عندما تُصبح الجريمة هي الإصدار الأول فى المجتمع يتحول كل أفراد المجتمع إلى مجرمين و ضحايا .. لأن أول ظواهر الاجرام هو أن تموت المشاعر في المجرم و الضحية .. فالضحية يظل مجرماً في حق نفسه و غيره الى أن يُصبح ضحية
فقط هو ينتظر و يشاهد الجرائم و يشارك بتأييده أو بصمته أو بعجزه .. و الأصل في الجريمة أن الجريمة قد زُرعت بداخل المجتمع في سنوات طويلة خُربت فيها العقول و حُجرت بداخلها القلوب و جُمدت على اثرها المشاعر .. فـ لنعد بالذاكرة قليلاً
عندما كنا نشاهد برامج عن القتل ك خلف الأسوار أو كوارث تحدث في مدن ك حديث المدينة و غيرها من البرامج التي كانت تروج لنا أسبوعياً جريمة أو كارثة أو مأساة .. في البداية كنا نشعر بفاجعة من تلك الجرائم و استنكار يصل الى حد الدهشة و التعجب و تعنيف المجرم بأبشع الأوصاف لأن الفطرة التي نشأنا عليها كانت هى التي تتفاعل مع تلك الجرائم و الأحداث
و مع مرور الوقت تحول الأمر الي شغف و فضول في معرفة تفاصيل الجريمة أو الكارثة و مشاهدة تصوير و اخراج الجريمة .. كأننا كنا نتعلم كيف نكون مجرمين ؟!
و مع توالي الأحداث قدموا لنا المجرم في صورة شخص ضحية حولته الظروف الي مجرم أو بالأحرى " جعلوه مجرماً " .. و بعدها بقليل صار المجرم بطلاً بشكل مباشر من خلال أفلام أعدت خصيصاً من أجل هذا حتى أصبحت الجريمة و القتل نهجاً في المجتمع بين الحاكم و المحكوم و الظالم و المظلوم
حتى جاءت الفرصة أمام كبار المجرمين لارتكاب الكثير من المجازر و حرق البشر و فعل كل ما ترفضه الفطرة الانسانية و بـ كثرة تكراره أصبح يمر مروراً طبيعياً علي العين و الأذن و العقل و القلب كأن لا شيء يحدث .. فكثرة النظر للجرائم تُذهب فجعتها .. و تصبح أكبر الكبائر سنة من سنن الحياة
فاذا كنت في موقع الجريمة لو كانت جريمة سياسية تبتعد و تهرب كالفئران حتي لا تقترب منك النيران .. و اذا كانت جريمة فردية فقط تُخرج هاتفك لـ تصور ما يحدث من أجل التنديد بما يحدث أو من أجل الفضول و الشغف و حب مشاهدة الجريمة التي كنت تنتظر تصويرها قبل سنوات على مسرح الجريمة .. فأمنيات الأمس حقائق اليوم .. و أصبحت أنت المصور و المخرج و المشاهد و الفاعل و المفعول به لاحقاً في آنٍ واحد
و ما زلت أقولها مراراً و تكراراً .. لقد نفذ الماء الذي بداخلنا و لا نستطيع اخماد النار التي اشتد لهيبها و لم نعد نعرف أنفسنا في تلك الدائرة التي ندبت بؤرتها في أعماق قلوبنا و اصطدمت كل النداءات بـ بجدارن قلوب متحجرة فلا نسمع إلا صدي أصواتنا يرتد الينا و نخاف أن نقترب فـ نغرق أو نحترق
و لن يتغير أي شيء ما دمنا لا نمتلك شجاعة جماعية لكي نصل الي الصفر و نبدأ من جديد .. سنظل هكذا تحت الصفر الي أن ندفن تحته .. و لا ندري هل كل ذلك الألم و القهر و المعاناة التي نشعر بها مع كل كارثة و مأساة ستداري تقصيرنا .. و هل جملة لنا الله التي نقولها في كل مرة ستشفع لنا أمام الله ؟
أم أن جملة لنا الله مع كل هذا الذل و الخنوع و الخوف لا تليق بعباده المؤمنين و إن كانوا مستضعفين أم أننا شركاء في كل هذا حتي صرنا مجرمين في حق أنفسنا و ننتظر أن نصبح ضحية
في النهاية كل هذه الجمل و الكلمات ما هي الا عجز و تفريغ لـ شحنات .. و استهلاك للطاقة التي بداخلي و لا ترتقي لتغيير الواقع .. فهل تعلمون مَن نحن ؟
(( نحنُ مَن نصنع من الكلمات كسوة كي يُمزقها الواقع .. فلا الكلمات تنفد و لا الواقع يتغير ))
-
ناشط بحركة 6 أمشيرإنسان أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ..... سأظل أكتب ما أومن به حتي أبني لهذا العالم مدينة من العدل جدرانها الحروف وأعمدتها الكلمات ..... يسكنها كل شبيه لها
التعليقات
مجرمون بالصمت وتمسكنا بالكلمة كسلاح اخير واكتفينا بها من خلف شاشات باسماءلا يعلم عن هويتها. في اي مواجهة مباشرة سنتنصل ونصمت
لكني لازلت ارى فينا الخير طالما نحس ونشعر ونستنكر ويؤلمنا المنكر
سلمت يمناك ودام المداد
دام المداد... بالرغم من ذلك لابد أن تلك الكلمات ستزهر يوما و تعطي ثمارها قريبا. تحياتي