رسالة من....نهاية الحياة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

رسالة من....نهاية الحياة

  نشر في 03 فبراير 2018 .

ترجل من مركبتك و اخط خطوات بين الراحلين متمتعا بخضرة المشهد و ضلال الصفصاف و البلوط ، تقدم إلى الأمام ، هناك جدي و انظر يمينا عمتي و على الشمال جدتي و كل من أمامك إخواني و أحبابي من انطلقوا في رحلة الحياة قبل القرار النهائي ، و بزوغ نور الخلود و ولوج آخر المثوى .

لطالما اعتقدنا أنها النهاية ، و السطر الأخير من الحكاية ، ومع تجارب العمر تتأكد لك الحقيقة أن الأعمار ما هي إلا أرقام ، و ما الأيام إلا حلقات مترابطة لشريط يمر أمام عينيك لحظة الوداع ، فتدرك وقتها أن الباب كان مفتوحا دخلت من الأول و خرجت من المقابل.

تتقدم قليلا ربما تسرع الهوينة ، ثم تعود لتغوص من جديد في بحر تتلاطم فيه أمواج أسئلة و أحيانا إشكاليات ، هي أسماء فقط لأن المسيرة في الواقع شاطئ هادئ عذب المياه ، بأشجاره الفواحة لمن تمكن من كشف الحقيقة و تقبلها على الحلو أو المرارة.

كنت طبيبا ، كنت مهندسا ، كنت حاكما ...بل كنت عاملا بسيطا....مهن و مناصب و مصادر أرزاق متعددة ، فهنا المعطيات تختلف و الأجدر رفع الشعار كنت صالحا و مصلحا و من آهل الصلاح ، كان قلبي يعتصر ألما و أنا يدعه يمر و يفسد على هواه ، و مع هذا حاولت أن أكون من آهل اضعف الإيمان ، أم انك ستفتخر أنك كنت طاغيا مفسدا على شاكلة النمرود . هنا تسقط كل الألقاب و الأسماء و تتساوى الطبقات ، فلا فضل للحاكم على البائس الفقير ، و لا مقارنة بين صاحب المباني و من يبيت في زاوية الشارع في يوم الصقيع ، لا مكان للفراش الوثير و لا مقاعد للحرس الخاص بنظاراتهم السوداء ، بل كل ما ينفع اليوم سرور أدخلته على قلب اليتيم ، و أخلاق أثرت في الفاسق البليد فاستقام ، و أمانة حافظت عليها لحين موعد التسليم ، و أمور صالحة كثيرة ترسم البسمة في عقول الأطفال قبل الآباء.

و أنت بين الأضرحة و القبور استجمع ذكريات الراحلين ، و البوم صور أفراد العائلة و كل ما قيل عن النهايات المحتمة ، أطلق العنان لبصرك و ركز تفكيرك أمامك ، و ستلمح لا محالة العجوز الشمطاء المنبوذة البشعة صاحبة العينان اللتان تفيضان شرا ، كل نظرة منها تغرز سيفا في القلوب و تقذف حزنا في البيوت و تهدم الأسر و العائلات ، و طوفانا يقضي على الملكوت ، أوقف حاسة السمع عن استقبال صوت الغدير ، و زقزقة العصافير ، و عزف النسيم العليل ، و ستسمع صوت كلماتها و هي تتبجح بين القبور و القصور و العصور بقافيتها الحرة ، أو المراعية للبحر الطويل أو العميق.

أنا التي تهابني الجيوش ، و يفر مني الملوك و أصحاب اليخوت ، أنا من يكسر القلوب و يفرق الجماعات ، أنا القاضية على الحضارات و الأبنية و العمارات ، أنا صاحبة العمر الطويل من البداية إلى لحظة صدور أمر حاكم الملكوت بالذبح بين باب النعيم و عتبة اللهيب ، أنا المتواجدة في كل فج عميق و ارتحل مع المسافرين و الراحلين و المرضى في البيوت ، يهابني الجميع مع أني أرافقهم في كل لحظة و حين حتى في النوم على الوثير أو الحصير.

اسألوا تاريخكم عن ملوككم و جبابرتكم و أبنائهم ، اسألوا تاريخكم عن المفسدين و الظلمة في الشرق و الغرب ، اسألوا عنهم إن شربوا من كأس أسقيها لكل ذي روح و نور ، فمنهم من تجرع السم الزعاف و منهم من استبشر بالحور العين.

فلم تهدموا سلم الجنان ببغيكم ، و تتفرعنوا على ضعفاء أهاليكم و تختلسوا أحلام صبيانكم ارضاءا لشيطان أهوائكم ، و عند الغرق تؤمنون بما آمنت به بنوا إسرائيل .

استخلصوا الدروس و العبر من طغاتكم ، و عبدة الدمار في أرضكم ، و شقوا لأنفسكم مسلك النجاة لكم و لأهاليكم ، و أقيموا السلالم لبلوغ ما لا رأته أعينكم و لا خطر على قلوبكم.

وقتها سترى العجوز الشمطاء قد غطى الجمال هول قبحها بفعل آثار الحكمة في أقوالها ، و بلسما يشفي أسقام العليل و الباحث عن السبيل .....ستلتفت و ترحل و هي التي تسكن كل الوجود .....و إن ملكت الشجاعة اسألها عن اسمها ، و ستجيبك بكل رقة و حنان.....أنا....نهاية الحياة.

محمد بن سنوسي

01-02-2018


  • 2

   نشر في 03 فبراير 2018 .

التعليقات

Salsabil Djaou منذ 6 سنة
هادم اللذات ،اظن انه احسن موعظة لنا ،نتذكره فنخاف من سوء العاقبة ونستقيم،وقد نتذكره فلا تتحرك مشاعرنا ،لطول الامل ،نظن دوما بانه مازالت بقية لحكايتنا ،فننساه حتى نتفاجأ به يدق بابنا ،فلا وقتا اضافيا،واتذكر قول والدتي،"يا سعدك يا فاعل الخير"،نسأل الله ان نكون من الصالحين وان يرزقنا صحبتهم ،مقال رائع وموعظة لمن قرأ فوعى،بانتظار كتاباتك القادمة ،دام قلمك.
0
بن سنوسي محمد
بارك الله فيك اقول دائما الموت قطعة من الحياة والميلاد الحقيقي

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا