حالة حرجة.. - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

حالة حرجة..

مثل فاطمة ألآف الأمهات ومثل وسيم حالات..

  نشر في 25 ديسمبر 2019  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

لم أكنْ أعلم أنني سأرى الحب في وجه سيدة تدعى فاطمة.. هي إمرأة في الأربعين و أم لأربعة أبناء، أصغرهم كان يدعى "وسيم" كان يحضنها بكل قوة و بأصابعه الصغيرة يضغط على وجهها خوفا من أن ترى غيره فكانت تنظرُ إليه و يهدأ ثم تكملُ الحديثَ معي و ينفعل ثم تنظرُ إليه و يهدأ مجددا.. كانت هيَ المسيطرة في حالة الحب هذه أو هكذا يبدو للوهلة الأولى لكن بعد أن وضع الصغير داخل أجهزة الأشعة، إختفتْ من وجهها تلك الثقة و أصبحت متوترة ثم قالت لي :

هل سينجو؟!

نظرتُ في إستغراب ثم قلتُ : إنه كشف بالأشعة وليستْ عملية.. سيكون بخير!

لم تستجب لي ثم أمسكتْ بيده و قبلتها و داعبته كأنَّ للحظة الفراق قد حلّتْ.. وقالت :

هل أستطيع أن ابقى معه؟!

رأيتُ في تلكَ اللحظة نظرة ثورية و مشاعر قد تخرجُ منها قوة لن تستوعبها بعقلها البسيط.. كانت بالنسبة لي هيَ الحالة و ليس الطفل!

بعد مدة بسيطة إنتهيتُ من عمل أشعة "سكانير" للطفل على مستوى الرأس.. إذ بي أعلم أنه يحملُ ورم في الدماغ و حالته تستوجب عملية جراحية، لم أستطع الخروج و إعلامها بحقيقة الأمر و بعد أن حاولتُ كبحَ مشاعري خرجتُ إليها و حاولتُ طمأنتها ثم أخرجتُ الصغير من جهاز الأشعة و كان هادئ وثابت رغم انه لا يتجاوز خمسَ سنوات من عمره وهذا ما زادني رغبةً ملحة في أن أتبعَ حالته و بعد يومين علمتُ أن موعد العملية قريب و مرَّ أسبوع و علمتُ أنَّ العملية نجحتْ.. زرتُ الصغير في العناية المركزة و كان مستلقيا على فراشٍ كبير و جسدهُ الصغير مليئ بأجهزة عديدة وحول رأسه ضمادة كبيرة تكاد تُخفي ملامحه..​في تلك اللحظة تذكرتني الأم و رأيتُ خوفا كبيرا في عيونها وقالت لي بصوتٍ مبحوح و منهزم :

هل هناك أشعة أخرى؟!

اجبتها : نعم.. يكون خير إنشاء الله.

أمسكتْ بيدي بقوة وقالت : أبوه غائب و هذا أمرٌ كسرَ ظهري و أيقض مشاعر الكراهية بداخلي تجاهه.. يعلمُ أنه مريض و لا يريدُ أن يتكلَّف بمصاريف العملية، حسبي الله ونعم الوكيل

ثم جلستْ تحاول أن تُخفي دموعها و قالت :

المهم ان يتعافى!..

كانت تتكلم أو تفضفض دون أن تهتم هل أستمعُ لها أم لا؟!

خرجتُ من العناية المركزة آملةً لوسيم الصحة و العافية و قبل وصولي لمكان عملي علمتُ أن مريض قد ساءت حالته و الجميع يجري بسرعة و تطلَّبت حالته عمل سكانير بسرعة قصوى.. لن أنسى كيف كان جسده الصغير باردا ووجه مستسلما لأيادي كثيرة و كان الجميع يجري بسرعة في أنحاء المكان و أصوات كثيرة لا نكادُ نسمعُ بعضنا البعض و بعد مدة رأينا جميعا خط نبضاتِ القلب خط مستقيم.. لم نصدق ما رأينا ثم حاول فريق الإنعاش أن ينعشَ القلب دون فائدة فبعدَ سماع أصواتٍ عالية.. خيَّم هدوء في المكان و نظرات حزن على الجميع، البعض منا غادر متذمرا فالكل يعلم حبَّ فاطمة لوسيم و لا أحد إستطاع أن ينقذه..​جلسنا ننظرُ له و نتساءل كيف سنقول الخبر؟!

سمعنا أصواتَ صراخ قادمة من بعيد و علمتُ أنها فاطمة لقد كسرتْ مجددا و هذه المرة للأبد..  كانت صرختها لا تُنسى، وسيم الطفلُ الهادئ أخذَ معه فاطمة روحا بلا جسدْ و تركَ بداخلي إعجاب بصلابته و ثباته رغم صغرِ سنه 

.. 



  • 4

   نشر في 25 ديسمبر 2019  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

حياة محمود منذ 4 سنة
رغم معرفتي أن أغلب مصير الحالات الحرجة الموت لكن كان الأمل موجود معي منذ قرأت العنوان تتبعت السطور بكل (أمل) حتى وصلت لهذا السطر ( لن أنسى كيف كان جسده الصغير باردا ووجه مستسلما لأيادي كثيرة) عرفت أنه الموت صدقاً لم أكمل نظرت لباقي الكلمات نظرة مبدده يا ليته لم يمت ياليتك أنت أيضاً تروين لنا قصة من خيال كاتب أم أنها حقيقة ؟ يبدو انها حقيقة :(
4
§§§§
ليست كل الحالات الحرجة تموت.... هناك دائما أمل... ربما يوما ما تكتب لنا الاخت ابتسام قصة من القصص التي تعيشها كل يوم مع المرضى و عاد فيها المريض من موت محقق.
تقبلوا مروري.
تحياتي
حياة محمود
صحيح إن شاء الله .. أساساً الموت مصيرنا جميعاً لكنه رغم ذلك قاهر ومحزن ..
Onur
مرحبا اخ احمد راسلتك قبل كده وحذفت التعليق هنا مش هترد
§§§§
فعلا يصعب تصور لحظات الفراق. لكن الحمد لله الدي وعدنا بأن يجمعنا بعد الموت في جنته بإذنه و رحمته.... هذا ما يطيب خواطرنا و يطمئننا بان الفراق لن يكون إلا لفترة.
لا احزنكم الله
.
اشكركم على مروركم الطيب.. قصة حقيقة للأسف

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا