هيا يا "يافا" اعترفي لمَ قتلت زوجك؟ ألم تفكري بمستقبل ابنك سعد!
جلست "يافا" ثم سحبت ركبتيها إلى صدرها وأخذت تبعد شعرها البائس عن وجهها بأصابعها التي ترتعش توتراً، ثم قالت بصوت شجاع: إن لم أقتله لكنتُ أنا القتيلة.
صمتت برهة من الوقت، وقد انهال عليها سيل جارف من الذكريات، تكدست الكلمات أسفل حلقها ثم خرجت دفعة واحدة قائلة: أنا ميتة منذ اليوم الذي أجبرني به والدي على الزواج من هذا العجوز الذي يكبرني بثلاثون عاماً، أذكر ذلك اليوم جيداً.. كانت السماء ملبدة بالغيوم والشمس تختبئ خجلة خلف الضباب، أما أنا كنت أضعف من سلام مر على رصيف مبلل.. مرت تلك الأيام على قلبي كالسم .. كان زوجي يخيفني دائماً، أسنانه البارزة عندما يتكلم، وفكه الكبير الذي يكاد أن يتفلت ، وصوته الأجش الذي يشبه صوت ورقة الخريف البالية حين يتم سحقها بالأقدام والبصاق المتطاير من فمه ... كل هذه التفاصيل كانت تزيد من خوفي، ثم دفنت "يافا" وجهها بين يديها وانفجرت باكية وقالت: كان يركلني على خاصرتي بعد كل جدال بيننا ولكني كنتُ أصمت وأدفن معاناتي بهدوء من أجل ابني سعد، وبقيت على هذا الحال إلى اليوم الذي فارقت روح زوجي جسده... أشرقت شمس ذاك اليوم بقوة وقد تغلغلت خيوط الشمس إلى روحي لتدخل دفء جديد إلى قلبي، في الساعة السابعة صباجاً دخلتُ إلى مكتب زوجي بشكل سري بعدما راودتني شكوك خطيرة، وظني كان في محله، رأيت أوراق بمكتبه تبين تآمره مع العدو الصهيوني، لم أستطع الصمت أو تصنع اللامبالاة، الحس الوطني جعلني أستعيد كرامتي وقد جرفني طوفان الشجاعة أمامه، وعند لحظة المواجهة هم بقتلي كي لا أفضحه، ولكني سبقته بذلك بواسطة السكينة التي خبئتها في جيبي.
ثم تذكرت "يافا" ابنها سعد حين أخفى وجهه بين طيات ثيابها قبل خروجها من المنزل فتجمعت الدموع بعينيها مجدداً وقالت: الآن فقط أشعر بالحرية.. الآن فقط أستطيع استنشاق الهواء الصافي الخالي من أنفاس زوجي السوداء.
تعاطف القاضي معها وخفض حكمها من 15 عاماً إلى عامين.
دخلت "يافا" السجن بهدوء راسمة ابتسامة غريبة على شفاهها، الآن فقط شعرت بالأمل وكيف لا والأمل هو بداية السلام.
بقلم سهام السايح
-
سهام السايحمؤلفة كتاب كأنه سديم وكتاب عمر مؤجل