النجم والهوى - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

النجم والهوى

في فلسفة الخيال والوهم

  نشر في 18 ماي 2016  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

حين تتأمل السماء ويدور بصرك في بناءها .. سرعان ما يثبت على نجم .. نجم واحد من بين تلك الملايين المتناثرة التى تترجم صفاء السماء وبهاءها .. تسامره وتناجيه وترى في توهجاته واختفاءاته المتتالية نبضات عصبية يترجمها عقلك إلى كلمات وعبارات تُضفي على جو الليل أُنسا وهمسا ..

عاود النظر .. واصل السمر في أمور الماضي .. فما هذا النجم - الذي قد يبعد عنك ملايين السنين الضوئية - إلا رسالة من الماضي السحيق .. ولعل تلك الرسالة التي جمّلت سماء ليلك ومسّت شغاف قلبك ليست سوى تعبير عن ضوء أُرسِل قبل أن تنشأ الحياة على سطح هذا الكوكب .. كما أنها قد تحمل لأهل التّفَكُّر من معاني الحياة ما يفتقده الملايين من القابعين في غاب الدنيا القانعين بدنو المادية ومواتها ..

لم أدرِ ما سر حبي لهذا النجم وافتقادي له .. لكن القلب دائما ما يهفو إلى مؤنس .. وإن كنت أسأم من مخالطة الأحياء .. فالحي لا يؤمن تقلُّبه وانتكاسته .. أما الميت فيمتاز بالثبات المأمون .. لا يُخشى مَكرُه ولا يَتغَيَّر بِتغَيُّر الأهواء والمصالح .. فلماذا لا تصوغ لنا أوهامنا وخيالاتنا في تلك الجمادات أرواحا وعقولا لعلها تخفف عنا شيئا من وَجدنا نحو أحياء غير مُدرَكين ..

شيء آخر أدركته أفسد عليّ تلك الروح الجميلة .. عندما يدور البصر باحثا عن نجمه المعشوق .. دائما ما يثبت على أكثر النجوم إضاءة وظهورا .. على أنه قد يكون أقلّها توهجا وطاقة في الحقيقة .. تفكرت مليا .. وحاولت أن أصوغ لتلك الظاهرة تفسيرا يكون أقرب إلى روح الخيال منه إلى مُدرَكات الحواس .. فلم أجد خيالا خدّاعا بهذا القدر الذي يغيّب عقلي عن حقيقة أننا نحن البشر على قدر من السّذاجة بحيث تخدعنا الأضواء الزائفة وتصرفنا عن الحقائق الراسخة .. وأن قلوبنا دائما ما تهفو نحو حب المخادعين .. فنستشعر معهم بجمال الوهم وروعة الخيال .. ودائما ما تنصرف عن مصارحة الحقيقة .. هل لأننا لا نحب تذوق مرارتها ؟ أم لأن الخداع هو الحقيقة الوحيدة في هذا الوجود ؟ ..

قادني ذلك إلى معنى حارت فيه القلوب والعقول .. "الحب" .. فالحب وليد النظرة .. وطالما كانت النظرة خادعة .. تغُشُّها الطيالس ويعجبها جمال الظاهر .. كما أن الحب مبدأه الإعجاب .. وكم أنتج الإعجاب أملا خائبا أو حبا قاتلا تحول إلى أوجاع وحسرات .. فهل المُحبُّون مخدوعون بمَحبُوبِيهم كانخداعي بهذا النجم المتألق ..وهل قُدِّر لنا نحن البشر - مهما تعمقنا - أن نتجرّع تلك اللوعة الخادعة التي تُعَد من أصعب ما عوقب به آدم على عصيانه لربّه ..

وما أن قادني التفكير نحو هذا الحد .. فعاودت النظر .. فرأيتني قد انشغلت عن هذا النجم بمناجاتي لنفسي .. أدركت حينها ألا حاجة لي إلى مناجاة نجم مخادع .. كما لا حاجة لي إلى حبٍّ خادع .. ففي آفاق النفس وأعماقها ما يَجِلُّ عن هذا كلِّه ..


  • 2

  • مؤمن حسين
    أجد في الكتابة ملاذا من ضوضاء البشر ومن اكتئاب الوحدة
   نشر في 18 ماي 2016  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا