انتظار ..
لماذا يقف الكون كله ضدك عندما تحب، رغم أن الجميع يتغنى بالحب، لكن الجميع يكذب، إننا نكره الحب، إننا نخاف من الحب. إننا أضعف من أن نواجه تشوهاتنا لهذا نحن نحارب الحب لأن الحب شيء حقيقي، شيء طاهر ونقي ..
نشر في 16 أكتوبر 2018 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
يا إلهي كم الانتظار موجع، وتلك الساعات التي كانت تمر بطيئة جداً. كل لحظة كنت أخلق فيها أملاً .. أعيش معك على الذكريات التي قضيناها سوية وأنا كلي أمل بأنك ستفتحين عيناك وتتأملين بي وتحتضنين دموعي بابتسامتك الرقيقة.
في تلك الأروقة البيضاء بين المرضى والعيادات، كنت يتيماً .. كنت شبه إنسان، أنتظرها أن تستيقظ. يا إلهي إنها عندي العالم كله، فلا تختبر صبري بها، خذ مني أي شيء يا الله لكن دعها تعيش ..
كانت ملامح الطبيب التي يحاول دوماً أن يتصنع الابتسامة فيها توحي أن وضعها لم يكن على ما يرام. وذات ساعة استدعاني إلى مكتبه وقال لي بصوت جاد وقسوة تامة:" عليك أن تكون قوياً كفاية .. فالحادث لم يكن بسيطاً، ولو أنها نجت فلن تخرج بقدراتها العقلية التامة بعد هذا!".
خرجت من غرفته مكلوماً، لم يكن يهمني إن خرجت لا تتذكرني، سأحبها من جديد وأعلمها كيف تحبني، لا يهمني إن خرجت على كرسي وعجلات، إن فقدت أي شيء من ملامحها .. إن قلبي سيكون سنداً لها ومعها!
يا إلهي كم كان كل شيء قاسياً عليها، حتى الزمن وقف ضدننا. لم يكن هناك صديق أتى ليقف معنا في هذه المحنة. تباً للجميع ..
تقول لي أمي بشيء من التردد:" ربما حان الوقت حتى تعود إلى منزلك يا ولدي، انتظارك هنا بين الجدران في أروقة المشفى لن يخدمها بشيء". أهم واقفاً .. غاضباً .. متوحشاً .. أضرب الحائط بيدي بكل قوة .. أصرخ بها والدموع تطاير من عيوني ككتل من اللهب :" دعيني يا أمي فلأذهب للجحيم، لماذا لا تدركين أنني أحب هذه المرأة، أن هذه المرأة هي سعادتي وأملي، هي شغفي في الحياة .. ".
لماذا يقف الكون كله ضدك عندما تحب، رغم أن الجميع يتغنى بالحب، لكن الجميع يكذب، إننا نكره الحب، إننا نخاف من الحب. إننا أضعف من أن نواجه تشوهاتنا لهذا نحن نحارب الحب لأن الحب شيء حقيقي، شيء طاهر ونقي ..
كان الجميع يحاربون هذا الحب، حتى أمي التي كانت سندي في كل شيء في هذه الحياة، طلبت مني بكل قسوة أن أتخلى عنها .. " أستتزوج من ضريرة؟!" .. وما بها الضريرة يا أمي، ما بها إن كان كل ما بها يبصر، إن كان كل ما بها ينبض حباً ونوراً وشغفاً.
الجميع كانوا يزرعون في رأسي فكرة أن أولادي لا ذنب لهم في أن يولدوا ولا يبصروا وهج الحياة. كانت هي تدرك أنني الوحيد الذي أقف معها في هذه المعركة القاسية. ذات يوم طلبت مني أن أرحل ولا أعود .. لكنني أقسمت لها أن الموت هو الوحيد الذي يمكنه أن يفرقني عنها ..
كانت معي حتى الموت رغم أننا كنا نموت سوية كل يوم. كانت نظرات العالم المشفقة التي لم تكن تراها لكن تشعر بها تثير بها الحزن وأنا كنت أكره أن أراها حزينة. تعالي لنهجر هذا العالم القاسي قلت لها ذات يوم وهجرنا لكن العالم لم ترحمنا.
تزوجتها رغماً عنهم جميعاً، لم يحضر أحد من عائلتي الزفاف، كانوا يريدون معاقبتي أو على حسب زعمهم كانوا يريدون إيقاظي من الوهم الذي سقطت فيه. لم أكن أكترث لوجود أحد سواها، كانت هي فرحتي في هذه الحياة، والزفاف هو فرحة .. وفرحتي لم تكن بسيطة، فوجودها كان يعني لي السعادة الأبدية التي لا نهاية لها ..
كانت "حسناء" رغم أنها لا تبصر كل شيء جميل بنظري، لمساتها الحنونة، لفتاتها الرقيقة، صوتها العذب، ضحكتها التي كانت ترن في سمعي فيضحك قلبي لها منطرباً. رغم أن أحداً لم يكن سعيداً بنا كنا سعداء جداً. سعداء بكل يوم يمر وأكون فيه النور لها وتكون الحضن الدافئ لي، صحيح أنني كنت أرى عنها لكنها كانت تبصر عني، كانت تلمس ملامحي وهي تحدثني لتقرأ في وجهي حزني من فرحي ولم تخب يوماً قراءتها .
كانت الحب المثالي بالنسبة لي، تلك المرأة التي لم تعرف الكذب يوماً، رقيقة رغم قوتها، طيبة رغم ملامح القسوة التي كانت تبدو على وجهها، صبورة جداً .. الجميع كانوا ضدها رغم أنه لم يكن لها ذنب فيما هي عليه، هي خلقت ضريرة ولا اعتراض على حكم الله .. لكنه حكم البشر القاسي، ينظرون إلى عيب الناس وينسون عيوبهم، يمدون أصابعهم ليفقؤا عين من نحبهم رغم أننا نداري أحزانهم كي لا نجرحهم.
نحن البشر قساة جداً وأنا لن أسامح أي أحد أذاك، ستكونين أقوى .. ستقوين بحبي، سأكون الدعم والسند لك .. لكن عليك أولاً أن تستيقظي من غفوتك فقد أطلت النوم. أعدك بأنني لن أتخلى عنك مهما حدث ..
لن أتخلى عنها .. لن أدع وعدي لها يذهب هباء الريح. أحبها .. أحبها وهذا قرار لن أتنحى عنه. إن كان كل الكون ضدنا، فسأكون أنا معنا وانتظرك حتى تستيقظي، سأنتطرك لأنني لا أجيد الحياة من بعدك.