المشاركة المجتمعية هى عنوان التنمية فى اى مجتمع , وهى مبدا اساسى وهام من مبادىء تنمية هذا المجتمع , فالتنمية الحقيقية الناجحة لا تتم بدون مشاركة شعببة , كما ان بناء العلاقات بين افراد المجتمع والحفاظ عليها هما في صميم تنظيم المجتمعات ,حيث تكمن قوة المجتمع في قوة الروابط التي نمتلكها مع بعضنا البعض. و بوجود علاقات قوية، يمتلك الناس القدرة على إحداث تغيير حقيقي.

انطلاقا من هذا المفهوم ومن اهمية المشاركة وتنظيم المجتمع حرص معهد الفضاء المدنى من خلال منصته المعرفية - وهى منصة تعليمية الكترونية عن طريق التعلم عن بعد (عبر الانترنت ) - والتى تعودنا على استنشاق المعرفة من خلالها على اطلاق اول المساقات فى برنامج "تنظيم المجتمع من خلال المشاركة " , وهو عبارة عن برنامج بناء وانتاج وتشارك المعرفة ويدور حول تعليم المجتمع من خلال المشاركة ويتكون البرنامج من ثلاث مساقات بالاضافة الى حوار مقهى المعرفة بين رواد ورائدات الفضاء المدنى والذى يهدف لبناء المعرفة وتنمية مهارتهم عن طريق التواصل والتعلم عن بعد عبر فضاء الانترنت ,

والمساق الاول كان بعنوان (مفهوم ومبادىء تنظيم المجتمع من خلال المشاركة ) وعلى مدار ثمانية اسابيع متتالية – هى عمر المساق – تمت عملية المحاكاة للمجتمع الذى ينتمى اليه كلا منا , فمن خلال هذا المساق تم تطبيق مفهوم المشاركة والتنظيم بشكل افتراضى من خلال علاقات رواد ورائدات الفضاء المدنى , وكانت البداية من خلال التعارف والتعريف بالاسبوع الاول فعملية التعارف بين الافراد هى بداية مشوار المشاركة وكسر حاجز الغموض بين الرواد والرائدات , فمن خلال عملية التعارف يتم فك شفرة الافراد حتى يبدء التفاعل والتعامل مع بعضنا البعض (تحدث حتى اعرفك ) وهو مساحة لوضع اطار وعنوان للشخصية طوال فترة المساق والتى تتبلور وتتضح من خلال المشاركة والتفاعل بالمداخلات والتعليقات .

ثم تتوالى الاسابيع المتبقية والتى تعمل على نشر وتدعيم عنوان المساق من خلال مواد القراءة التى تعبر عن مفهوم المشاركة والتنظيم عن طريق المواد المكتوبة والفيديوهات المرئية والمنتقاة بعناية تصل لحد الاتقان فى اختيارها لتعمل على توصيل المفهوم بطريقة سهلة وفعالة , ويتخلل ذلك الجزء الاهم والعملى فى المساق وهوعبارة عن مهمة جماعية تعمل على ترسيخ فكرة العمل الجماعى والمشاركة الفعالة وتطبيق لعملية التعاون والتنسيق من اجل هدف جماعى يتم الوصول اليه وتحديد مشكلة متفق عليها يتم السعى لوضع حلول لها من خلال تجميع وتنسيق الافكار بين افراد المجموعة , وانا اعتبر ان هذا الجزء هو حجر الزاوية فى المساق لما يحققه من تفاعل ومشاركة وكسر لحاجز الرهبة والغموض الذى يكتنف العلاقات بين بعض الرواد والرائدات خصوصا مع التنوع الاقليمى بينهم واختلاف الثقافات اذا جاز التعبير, ثم تأتى قمة الهرم فى المساق وهى المهمة الختامية , فهى بمثابة الثمرة الناتجة من شجرة المعرفة والمشاركة والتفاعل بين رواد المساق , وهى الوعاء الذى يدلى فيه الرواد بما تشبعت به اذهانهم وما تناقلوه وتشاركوه من خبرات ومعارف من خلال المساق .

تلك لمحة لابد منها قبل القاء الضوء على بعض المعارف المكتسبة من خلال المساق الاول " مفهوم ومبادىء تنظيم المجتمع من خلال المشاركة"والذى اشتمل على عدة مبادىء ومفاهيم وتجارب حول تنظيم المجتمع وانماط المشاركة والفرق بينها وبين التشارك وكيف تكون قوة المواطن فى مشاركته الفاعلة والسعى نحو الحصول على دور فعال داخل المجتمع وكيف يتم تكوين العلاقات والتحالفات داخل المجتمع بحيث تكون العلاقات متنوعة ويتم الحفاظ عليها واستثمارها من اجل التنمية وتحقيق النجاح والتطور.

ومن اهم ما يجعلنى اتمسك بشدة بالحفاظ على الانخراط فى عملية التعلم من خلال منصة الفضاء المدنى هو اننى اقف على تجارب وخبرات متنوعة تجعلنى ادقق فى قناعاتى وافكارى التى احملها واختبرها من خلال العرض فى المداخلات والمشاركات بين الرواد , فاما ازداد يقينا بها , واما اعمل على تغيرها بعد ان يتضح لى افكار وقناعات اصح واجدى فى مسار التنمية والمعرفة , واعتقد ان هذا هو كلمة السر فى نقل ومشاركة المعرفة والتى تعمل منصة الفضاء المدنى على تحقيقها, وقد تم ذلك بالفعل من خلال هذا المساق , فقد كنت اعرف ان المجتمع هو عبارة عن افراد يجمعهم تنظيم او مكان او كيان ما , ولكن من خلال الاسابيع الماضية ومن خلال المداخلات والمشاركات بين كيان المنصة الافتراضية التى تجمعنا اصبح لدى قناعة ان الناس ابواب مغلقة . اذا احسنت الطرق عليها واحسنت اختيار الوقت المناسب لطرق هذة الابواب استطعت ان تدخلها , وان تتعرف على ما فى داخلها , وان تستأنس بهم . واذا استطعت ان تحتفظ بمفاتيح هذة الابواب تعتاد ارتيادها , فالعلاقات الانسانية هى جوهر وسر البناء المجتمعى , وهى قوة رأس المال الانسانى التى من خلالها تتم عملية بناء التنمية , وحتى تتكون هذة العلاقات وتنمو تحتاج الى التنظيم والتنسيق والقوة والقدرة على استثمارها , وعن طريق المشاركة تتبلور هذة العلاقات وتعمل على تنظيم المجتمع الذى هو فى الاساس قوامه الافراد وروحه العلاقات , فمجتمع بدون علاقات تجمعه على غاية وهدف مشترك هو مجتمع مهترىء ضعيف, وان معيار نجاح المشاركة المجتمعية ومعيار تنظيم المجتمع ينبع من الايجابية والمبادرة الى المشاركة دون انتظار او اتكال على الغير

حيث ان بناء العلاقات المجتمعية بين افراد المجتمع بعضم البعض وبينهم وبين المؤسسات والجهات الموجودة فيه والحفاظ عليها هما في صميم تنظيم المجتمعات وبنائها . فالقوة الحقيقية والفاعلة للمجتمع تكمن في قوة الروابط والتحالفات التي نصنعها ونمتلكها مع بعضنا البعض بوجود هذة العلاقات القوية، يستطيع الافراد امتلاك القدرة على إحداث تغيير حقيقي وبناء تنمية واقعية.

و قد تستغرق هذة العلاقات وتكوينها بعض الوقت والجهد ، وهذا امر ليس بغريب على تكوين وتشبيك العلاقات بين الافراد , فمهمة تجميع وتكوين العلاقات ليست سهلة وبسيطة لكون ان الافراد مختلفون ومتنوعون وهذا امر طبيعى , ولابد ان نضع فى اعتبارنا ونصب اعيننا هذا التنوع والاختلاف واحترامه واستثمارها والاستفادة منه لتنظيم المجتمع وتفعيل المشاركة , وليكن لديك قناعة انك مهما كان موقعك لابد ان تمتلك القدرة على بناء العلاقات فى مجتمعك والاعتماد عليها والاستفادة منها , ولكن على ان تكون الاستفادة متبادلة وليست من جانب واحد حتى لا تقع فى شراك المصلحة بالمعنى السلبى والسىء .

الخلاصة

ان المشاركة المجتمعية من خلال بناء العلاقات والحفاظ عليها هما عماد واساس تنظيم المجتمع وقوامه المتين , حيث تكمن قوة المجتمع في قوة الروابط التي نمتلكها مع بعضنا البعض , و بوجود علاقات قوية، يمتلك الناس القدرة على إحداث تغيير حقيقي.

كما ان العلاقات بقدر ما تكون مصدرا للقوة المجتمعية بقدر ما تمثل تحديات كبيرة لكونها ليست بسيطة وسهلة فهى معقدة بقدر اختلاف وتنوع الافراد, لذا يجب البحث على صيغة وطريقة سهلة وبسيطة للتعامل لبناء وتكوين العلاقات وان نضع فى اعتبارنا المنافع والمصالح المشتركة لاجل التنمية والبناء.

مجدى عبد الرحمن

رائد بمعهد الفضاء المدنى