نشر في 10 ديسمبر 2019 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
لا يكاد يخلوأحدنا في لحظات ما من حالة هذيان يكون فيها صادقا في كل ما يقول..فهي حالة لا شعورية،يجتر فيها ما هو مكنون في اللاوعي واللاشعور..
حسنا, أقص عليكم قصة أحد أصدقاء الجامعة..كان من بلدعربي , وكانت تجمعني به علاقة صداقة من نوع فريد..كان أهله يعولون عليه كثيرا, نظرا للفقر المدقع الذي كانوا يعيشونه..كان يقرؤني كل رسائل اهله من أب وأم وحتى اخوته واخواته.
فتاة في العقد الثاني من عمرها كانت، تنبض بالنشاط والحيوية،حافظة لقرآنها، حجابها كان عنوانها..سنها لم يكن يرى..هي ابتسامة خفيفة فقط عند الضرورة، لم يحدث أن رفعت صوتها،ولم يحدث أن خضعت بالقول، لكنتها مختلفة..عائلتها من علية القوم..في شخصيتها مزيج من الذكاء والعفوية..تلك كانت صوفيا.
كان رجلا شاحبا، يابسا جافا ناشفا..الزمن قسى عليه..من عائلة فقيرة ..شخصيته مزيج من الذكاء والحمل الثقيل على عاتقه ..ملتزما قارئاً لكتاب الله..لم ينتبه لأمور الشباب..ولم يعش مراهقته..مسؤولية كبيرة تقع على عاتقه..كان هذا صديقي.
صوفيا, طالبة زميلة له في القسم..كانت آية في الجمال من كل النواحي..ولكن تدينها وحفظها للقرآن طغوا على كل جمال ممكن ..حجابها أسبغ عليها هالة من الاحترام والتقدير والاكبار من كل من عرفها..زملاء واساتذة وحتى موظفين..كانت تصلي فرضها..وتصوم شهرها..وتقرأ قرآنها..أما حجابها فكان عنوانها.. صغيرة كانت بخطى متعثرة مقبلة على الحياة,ترتسم على وجنتيها ابتسامة ساحرة , صوتها الشجي حير الأوتار في لحنها..فرحتها ملأت الدنيا طربا وشوقا وأملا..صغيرة كانت بصوت عذب ,تتدفق فيها الحياة,تعزف مقطوعة عجزت الطيور عن قراءة ألحانها
صديقي أيضا كان ملتزما.."القلوب منها ما اختلف, ومنها ما ائتلف"..اختارته من بين الآف الزملاء, وكأي انثى, فقد لزمت الصمت مع ارسال بعض الاشارات لصاحبنا ليفهم..في تلك الفترة كان الغباء يطفو على عقله..لكنه ليس بغباء فعلا , بل كان يدعي ذلك..ظروفه لا تسمح..فقر, ضيق عيش..صديقي لم يكن يخرج مع اصدقائه حتى في عطلة نهاية الاسبوع..لانه لا يملك المال..فيحاول ان يبقي ما معه ليكمل به مصروف شهره..لهذا كان يتجاهلها..بالرغم انها كانتمحط انظار الجميع..وكما يقولون " لا تعوض"..جمال وتدين وعائلة..
في أحد ايام شهر مايو..ولا زلت اذكر هذا التاريخ تماما..أخبرته أنها ستسافر في رحلة بعيدة..قد تطول رحلتها كثيرا..قهقه , صاحبنا ببلاهة ساخر من كلامها..ولم يفهم ما ترمي اليه..سقطت دمعتها في تلك اللحظة وغادرت.. بعد أيام, جاء خبر رحيلها اثناء اجراء عملية لها رحلت صوفيا..كانت تعاني من مرض خطير ظهر فجأة في تلك الايام..ولأول مرة أرى صديقي يبكيها بحرقة..فهو لم يجاملها بكلمة طيبة..حتى اثناء وداعها..تذكرت هذه الحادثة هذا المساء..فاجتمع فيه ما تفرق في غيره من باقي الأيام والمساءات.... كل شيء فيه يستعد للانعتاق من سطوة البرد القارس.... و من تكشيرة غمام اسود اطبق علي الأرواح و الأنفاس.... كل شيء في هذا المساء ثقيل ... و اثقل ما فيه تمرد البشر و الحجر و الشجر على مظاهر الكمون و الانكماش و الانحباس..... تمردت الابتسامة على وجوه جامدة عابسة ..تكبل أسارير الفرح خلف تجاعيد يابسة ... و تمردت خضرة الشجر على اصفرار جمد الاحساس بمتعة اللون و تعاسة الشكل ... وتمردت زقزقة عصفور على غصة في حلق عطلها حفيف شجر يتألم من وخزة ريح معربدة في ازقة باردة....سامحك الله يا صديقي, جعلتني أهذو..لكني لا أريد الشفاء من حالة الهذيان أبدا..الهذيان يجعلني أكثر سعادة..ويا ليتك تجد لي طريقا لأصحب الهذيان بحالة زهايمر..عندها سأكون في أفضل حالاتي...أريد مسح ذاكرتي علني أولد من جديد!!.. إن اصدق العبارات تخرج عندما نكون في حالة من اللاوعي!!..هذا مسائي هذا اليوم كما وجدته و انا احتسي فنجان قهوة برفقتي وكنت خير جليس في الزمان لي!!
ماهرباكير
-
Dallashوَإِنِّي أَتَجَاهَلُ وَلَسْتُ بِجَاهِلٍ غَضِيضُ الْبَصَرِ وَلَسْتُ أَعْمَى وَإِنِّيْ حَلِيمٌ وَلَسْتُ بِحَالِمٍ حَصِيفُ الْكَلِمِ وَلَسْتُ أَسْمَى مَاهِر بَاكِير
التعليقات
صدقت .. !! . أحسنت
تحياتي لك