بعضهم من شدة اهتمامه بالكتاب الواحد وتدريسه له كان يعرف به. و في نسخ الكتب وبيان ما تحمّلوه في ذلك كانت هناك غرائب أُخَر.

الفصل الأخير المعنون ب ( إيقاظات وتنبيهات ) كان عبارة عن نصائح وتوجيهات لطالب العلم في:

- بيان العلوم التي ينبغي التبحر فيها وهي العلوم الشرعية التي تزيدك معرفة بالله وطاعة له. ثم الدعوة إلى الموازنة بين قراءة الكتب والأخذ عن المشايخ ومنهجية التلقي عنهم، لأن ( العلم وإن كان مودعا في بطون الكتب، إلا أنّ مفاتحه بأيدي الرجال ) ، قال الإمام النووي : ( مذاكرة حاذق في الفنّ ساعة أنفع من المطالعة والحفظ ساعات بل أياما ) .

- التعرف على أنواع القراءات لاكتساب المزيد من مهارات القراءة.

- تقييد الفوائد لأنّ ( الحفظ خوّان ) .

خلاصة القول أن الكتاب جميل ومفيد ويستحق أن يحجز مكانا بمكتبتك ، ويشغل حيّزا من وقتك، بل إن المؤسسات التعليمية أوْلى ببرمجته ضمن مقرراتها الدراسية حتى يطّلع طلبة العلم على الهمم العالية ،والنماذج المشرقة لعلماء الأمة الذين أفنوا حياتهم مع المحبرة إلى المقبرة. والذين جعلوا القراءة قوام حياتهم وبذلوا لأجل تحصيلها الغالي والنفيس، حتى غدت أحوالهم ضربا من ضروب الخيال بالنسبة لجيل يستثقل قراءة صفحة فأحرى مئات الصفحات، ويُعجزه الكتاب فأحرى عشرات المجلدات.

يقول الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد في كتابه ( تراجم لتسعة من الأعلام ) :

فإن الهمم لتخمد ، و إن الرياح لتسكن ، وإن النفوس ليعتريها الملل ،وينتابها الفتور ، وإن سيَر العظماء لمِن أعظم ما يذكي الأوار ، ويبعث الهمم ، ويرتقي بالعقول ، ويوحي بالاقتداء ، وكم من الناس من أقبل على الجِد ، وتداعى إلى العمل ، وانبعث إلى معالي الأمور ، وترقى في مدارج الكمالات بسبب حكاية قرأها ، أو حادثة رويت له .


  • 2

  • لطيفة أسير
    كاتبة ، نشرت لي مقالات بكثيرمن المواقع منها مدونة الجزيرة وموقع الألوكة وطريق الإسلام وهوية بريس وغيرهم، صدر لي كتاب منذ سنة بعنوان ( فسحة قلم ) وكتاب آخر مخطوط بعنوان ( رجع الصدى ).
   نشر في 08 أكتوبر 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

akram منذ 6 سنة
رائع
0

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا