الحنين إلى الزمن الجميل...
يوم ربيعي بامتياز... نسيم ريح مع وقف التنفيذ... أشعة شمس تخجل من شعب يساوم فلاح على ثمن ربطة النعناع... أو من تاجر يتهرب من دفع صنك تجارته...
صوت المذياع يصدح بأغنية:
أنا عيت... عيت ...عيت
أعيت ما نصبر...
إلا نوي تغدر كولها...
كولها...
رائحة حريق زيت تحتل المكان... زحام العربات والدواب... مواء أبقار... كلاب ضالة تستجدي الخبز... سقف مطالبها تقهقر أمام زحف الاسمنت...
يوم أغبر. يوم عطلة كباقي أيام الدهر... تحت خيمة أطالتها الأوساخ من كل جانب. بدت بنية اللون من كثرة الاحتكاك بالإنسان والحيوان والغبار... في السوق الأسبوعي آيت بوعو. عفوا آيت عبو بجماعة سيدي علال المصدع، عفوا المصدر...
أحتسي كأس شاي وبعض قطع "الشفنج"... نكاية بمرض السكري وتسريعا لعجلة الموت...
استوقفني حديث تلصص إلى أدني، حديث شباب في ربيع العمر. حديث حنين إلى دولة الإسلام وعدالتها الأزلية...
نحن شعب يقرأ دقيقتين في السنة، يقرأ فاتورة الماء والكهرباء... يسمع أغاني بلغات الأرض... ويحن إلى أغانيه التي تبدأ الآلاف من قصائدها بالبكاء على الأطلال...
بينما المنطق يقول إن الانشغال بالماضي يبقيك في الحاضر ويمنعك عن المستقبل...
إن كان من المرجح علمياً أنه يمكن السفر للمستقبل، فإنه لا دليل حتى الآن على إمكانية العودة للماضي...
لكن هذا الطرح تم تعديله في وطننا الجاحد عبر محاولات البعض استنساخ الماضي:
لدينا فصيل يريد أن يعود بنا إلى الوراء زمنياً، رافعاً الراية السوداء للدولة العباسية، ويطالبنا نحن برفع الراية البيضاء وتركه يعيث فساداً بعقولنا... تحت راية مسودة القانون الجنائي...
وهناك فصيل آخر أراد أن يرجع بنا إلى الخلف، تاريخيا للبحث عن جذور شجرتنا في اليمن السعيد، تحت راية عاصفة الحزم...
حنيننا وتشبثنا بالعودة للماضي لن يلحقنا بركب "الحضارة" أو الازدهار... لكنه فقط، سيضعنا بصف "الحضانة" وروض الأطفال...
لنعود أطفالاً مرة أخرى، فيتم تربيتنا وتثقيفنا من جديد. لعلنا نتعلم كيفية الاغتسال من الجنابة. ونتعلم مقاسات الخصور، ودروس الجهاد في النكاح، ولماذا تصلح النساء، وما غاب عنا من عذاب القبور... ونفلح في تحقيق أحلامنا الوردية بدل ذل العطالة وآلام التمني...
يجب علينا تقليد عمل الآخرين الدين صنعوا حضارة ورفاهية... رغم أنهم كفار نصارى ويهود.... ورغم التهم جاهزة عليك ولك... خذ منها ما شئت على وزن وحجم عقلك المغيب...
علمنا ونصحنا التاريخ، بأن نشتري ونأخذ من الماضي إلا جيده... بينما ننسى أنه ملطخ بدنس الأفعال... قبل الأقوال...
فإن عدت لعصر الأمويين أو العباسين أو السعديين أو المرابطين أو أو أو...مثلاً لن تشغلني فقط عظمة ملوكهم أو فتوحات قوادهم... لكن سيؤرقني عدم وجود مرحاض لائق أقضي فيه حاجتي...
الواهم فقط هو من يحاول تصوير الماضي على أنه جنة ليعيش أسير أسطورة الزمن الجميل والدولة العادلة...
الزمن جميل يتحول عندنا بمجرد أن يمر ويموت كل من عاصروه... فتولد أجيال وكائنات تتباكى عليه،.. ثم تقول: "الله يرحم ديك ليـّام الزينة"... تلقائيا نأبن ونذكر محاسن موتانا وننسى دوماً كل ما هو مسيء...
الزمن الجميل لم يأت بعد ولن يأتي أبدا... لأننا شعب نجلس أياما بل أعوام نطلب من الله أن يهبنا ويعطينا بدون عمل ولا تعليم... نريد دائما الهبة وغيرنا يعمل لنا... ومع ذلك نأكل الغلة ونسب الملة...
الزمن الجميل شبح لا يظهر إلا في أحلامنا الليلية أو في أحلام اليقظة...
"والله ما قفلتي لا فورتي"...
أيها الزمن الجميل... سأعني لك مع البشير عبدو:.....
وأنت دايز طلل علينا...
شوفنا واش حنا لاباس...
طلل علينا...
المركب فين وصل...
فين وصل بينا...
سعيد تركيت
الخميسات - المغرب - 18 / 04 / 2015