اسطورة تفرق القبائل اليمنية - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

اسطورة تفرق القبائل اليمنية

  نشر في 09 يوليوز 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

كنّا ولا زلنا نعيش حكاية تلك الأسطورة التي تقول أن سبب تفرق قبائل اليمن وامتدادها عبر جبال السروات إلى قريب الطائف، و في شرق وشمال الجزيرة العربية كان بسبب انهيار سد مأرب، وكنت مؤمناً بهذه الأسطورة، على أنها حقيقة تاريخية لا يمكن مناقشتها أو الاعتراض عليها، إذ لم يكن التاريخ قد كشف عن وجهه الحقيقي بعد بالنسبة لي.

ولكن وبعد أن كشف التاريخ وجهه الحقيقي، أدركت كم كانت هذه الاساطير تعبث بمخيلاتنا، وتقدم لنا تاريخاً مزيفاً، يضعه قوم أصحاب مخيلات واسعة، مهمتهم إفساد التاريخ وتزييفه.

إن حدثاً استثنائياً مميّزاً كإنهيار سد مأرب الكبير، يعتبر مادة خصبة للكذابين من الرواة، ليلفقوا إليها الكثير من الاساطير، كما يصبح هذا الحدث الهائل، علّة تنسب إليها أكثر الحوادث التي تقع في التاريخ، يما يخص المنطقة التي وقعت فيها هذه الحادثة العظيمة.

فقد صور لنا الرواة، أن انهيار سدّ مأرب حدث موغل في القدم، أيام كانت قبائل اليمن، عبارة عن قبائل صغيرة ناشئة، من قبيلة سبأ الأم الكبرى، ولن نخوض في حقيقة انتساب قبائل اليمن إلى سبأ، لأن حديثنا سوف يكون منصباً على هذا الحدث الذي ألّفت فيه العديد من الأساطير، ونسبت إليه الكثير من العلل، فهذا الحدث جعلنا نتوهم، أن قبائل اليمن جميعاً كانت متكتلة في منطقة ضيقة من اليمن، ولا أعلم من كان يعمر باقي الأراضي اليمنية، إن كانت سائر قبائل اليمن وشعوبها قد تكتلت وتحاشرت في هذه البقعة الضيقة، وأنه وبفعل انهيار سد مأرب، تفرقت قبائل اليمن من أحناء وادي مأرب لتنتشر شمالا على متن السراة، وتنتقل أجزاء منها إلى عمان وإلى البحرين وتتناثر قبائلها في الحجاز إلى الشام والعراق!

ولكن الأبحاث التاريخية أثبتت أن الحقيقة بخلاف ذلك تماماً، وأن السدّ كان قائما إلى قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بـ ربع قرن فقط، حيث كشفت الآثار أن السد لم تبدأ عليه علامات التآكل والضعف والتهالك إلا في سنة 575م بينما تنبأ النبي محمد صلى الله عليه وسلم في سنة 610م أي قبل بعثة النبي بـ 25 سنة، وهذا يعني أن السدّ انهار في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فأين من يدعي أن السد انهار في وقت موغل في القدم، حتى يصور لك أن السد انهار قبل بعثة النبي بمئات السنين، لأنهم زعموا أن قبائل اليمن إنما تفرقت وحلت في بلادها التي كانت بها زمن بعثة النبي بسبب انهيار سد مأرب، وهذه القبائل في مواطنها قبل بعثة النبي بمئات السنين إن لم نقل بألاف السنين.

ولعل قائلا يقول: ربما انهار، ثم أعادوا بنائه فيما بعد!

ونقول: هذا ظن، ونحن لا نحتكم في التاريخ إلى الظنون، وإنما إلى اليقين، واليقين يخبرنا بأن السد كان قائماً إلى قبل بعثة النبي بـ 25 سنة فقط، ولكن من قام بتأليف هذه القصص، إنما عاش بعد وقوعها بما يقرب من مائة عام، فهو يظن أن هذا الحدث وقع في عصور غابرة، ثم قام بتأليف الأساطير عليها، وتعليق الحوادث بها، زاعماً أن انهيار السد كان سبب تفرق قبائل اليمن، فهذه الأسطورة، مبنية على أساطير أخرى، تقول بأن القبائل اليمنية، نشأت ودرجت من اليمن، فما السبب؟ هنا جاء دور القصاص، وقد وجدوا ضالتهم في انهيار السد الذين لا يعلمون حقيقة متى وقع، ليجعلوا منه السبب الذي دفع قبائل اليمن لترك مواطنها والنزوح عنها إلى بلاد أخرى.

ومع أن دعوى أن قبائل اليمن نشأت ودرجت من اليمن محلّ نظر، فهناك أدلة قويّة تفيد أن اليمن من ولد إسماعيل، وعلى هذا فهم درجوا من مكة خاصة وأرض الحجاز عامة، ليتفرقوا جنوباً وشمالاً، إلا أننا لو سلّمنا بأن اليمن ليسوا من ولد إسماعيل عليه السلام، فإن أسباب تفرق القبائل عن مواطنها كثيرة، وليست محصورة في انهيار سد أو ما شابه، بل إن انهيار السدود، ربما يكون حدثاً طبيعياً تعاني منه القبائل المتحضرة، ولكنهم يعودون لبناء السد من جديد، دون أن يتسبب في هجرتهم أو الانتقال عن بلادهم إلى مواطن أخرى، فانتقال القبائل من موطن إلى أخر يكون سببه ضيق البلاد، فتقتتل القبائل على من يحق له البقاء في الأرض، فتضطر القبيلة المغلوبة إلى الهجرة عن مواطنها، وقد تنشب مثل هذه النزاعات بين أفراد القبيلة الواحدة، وقد يكون سبب ذلك المجاعات التي تحل بأرض القبيلة، فيرتحل بعضها طلبا للمتسع في المعاش دون وقوع أي معارك.

فلو سلمنا أن سد مأرب انهار قبل بعثة النبي بمئات السنين أو بألاف السنين، فإنه لن يتسبب في بعثرة قبائل اليمن بهذه الطريقة، لأن قبائل اليمن منذ كانت لم تكن متكتلة حول سد مأربن ولم يكن هو مصدر معيشتهم الوحيد، ولم تكن أرض اليمن خالية من السدود والآبار والأراضي الصالحة للزراعة، حتى يتكتلوا في جنبات وادي مأرب!

بل يفيدن القرآن الكريم، أن قبيلة سبأ، كانت عبارة عن شعب يقيم في وادي مأرب، وقد بنو السدّ ليقوم بحفظ الماء لشرابهم وسقي حرثهم، وأن هذا الشعب الذي يعرف باسم سبأ كان شعباص من بين عشرات إن لم نقل مئات الشعوب القاطنة باليمن، والتي تعيش عيشة هنيئة مترفة في بلاد تكثر بها الأودية والسدود، ولكن تلك الشعوب كانت على غرار قبيلة سبأ التي كفرت بنعمة الله وتعالى، فأمر الله السد أن ينهار، فانهار عليهم وحطم مزروعاتهم التي كانت على جنبتي الوادي وتسببت في اتلاف ممتلكاتهم، مما دفعهم إلى الانتقال عن وادي مأرب، وتمزقهم في القبائل اليمنية، لذلك نجد الهمداني في كتابه الإكليل، يذكر عدة قبائل صغيرة يمنية تدعى سبأ، في نواحي متفرقة من اليمن، وهذا دليل على أن شعب سبأ هو الذي تفرق، وليس كل قبائل اليمن، وأن انهيار السد تسبب في تشتتهم ف يالبلاد وتفرقهم في القبائل اليمنية، أما باق يالقبائل اليمنية، فهي في مواطنها، لم تتغير ولم تتحرك، وهذا هو التأويل الصحيح لما ورد في القرآن عن قبيلة سبأ.

وسبأ في عرف رواة اليمن ونسابيهم، هي أصل القبائل اليمنية، إلا أن الكلبي ذكر أن عقب سبأ بن قحطان افترقوا ثلاث فرق: ففرقة احتفظت باسم قبيلة سبأ، بينما القسم الأخر اشتهر باسم حمير وأما القسم الثالث فقد اشتهر باسم كهلان، وعلى هذا فكل سبئي فهو ليس بحميري ولا كهلاني، إذ أصبح اسم سبأ حكراً على كل قحطاني لا ينتسب إلى حمير أو كهلان، وهذا يعني أن الشعب الذي كان يقطن وادي مأرب، ويعرف بسبأ، لم تكن له علاقة بحمير أو كهلان، بل هو قبيل مستقل.

هذا إذا سلمنا بقول نسابة اليمن، وأنهم ليسوا واهمين، إذ قد تكون قبيلة سبأ قد تغلبت على قبائل اليمن، فدخلت قبائل اليمن الكبار تحت سلطانها، وانظوت كحلفاء لها، ومع تعاقب الأجيال، ونسيان العلم، ظن أبناء تلك القبائل أنهم من سبأ نسباً، والله أعلم وأحكم.

وكما قلنا سابقاً فإن التاريخ يشهد، أن السد كان قائما إلى قبيل بعثة النبي بـ 25 سنة فقط، أي أن السد إنهار في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يدحض تلك الأساطير الخرافية التي يؤلفها الرواة حول تفرق قبائل اليمن.

ومن القصص التي قرأتها عن تفرق قبائل اليمن، ما رواه المؤرخون من أن الأزد كانوا من ضمن القبائل التي تقطن في جنبات وادي مأرب، وهذه القصة تفيد أن قائل هذه القصة كان يظن أن جميع قبائل اليمن كانت متكلتة حول جنبتي الةادي كما سبق وأن ذكرت، وأن سيد الأزد في ذلك الوقت كان اسمه/ عمرو الملقب مزّيقيا، والتي تزعم الروايات أنه كان ملكاً من ملوك اليمن، وأنه سمّي مزيقيا لأنه كان لا يلبس الحلة إلا يوماً واحداً ثم يمزقها ويلبس غيرها! وهو ابن عامر الملقب بماء السماء، أظنه لقب بذلك لكرمه، حتى شبهوه بماء السماء، والله أعلم، وأن عمرو بن عامر، لاحظ أن السد يوشك أن ينهار، فتفطن لذلك دون أن يتفطن له باقي ملوط القبائل اليمنية، الذين حسب قول الراوي كانوا جيرانه في الوادي! وأنه أراد الانتقال من الوادي قبل أن ينهار السد، ولكنه أراد أن يخرج بماله، وأن تقع الخسارة على باقي القبائل الأخرى، فاحتال لذلك بأن عمل وليمة كبيرة، ودعى زعماء قبائل اليمن إليها، وأمر ابنه أن يلطمه على وجهه أمامهم، فلما حضروا أحدث عمرو بن عامر مشكلة بينه وبين ابنه، فقام ابنه فلطمه على وجهه، عندئذ حلف أن لا يقيم بأرض لطم فيها، ففرح ملوك اليمن وتسارعوا إلى شراء ممتلكاته، فباعها إليهم، واحتمل أهله وقومه وانتقل من مأرب حتى نزل بهم بسراة الأزد، بينما انتقل بعض قومه إلى عمان، وأخرون إلى المدينة، وبعضهم إلى الشام والعراق.

ولا شك أن من وضع هذه القصة رجل من الأزد، أراد أن ينبه على شدة ذكاء سيد الأزد عمرو بن عامر، وفطنته، بينما أظهر باقي ملوك اليمن وساداتهم، على انهم مجموعة من البلهاء والأغبياء الذين لم يتفطنوا إلى قرب انهيار السد، وأنهم كان من السهل خداعهم، لدرجة أن حيلة كهذه انطلت عليهم، وصدقوها، ووقعوا في حبائل عمرو بن عامر!

ولذلك نقول: أن السد لم ينهار إلا قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بـ 25 سنة، وأن الله تعالى ذكر لنبيّه في القرآن سبب انهيار السدّ، وأنه بسبب كفرهم لنعمه عليهم، وأن انتقال قبائل اليمن العظام لم يكن بسبب السد، بل وقع قبل انهيار السد بمئات أو بألاف السنين، على فرضية أن قبائل اليمن حقاً درجت من اليمن، ولكن الرواة عادة إذا رأوا حدثاً هاماً كهذا، خصوصاً وأنه ورد في القرآن، جعلوا منه شماعة يعلقون عليها كل حدث تاريخي بارز، وهكذا يختلط التاريخ بعضه ببعض في رؤوس الرواة، فتجد بين الحدثين ألف سنة، فيجعلونهما وقعا في زمن واحد! 

موقع سد مأرب من العاصمة اليمنية صنعاء


صورة مكبرة لموقع السد وفيه يظهر السد وبحيرته بوضوح



  • 1

   نشر في 09 يوليوز 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !


مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا