المنزل ذي السقف الأحمر - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

المنزل ذي السقف الأحمر

الفصل الأول: مواجهة

  نشر في 20 يناير 2020 .

    كنت قد اعتدت على السفر منذ تحررت منه، مذ قررت أن أعود للحياة، في الحقيقة مذ قررت أنني لن أسمح لأي كان أن يسلبني مني، أن يدخلني نعش الموت قبل الوقت الذي قرر لي مسبقاً، اعتدته لكنني لم أفقد شغفي اتجاهه، لم يكن السفر من أجل المتعة، بل من أجل أن أكتب الكتاب الجديد، "نساء حول العالم"، بعد ما مررت به، أخذت على عاتقي ألا أبقي صوت المظلومات مكتوماً، كنت أريد أن أصبح صوتهن الذي لن يسمعه أحد ما دمن مغمورات في حياتهن وأعباءها، أردت أن أكون اليد التي تثبت للعالم أنه مليء بالظلام والقسوة وأن كل الشعارات التي ينادي ويندد بها تتوقف عند أولئك أصحاب الأموال والنفوذ والسيطرة، أردت لكل واحدة ذاقت من النيران نفسها التي أشعلتني أن تذوق أيضاً نفس الأمان والاحساس بالكرامة الذي عرفته فيما بعد، طفت معظم الأماكن، حاولت قدري واستطاعتي أن أحوّر في حروفي القدرة لكي تقتبس منهن، وأدري في النهاية أنه مهما كتبت فلن أفي حق شعورهن ودموعهن المريرة التي ذرفت على سنوات عمرهن الطويل!

ذات مساء جنوني، قررت أن أسافر لأجلي، أعترف أنها كانت من أكثر الخطوات تهوراً التي أخذتها، لأنه للمرة الأولى من سنوات سأخرج من حكايا الناس لألتفت لحكايتي، لم أكن أعلم أن كل الذين سألتقي بهم هناك من سيدفعونني حقاً لتقشير جلد القوقعة عني، أدميت يداي وتشققت عظامي وترشح مني كل ما ظننته انتهى. كتبت لروز، روز امرأة في الخمسين من العمر، لكنها تكره حقاً أن أناديها بخالتي، تشعر بأن هذا الاسم يكسبها عمراً إضافياً، كنت أخجل في البداية من مناداتها هكذا، وفي النهاية اعتدت عليه حتى إذا غضبت منها كنت أناديها بالخالة فتفهم هي بالطبع، لم أرى ثائرتها تثور طوال فترة مكوثي معها، ربما هي حكمة التقدم في العمر، هي النافذة الوسيعة للتجارب، وقميص الحنكة الواسع الذي كانت تتملكه وتتصف به، وربما بالأساس عملها كمحامية ناجعة، تطوع بين يديها كل الحقائق وقبل أن تصدر أي حكم تتروى وتقرأ كل الزوايا، علمتني الكثير مذ عرفتها وازددت بحنانها قوة فوق قوتي. كتبت لها:

"العزيزة روز:

أغادر هذه المرة لأبحث عن نفسي، أمضيت سنوات خمس أجوب العالم من حولي وأكتب عن كل النساء اللواتي أريد لهن الحياة والسعادة، والحقيقة أنني كنت أحاول الهروب من نفسي وحقائقي، نفسي التي لا أدري أين أضعتها، فقد فقدتها على مراحل ولم يبقَ إلا الفتات، أغادر لألتقي بماري التي أريدها، ماري التي تخليت عنها طويلاً واختبأت وراء قصص الآخرين لألا ألتقي بها، ادع لأجلي وتمني لي الحظ الوفير، أنا محتاجة لهذا القرار، هو جنون لم تعهديه مني، لكنني هذه المرة لا أهرب، بل أفضل أن أواجه كما أردت مني الليلة قبل الماضية حين فقدت أعصابك للمرة الأولى، أحبك للسماء وما بعدها" .

لم أكن أريد لأحد أن يجعلني أتراجع عن قراري، هي رحلة للبحث عن الذات، عن كل القطع التي كسرت وفقدت مني طوال هذا الركض الطويل، هي فقط مجرد استراحة من لهاث العمر الصعب! وددت العودة من حيث بدأت، اخترت مكاناً يشبه الذي ترعرت فيه وكبرت، أردت أن أواجه الماضي كله، لم أعد أريد الاختباء وراء الجدران التي بنيتها، وهربت بها بعيداً عن الألم، أريد المواجهة بعد اليوم، كما حرضت الكثيرات ليواجهن ظروفهن الصعبة، كان يجب أن أنتفع أنا من كلماتي التي أمضيت الوقت وأنا أكتبها، كان من السهل جداً أن أخبرهن بالمواجهة، أن أحفزهن، من السهل جداً أن تكتب عن العظمة ولكن من الصعوبة بمكان أن تحققها، لمست هذا من تجربتي، من تخبطي، لهذا أود الاعتذار لكل تلك النساء، لكل المرات التي تكلمت بها بحماسة دون أن أراعي ظروفهن وربما هشاشة أرواحهن، لم أعلم هذا إلا بعد أن عشت التجربة، من لم يذق ضرب العصي لن يدري صعوبة المشي على القدمين!

في الريف، حيث بدأ كل شيء، طفلة بشعر صبي، أشعث، متفرق، تعلو رأسها قبعة مزارعي الحقل، تحلب البقرة الوحيدة للعائلة، تحاول عبثاً ألا تبكي، لكنها تفشل فتهرب منها دمعة متمردة، منذ قليل فقط أنهى والدها قصه الجائر لشعرها بعد أن أكتشف أنها تربيه خلسة وتخبئه داخل قطعة قماش تلف بها رأسها متحججة بالبرد، أردت العودة لهناك، حيث لا والدة تحميك ولا إيمان في صدرك يكفي ليمنعك من قسوة الأسئلة، كنت طفلة، والحق يقال، بأن الفضول كان يعتريني اتجاه كل شيء، فقدت أمي وأنا صغيرة لهذا ربما لا أملك ملامح خاصة لها في ذاكرتي، فقط طيف دافئ لا وجه يعتليه، ربتني عمتي الأرملة، لأعطيها حقها فقد كانت عطوفة معي، حاولت قدر الإمكان أن تحميني من أبي لكنها كانت تفشل أحياناً ومعظم الوقت كانت تفضل النجاة بنفسها من غضبه لألا يطالها ويطال طفلها الوحيد اليتيم، في ذلك الوقت كنت أحقد عليها أحياناً ومعظم الوقت أكره أبي، لكنني الآن وفقط وحين مرت كل هذه الأيام أستطيع أن أتعاطف معها وأقدر صعوبة الموقف الذي كانت به! سامحتها مع الوقت على كل المرات التي غطت بها رأسها تحت الفراش وهي تستمع لصوت السوط يمر فوق جلدي، حتى سامحتها على خذلانها للفتاة ذات السبعة عشر عاماً المقتادة من يد زوجها! 


  • 1

   نشر في 20 يناير 2020 .

التعليقات

Dallash منذ 4 سنة
احسنت اختي الفاضلة الكريمة
3

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا