فلتذهب السوشيال ميديا إلى الجحيم ..!
نعم ، دعنا نردد بصوت يسمعه العالم ويسمعه هؤلاء ممن جعلوا تلك المواقع التي يُسمونها (السوشيال ميديا) همَنا الشاغل وتأكل الوقت بنهم وحشٍ جائع .
دعنا نثور ثورة عنوانها (لا للسوشيال ميديا) .
سأسرد لكم تجربتي الشخصية المتواضعة،
كانت تجربةً أكاد أجزم أنها من أفضل التجارب لكون النتيجة كانت مبهرة لأقصى حدٍ ممكن .
قررت أن أضع نفسي في مواجهة هذا التحدي ومن ثم نرى إلى متى سأستطيع الصمود وما هي العواقب وما هي المميزات .
قررت أن أبتعد عن جميع وسائل التواصل الاجتماعي ( فيسبوك ، تويتر،انستغرام...إلخ)، قررت أن أبتعد عن تلك العقاقير اللي نتناولها يومياً ولكن عن طريق العين ، قد سببت لنا الإدمان ولكن طالما أن الإدمان بعيدٌ عن ما يُطلق عليه (المخدرات) ، فيصبح الإدمان غير منبوذ ، ولكن تلك المصيبة ، فالمصيبة أن تكون معركتك ضد سلاح ذو حدين.
ولكن بجهلنا لا ولم ولن نستطع تحقيق التوازن المثالي بين هذين الحدين ، لن نستطيع أن نُمسك منتصف العصا .
ابتعدت سويعات قليلة، ثم كأي (مدمن) ، حاولت العودة مرة وأخرى ، كنت أريد أن أرى فقط تلك العلامة الزرقاء أن أرى كم من الإعجابات حققت تلك الصورة ، وكم من التعليقات حظى آخر منشور ، ومن أعاد تغريد هذه ومن تفاعل مع تلك !
حاولتُ الابتعادَ عن الهاتف الجوال بتاتاً ، كنت أشبه بمدخنٍ يبحث عن سيجارة ليهدأ جهازهُ العصبي .
ولكن كنت قد قمت بإلغاء تثبيت جميع التطبيقات الممكنة وأغلقت كل طريق يؤدي إليهم جميعاً .
كان شعوراً مخيفاً في بداية الأمر ، شعور بالاختناق والضيق ، شعور وكأن شيئاً ما ينقصني ، شعور وكأني أريد بشدة شيئاً ما لا أعرفه ، ولكن سرعان ما تحول ذلك الشعور إلى سعادة بطريقة لا إرادية ، تحوّل إلى إحساس بالراحة بعد الصراع ، انتصار بعد الهزيمة ، نعم لا تستغرب يا صديقي ، فالأمر جلل .
لقد انتصرت في معركة مع النفس ، معركة أظنها من أشرس المعارك في تاريخ النفس البشرية ، و هي أن تستطيع كبح جماح نفسك ، أن تستطيع أن تضرب بكل تلك الأشياء عرض الحائط ، كان التحدي كبيراً بالنسبة لفتاة قاربت على العشرين مثلي ، فأبناء جيلي هم من فرضت عليهم تلك الأسلحة قوتها ، احتلت أدمغتنا ، استوطنتها بكل قوة ، و أمثالنا من العزّل لا يستطيعون المحاربة ضدها .
كانت معركة دامية بين نفسي وذلك المحتل المجهول الذي بكل بجاحة اتخذ مكانه في عقلي وحياتي رغماً عني .
كانت معركة بيني وبين سجانٍ لا يريد سوى بقائي في سجنه طوال حياتي .
كانت معركة ضحيتها حريتي !
فهزيمتي كانت تعني رفضي للحرية ، والنصر يعني اكتسابي حريتي من جديد .
بعد جولاتٍ انتصرت في تلك المعركة ، استطعت التغلب على هذا المحتل ، طردته بكل قوة ، استنشقت هواء الحرية ، فقد أعْتقْتُ رقبتي من عبودية تلك المسماة ( السوشيال ميديا) .
وما أجمل هواء الحرية ، وتلك كانت سبب السعادة اللإرادية بعد الألم ، لا ضير في أن السعادة لا تأتي إلا بعد القليل من الألم ، ولكن تلك السعادة ستنفرد بمذاق خاص .
اكتسبت حريتي ، اكتسبت الحرية في كيفية توظيف وقتي ، أصبح وقت القراءة أعلى من ما سبق ، أصبحت أقرأ بنهم عن ذي قبل !
أصبحت أجد الوقت الكافي لدراستي ،رغم تذمري مراراً بضيق الوقت ،أصبح وقت الرفاهية ليس محصوراً في تلك الوسائل بل ممارسة الرياضة و ممارسة تلك الألعاب الذهنية و مشاهدة "ناشونال جيوجرافيك " وغيرها من القنوات الوثائقية .
أصبح الوقت الذي أقضيه مع عائلتي أكبر من ذي قبل ، لم أعد أحتاج تلك الوسائل للتواصل مع من أريد بل بكل بساطة كنت أتوجه للاتصال به ، فأسمع صوته ويسمع صوتي بدون حاجز شاشات بيننا ، ازداد وقت العبادات .
أصبح هناك المزيد من الوقت لمعاتبة النفس ومحاسبتها وإصلاحها .
وجدت راحتي عندما امتلكت عالمي الخاص بي ، لا يشاركني فيه أحد ولا أشارك أحداً في عالمه ، لا أستهلك طاقتي في معرفة ماذا تناول هذا على غدائه وإلى أين ذهبت تلك اليوم .
أخبرني مافائدة كمٌ من المعلومات الهائلة التي تستقبلها يومياً لا تسمن ولا تغنِ من جوع ، معلومات تافهة واهية تحتل عقلك وتستهلك طاقتك الدماغية بدون أدنى فائدة .
لا أنكر أن هناك أشياء تستفيدها منها ولكنها مقارنة بتلك المعلومات التافهة ، ضررها قد تعدى نفعها ، إذاً فالمحصلة النهائية هي الضرر.
فالفائدة يمكنك تعويضها بالقراءة أو الاستماع إلى برنامج ما ، لكن الضرر من سيصلحه؟
تبدلّت حياتي في تلك الأيام القليلة ، من شخص يلهث وراء إعجاب أو تعليق إلى شخص ينظر باحتقار إلى تلك الوسائل، يكره رائحتها التي تفوح من جميع الجالسين بجانبك ، تماماً كمدخن قرر الإقلاع عنه ، أجد التشابه كبير جداً .
الحياة بدون (السوشيال ميديا )هي حياة جميلة جداً ، حياة يجب أن تجربها ، حياة تمتكلها أنت ، تمتلك حرية التصرف بها ، حياة الحرية !.
فلتذهب السوشيال ميديا إلى الجحيم ..!
-
Maryam Tahaطالبة بكلية الطب ، أهوى الكتابة شعراً ونثراً ، لي آرائي الخاصة التي أحب أن أبرزها للعيان بشكل بلاغي ..