تعد معامل المحاكاة Simulation labs من الاتجاهات العالمية الحديثة في التعليم والتدريب، وتنتمي معامل المحاكاة بشكل عام إلى ما يسمى المعامل الافتراضية، والتي تعد أحد تطبيقات الواقع الافتراضي، وهو أحد مستحدثات تكنولوجيا التعليم، والذي يعد بيئة تعليم مصطنعة أو خيالية بديلة عن الواقع الحقيقي وتحاكيه، والمتعلم هنا يعيش في بيئة تخيلية، يتفاعل ويشارك ويتعامل معها من خلال حواسه. فالمعامل الافتراضية في جوهرها معامل مبرمجة تحاكي الواقع.
ورغم أن معامل المحاكاة القائمة على التكنولوجيا الحديثة ارتبطت بشكل وثيق بالعلوم الطبيعية وخاصة علمي الطب والهندسة، إلا أننا نجد لها آثاراً في العلوم الإنسانية والاجتماعية. والنموذج الأبرز لتطبيق المحاكاة في العلوم الاجتماعية ما يقوم به طلاب أقسام العلوم السياسية، والذين يعتمدون على أسلوب المحاكاة في الدراسة، من خلال عمل محاكاة لأساليب ونظم عمل مؤسسات محلية وإقليمية ودولية، مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة، والبرلمانات، ومؤسسات الرئاسة، وغيرها. ويعمدون إلى محاكاة هذه المؤسسات فعلياً ومناقشة قضايا مطروحة في الواقع الفعلي بأسلوب عمل هذه المؤسسات التي يحاكونها، ورغم أن هذا لا يعدو كونه مجرد تخيل؛ إلا أن هذه التجارب تسهم في صقل مهاراتهم وقدراتهم النظرية والعملية وتأهيلهم بشكل أفضل لسوق العمل.
علم تطبيقي
ورغم أن الكثير ينظر لعلم الإعلام على أنه علم نظري لا يحتاج من الطالب سوى دراسة نظرية دقيقة لنظريات الإعلام ومناهجه وفنون الكتابة الصحفية والإذاعية والتليفزيونية وحملات العلاقات العامة وغيرها من المقررات الدراسية، إلا أن النظرة الدقيقة لهذا التخصص تظهر أنه علم تطبيقي من الدرجة الأولى، فالإعلام نشاط عملي حرفي يتعامل مع جميع مكونات المجتمع.
وما أسهم بشكل أكبر في تطور النظرة لعلم الإعلام على أنه علم تطبيقي، ذلك التطور التكنولوجي الكبير وثورة المعلومات والاتصال، لقد أحدثت الثورة التقنية المعرفية أو المعلوماتية تطوراً كبيراً لمهنة الاعلام وجعلته مهنة قائمة على التكنولوجيا الحديثة بشكل كبير.
ومن هنا جاءت فكرة إنشاء استوديوهات الإذاعة والتليفزيون داخل كليات وأقسام الإعلام، وكذلك الحرص على إصدار مجلات وصحف مطبوعة لتدريب الطلاب على فنون الكتابة الصحفية ومهارات الإعداد والتقديم الإذاعي والتليفزيوني، وجعلهم يمارسون العمل الإعلامي ولو بشكل مبسط، حتى يواجهون سوق العمل وهم مدربين ومؤهلين بشكل كافي.
مهنة وحرفة
لكن ومع دخول مرحلة إعلام الشبكات، وما أحدثته من ثورة تقنية في مجال الإعداد والتحرير والتصوير والإخراج والتصميم، أصبح الإعلام مهنة وحرفة قائمة على التكنولوجيا، وهذا يتطلب من كليات وأقسام الإعلام إعداد وتأهيل طلابها لسوق العمل من خلال تدريبهم على آليات العمل الإعلامي الحديث.
ومن ثم يمكن الاعتماد على معامل المحاكاة بتصميم معامل افتراضية لممارسة كافة مراحل العمل الصحفي والإعلامي وتعلم مهارات العمل الإعلامي، بالاستعانة بالبرمجيات والتطبيقات الحديثة في مجالات التحرير والتصميم والمونتاج وغيرها، وأن يمارسها الطلاب في معامل افتراضية بأيديهم، لا أن يسمعوا عنها كلاماً نظرياً لا يقدم لهم الاستفادة الكاملة من هذه التطورات العملاقة في البرامج والتطبيقات.
-
د. سامح الشريفكاتب وباحث اعلامي دكتوراه في الاعلام الجديد