ثلاث ساعات كانت كافية على أن تلعن منظومة الصحة على بكرة أبيها ، وتراودك أفكار بين الهجرة من هذا البلد المريض وبين أن تقضي ما تبقى من حياتك معتقلا بسبب رفسك لأحد الساديين العاملين داخله .
أن يداهمك المرض يوم الأحد (يوم عطلة) فاعلم أن معاناتك معانتان، معاناة المرض ثم معاناة من خُول له التخفيف من مرضك.
تدخل إلى مستشفى فتحس أنك داخل سوق أسبوعي أو سرك بسبب ''الحلاقي'' والتجمعات وسوء التنظيم التي تعرفها مستشفياتنا ، فتجلس في "الكلوار" مُحاطا بنواح وآهات المرضى الجالسين أمام أنضارك وكأن قنبلة ضربت المكان ، ورغم الآلام التي تعاني منها فلن تجد من يخفف عنك آلامك إلا مشهد المرضى الأكثر ألما منك .
في هذه الظروف ، طبيب واحد قابع في مكتبه ، جامد الملامح وكأن مشاعره ثم استئصالها فلا يحس بما نحس به نحن عندما نسمع الآهات ، وجهه يعطي لك انطباع بأن العبوس من أعراف مهنة الطب وأن الابتسامة من شيم الطبيب الفاشل ، لذلك لن تجد طبيب فاشل في مستشفياتنا ، تبقى أنيس معاناتك لبرهة طويلة الى أن تنال شرف التحدث الى الطبيب ، فيستقبلك بعد طول انتظار بنظرات حادة واستقبال لا يختلف عن استقبال الشرطي إلا في "البلوزة التي يلبسها الطبيب" والنياشين التي يحملها الشرطي طبعا ، تحكي له أوجاعك فيضرب لك موعد من أجل العودة للمستشفى من أجل اجتياز أشعة الراديو للتشخيص في أقرب الآجال ( اقلها 20 يوم ) فتبقى طول هذه المدة حبيس آلامك ، أو يكتب لك ما تيسر في ورقة ويرسلك إلى المُمرض الوحيد في المستشفى في هذا اليوم المشؤوم ليتكفل بما تبقى .
تعود بورقة تنتظر دورك بين من ساقتهم الأقدار إلى هذا الجحيم .
يتوجه نظرك الى المُمرض ، وهو الحلقة الثانية من هذه المنظومة المهترئة ، يعطي لك إحساس أنه فُرض عليه العمل في هذا القطاع ، يمر في "الكلوارات" بسرعة قطارات TGV ، يشترك في سماته مع الطبيب في عدم الضحك للمرضى وجمود محياه وبرودة مشاعره ، غير أنه من حين لآخر وحفاظا على نظام العام ينظر إلى الجميع نظرات تحمل في طياتها الوعيد لكل من يحمل ذرة كرامة و يحاول الانتفاضة على الأوضاع اللاإنسانية داخل هده العزبة ،
وحتى لا ننسى ففي مستشفياتنا هناك عنصر ثالث لا يقل أهمية عن الطبيب ولا عن الممرض ، السيكوريتي أو الحارس وهو العالٍم بخبايا هذا العبث ، الشخص الوحيد الذي من ممكن أن تتحدث معه ويجيبك من دون أن يهدر كرامتك، فهو يساعد في نقل المرضى ويرشد ويخفف عنك ويعطي لك بعض المعلومات التي تعتبر من أسرار المستشفى العُليا ( كأن الطبيب خرج ولن يعود في هذا اليوم مثلا أو أنه "سَالتْ" من العمل ) فمثل هذه المعلومات الحساسة لا يمكن الإفصاح عنها للمريض العادي ، حفاظا على النظام العام .
وكلي يقين بأن الأوضاع ستبقى كما هي طالما أن مسؤولينا ووزراءنا لا يتعالجون هم وأقربائهم داخلها .
فكفانا الله زيارة هذه الأماكن .وجعلها لنا كفارة يوم القيامة إن شاء الله
التعليقات
تفاءل سيد رشيد...ما دام فيه رب كبير قادر و متعال فالأوضاع لن تبقى هكذا..ثم من يعالج في الخارج هذه شأنه يجب ان نرتقي بفكرنا و لا نرجم بعضنا البعض بل نتقدم و ننزل للميدان و نعمل في حدود قدرتنا.و نغير للأحسن.
جميل ما كتبت.